الحرية ل أيمن نور

الحرية ل أيمن نور - عبدالباري طاهر

كان الرئيس المصري حسني مبارك حريصاً على البيعة باعتبارها حقاً مقدساً. وربما اقنعه سدنته أن فوزه بالانتخابات أولى وأقوى من البيعة التي أصبحت مكروهة كراهية تحريم، وتجر أو تفجر غضباً قابلاً للاشتعال.
ثم أن سيد البيت الأبيض لا يسيغ «البيعة»!! وجرت الانتخابات الرئاسية في ظل قانون الطوارئ. ونافس أيمن نور في هذه الانتخابات الشائهة ليخرج إلى السجن، رغم أنه لم يحصل إلا على أدنى الأصوات.
يقبع «نور» الشخصية الليبرالية المتفتحة، في سجنه بحكم قضائي. ويعاني من عدة أمراض يمكنها أن تفتك به في أية لحظة، ورغم تقارير الاطباء ودعوات ونداءات المنظمات الحقوقية والانسانية فإن السيد حسني مبارك قد أصم إذنيه عن سماع هذا «الرجاء».
في الأسبوع الفائت دعا الرئيس الامريكي بوش إلى إطلاق سراح نور فغضبت الحكومة المصرية غضباً شديداً لتدخل بوش في الشأن الداخلي المصري!!
فما السر وراء الغضب من طلب الافراج عن سجين رأي وعن منافس سياسي لم يحصد إلا أصواتاً قليلة تشهد زوراً بديمقراطية النظام، وبفوز مبارك، فما وراء غضب النظام؟
النظام العربي كله (وفي المقدمة مصر) يقبل بالتدخل الأمريكي في كل تفاصيل الحياة الداخلية، ويقبل الاملاءات والأوامر التي تتصادم مع المصالح الوطنية والقومية. فهو يقبل بالسلاح النووي الاسرائيلي الخطر المحدق والمهدد للمنطقة كلها، في حين يستجيب لأجندة امريكا واسرائيل في رفض «حق امتلاك ايران للطاقة النووية».
يقبل النظام العربي -جله- بالتطبيع بأشكال وصور مختلفة، ويقبل بالحرب ضد بعضه تحت الراية الامريكية. يقبلون خائنين بتدمير العراق وتصفية القضية الفلسطينية ويسكتون ويقبلون بما يسيء للسيادة والاستقلال ومصالح أمتهم وشعوبهم، ولكنهم بكل الإباء والشمم، لا يقبلون بأي تدخل من أية جهة كانت حتى لو كان التدخل من الصديق الامريكي لصالح الديمقراطية أو الاصلاح السياسي، أو رفع حالة الطوارئ «المؤبدة»، أو احترام حقوق الانسان، والحد من الفساد والاستبداد.
تقبل الانظمة العربية بالعدوان الوحشي الاسرائيلي ضد لبنان ويعطون المبررات اللاأخلاقية لهذا العدوان؟!
ولكنها (الانظمة العربية) لا تقبل أي تنازل لصالح حرية شعوبها، وعدالة حكمها وإصلاح نظمها الشمولية والدكتاتورية.
لم تكن امريكا قبل ال11 من سبتمبر 2001، تتحدث عن حقوق الانسان في البلدان التابعة والصديقة ولكنها بعد الكارثة أدركت -مؤقتاً- أن غياب الحرية والعدالة وراء ما حدث فطرحت «مشروع باول للاصلاح والدمقرطة وسرعان ما تراجعت عنه لانه يتصادم مع مصالحها التي لا تضمنها غير الدكتاتورية والفساد والاستبداد.
بوش عندما يدعو الرئيس حسني مبارك للإفراج عن «المنافس» نور، فهو كواعظ مسيحي يقول كلمته ويمشي؛ فالدعوة أقرب لبراءة الذمة منها لأي شيء آخر، كما أنها تعبر عن الطبيعة والرؤية الامريكية لحق المنافس والمعارضة. ويقيناً فإن الادارة الامريكية، أياً تكن، أكثر استشعاراً بخطورة الممارسات القامعة في هذه البلدان، وأكثر معرفة بضرر الفساد والاستبداد والدكتاتورية المفرطة على هذه الانظمة المهترئة.
يدرك الرئيس العربي التابع أن الادارة الامريكية ليست بالحريصة على حقوق الانسان العربي يقدر حرصها على مصالحها، لذا فهو لا يستجيب للدعوات الامريكية، ولا يهتم كثيراً ببيانها وتقاريرها عن حقوق الانسان، وغالباً ما يلجأ للمقارنة بين الاقوال والافعال الامريكية في جوانتانامو والعراق، ومساندتها المطلقة للمجازر الاسرائيلية ضداً على الفلسطينيين. وربما عزز فوز الاسلام السياسي في الانتخابات النيابية الأخيرة في مصر، وفوز حماس في فلسطين، ومقتدى الصدر في العراق، ربما هذه النتائج قد عززت مخاوف الحكم وامريكا على حد سواء على من الديمقراطية. وأطلقت يد الحكم في المزيد من القمع والمصادرة والتوحش.
من حق زوجة المناضل الديمقراطي «أيمن نور» أن تنزعج من دعوة بوش لإطلاق سراح زوجها، فنور وزوجته أكثر إدراكاً لعدم جدية وصدقية مثل هذه الدعوات التي تحرق البخور وتحاول تملق الداخل، والاتجاهات الليبرالية، ومنظمات حقوق الانسان.
ولقد أدرك المفكر الديمقراطي سعد الدين ابراهيم ازدواج ونفاق مثل هذه الدعوات أثناء اعتقاله. ووصل حد القناعة بتخلي الادارة الامريكية عن الديمقراطية ودعوات الاصلاح. فالادارة الامريكية في دعواتها لمكافحة الارهاب انما تقوم بنشر الارهاب في العالم، وتساند ارهاب الدولة وقمعها في كل مكان تحت ذريعة مكافحة الارهاب. وما يجري في افغانستان وباكستان والعراق وفلسطين والصومال وفي العديد من بلدان افريقيا وامريكا اللاتينية تؤكد هذه الحقيقة.
يدرك الحكم العربي أهمية السمسرة والمقايضة، فهو يعطي لأمريكا ما تريد من الثروة والسيادة والكرامة، وتنفيذ أجندتها والقبول بإملاءاتها حتى الماسَّة بالحق والكرامة مقابل التغاضي عن قمعها لشعبها وتجاوزاتها ضداً على حقوق الانسان، ومصادرة الحريات.
إن التجاذب المصري الأمريكي بشأن الافراج عن المظلوم أيمن نور، لعبة سمجة ولا أخلاقية. واللافت أن نور قد أدرك ميوعة الموقف الامريكي باكراً، ولم يراهن عليه.
يبقى المأزق الحقيقي، موقف مؤسسات مجتمعنا المدني: أحزاباً وصحافة ومنظمات وهيئات وشخصيات. ما يعيب أحزابنا والاتجاهات الفكرية والأدبية، ضعف اهتمامها واحتفائها بحقوق الانسان. وقد يصل الامر حد الصمت القاتل وربما الإدانة عندما يتعلق الأمر أو بالأحرى القمع، بالخصم السياسي. فالقومي واليساري والاسلامي لا يهتم كثيراً عندما يقمع الليبرالي. وقد يتجاوز البعض إلى الوقوع في دائرة الإدانة أو التشفي والتبرير للقمع.
سكوت الاتجاهات الفكرية والسياسية العربية عموماً، والمصرية على وجه أخص، عن قمع المعارضين الليبراليين: أيمن نور، اليوم، وسعد الدين ابراهيم، بالأمس، خطيئة ماثلة، فليست الحرية والديمقراطية أن تدافع عن النفس أو المتفق (معك) فقط وانما تتجلى حقيقة وصدق الالتزام بالمبادئ والوفاء لها بالدفاع عن الخصم وعن الآخر المختلف معه. فهل نحن على استعداد أن ندفع رؤوسنا ثمناً لحق الآخر في التعبير عن رأيه ومعتقده، كما فعلت شعوب وأمم قبلنا، حسب مقولة فولتير الشهيرة.
وأيمن صحفي نتمنى على زملائنا الصحفيين وعلى النقابات الصحفية، وبخاصة المصرية، والاتحاد العام للصحفيين، والمنظمات الصحفية العالمية، التنادي للدفاع عن هذا الصحفي القدير.