نافذة.. المحمول القاتل؟!

نافذة.. المحمول القاتل؟! - منصور هائل

شدني الخبر الذي شاع مؤخراً ونشرته بعض الصحافة، وتداولته مجالس الساسة والمثقفين: ما يسمى «النخبة» التي رقصت طرباً بالقفزة الهائلة التي حققتها اليمن في مجال تقنية القتل.
وكان لافتاً ان القابلية والاقتناع بصحة اكتشاف واحتكار السوق اليمنية لهذه التقنية المذهلة أكبر بما لا يقاس من الشك فيها أو سؤال غموضها. وقد ارتفع صوت التحذير من اتساع نطاق مفعولها في السوق اليمنية، التي لا تشكو من نقص في ادوات القتل والقتلة والقتلى، بقدر ما تعاني من تخمة وفائض لا يخطر على بال، في هذا المجال.
إنها تقنية القتل عن طريق الهاتف المحمول، وقد غرقت السوق بطوفان من المنشورات التي حذرت من مهلكة متأتية عن تلك الارقام التي تبرق على شاشات اجهزة التلفون بلون احمر يشع بموجات «عالية جداً جداً» تتسبب في تلف الدماغ وتصرع من يستقبلها.
وتلقف الشارع ما سمع، وكذلك «الصالونات»، وتناسلت الروايات المعززة باسماء من قتلوا، وعدد القتلى، الذي قيل أنه ما زال دون الثلاثين، وهو قابل للزيادة. وربط البعض هذه التقنية بصلة نسب مع «المتمردين الحوثيين».
وكان مستوى اكتساب هذ الخبر/ الشائعة، أكبر بما لا يقاس من أثر الرد الخافت بالنفي، لأن الحرب صارت «خبزنا اليومي»، ولأن مناخاتها الثقيلة كتمت الانفاس، وهرست الناس، وشلت العقل، الذي لم يعد يشتغل إلا في نطاق الاستجابة لذبذبات صعدة واصداء الحروب السابقة، ونذر القادمة.
وكان على من يحاول تصويب اللا معقول بتكذيب خرافة امتلاك اليمن لسلاح دمار شامل، عبر تحويل المحمول من سلعة مستخدمة للأغراض السلمية إلى سلاح مروع، أن ينحني للعاصفة، ويتساكن مع اغلبية تواطأت على استمراء الخدر بسحر المحمول المشبع بقوة الفتنة والافتتان الطاغية على صوت العقل؛ حتى اني لم اتمكن من اقناع الصغيرات في بيتي ببطلان ما يشاع، لأنهن تبرمجن على التسليم اليقيني بصحة الخبر، وكانت كل واحدة منهن تصفعني بمنشور يتضمن نماذج من الأرقام القاتلة، وتطعِّم الأمر بواقعة طرية عن قتيل لرقم فتاك في حي مجاور.
هكذا صار مجرد التفكير بقياس ومقارنة تقنيتنا هذه مع «الجمرة الخبيثة» ضرباً من السخف والسذاجة، بقطع النظر عن ما اشاعت من ذعر في واشنطن عواصم أوروبا التي لم تقدم الدليل الملموس عن حجم ضحايا جمرتها المزعومة.
واتضح ان الطابع السحري لجهاز المحمول، هذه الالعوبة والاداة الانفجارية التواصلية، قوي المفعول في مستوى استدعائه للاساطير والحكايات الخرافية التي تستحضر أي شخص كان من أي بقعة قريبة أو نائية، وتخترق الأمكنة والازمنة، وتزاوج بين الأنس والجان، على نحو ما يحدث اليوم والآن، حيث انطمس الفاصل بين الهاتف المحمول والسحر، ومسخت الصفة العقلانية للمحمول باستدخاله في باب الخرافة على نحو أسقط ماهية العلم وقيمته القائمة في الأصل على مناهضة السحر.
ولما كانت استخدامات الهاتف المحمول في اليمن لا ترتبط ، في اكثر الاحوال، بتيسير الاعمال والخدمات والنشاط الاقتصادي، ولما كان نطاق استخدامها يتناظر مع استخدام أخوتنا في الصومال الذين احرزوا قصب السبق في استخدام الهاتف الجوال على مستوى المنطقة، فقد كان من البديهي ان ينحرف عن وظيفته الخدمية الانتاجية لمصلحة الوظيفة القتالية المشتعلة بزيت الخرافة والسحر بما يقطع بواقع ان هذه البلاد لم تقلع بعد من مدرجات الزمن الاسطوري السابق، حتى، إلى الزمن الديني.
mansoorhaelMail