نافذة.. «ما إلك» إلا ساركوزي!

نافذة.. «ما إلك» إلا ساركوزي! - منصور هائل

أفصح معظم «الخبراء» العرب بالشأن الفرنسي عن رغبة عارمة باختطاف فرنسا ومجسمات عنوان الجمهورية الأشهر في التاريخ الانساني المعاصر: الحرية، الإخاء، المساواة.
وتبدت الضحالة الرعناء بما سمعنا من صراخ نضحت به الفضائيات، ومعظم الصحافة العربية التي ألقت باللوم على العرب والمسلمين في فرنسا لأنهم لم يكونوا «قبيلة واحدة».
إنها الذهنية الصحراوية «الواحدية» التي لا تحترم التعدد والتنوع والاختلاف، ولا تلتفت لنداء ومنطق المصالح.
ولا فرق بين من حاول تلطيف المسألة بالحديث عن ضرورة مماهاة «اللوبي اليهودي» بإنشاء وتصميم وتجهيز «اللوبي» الاسلامي والعروبي الموازي، وبين من استبطن ذات القناعة ووارب وقال بضرورة «الوحدة»: وحدة العرب والمسلمين ضد فرنسا وأنفسهم، وبين اولئك الذين يجهرون بالجهاد على رؤوس الأشهاد، ويهتفون ويرقصون لتكاثر النسل الاسلامي وفقراء الضواحي والقنابل والألغام الموقوتة و«حصان طروادة» الفاتح الماكر، على طريق اقامة دولة الخلافة والتحكم بعرشها: الاليزيه.
وإذا كانت هذه الآراء تصدر عن «خبراء» أسرى لفكر استبدادي طاعن في فساده، ومتضخم في امتلائه إلى درجة عدم ادراكه المطب لاندراجه في خانة الممارسة الوصائية والعدوانية على العرب والمسلمين في فرنسا، وعلى فرنسا، وقيم الحضارة والتنوع والاختلاف.
وإذا كان هؤلاء «الخبراء» أعمى من أن يدركوا فداحة الصلف الذي يرتكبون بانتهاكهم حق الفرنسيين المسلمين في ممارسة مواطنتهم و اختياراتهم كمواطنين أولاً، فإن الطامة الكبرى تتجسم بصورة «الخبير» العربي المسلم الذي يقطن في فرنسا، أو غيرها من بلاد أوروبا، حينما يطل علينا وهو يقوم بتمشيط شعر رأس مقطوع ولا يلتفت لمنظر الدم المتجمد في الرقبة، ليواصل القدح بتجربة فرنسا، ويفزعنا بفقدانه لذاكرة الوجع والخروج من ديار العروبة والاسلام التي ضاقت به وأمثاله، كما ضاقت بحفاة السكان الذين لا يطالبون بـ«التداول السلمي للسلطة» بقدر ما ينشدون الأمان وعزة الكفاف!
على أن الأدهى مما نرى هو ما يتبدى من نزوع هؤلاء إلى اختطاف فرنسا وتعريبها وتأثيثها كعمارة «قصر جمهوري» في مقابل الاليزيه وما ترمز إليه، و جمهورية عسكر وقبيلة، ثم عائلة، بدلاً من جمهورية الإخاء والحرية والمساواة.
إنهم يطالبون بالمواطنة ولا يمارسونها في مسقط الرأس، ولا يريدون لمن نجا برأسه من «الوطن» أن يسترد أنفاسه، ويمارس حقه في المواطنة بفرنسا أو غيرها أولاً، وحقه في المعتقد والعبادة ثانياً. إنهم يمعنون في تطلب استبدال العلمنة بالغلمنة.
إنهم -جلهم وليس كلهم- لا يحبون ساركوزي ولا رويال، ولم ينخطفوا إلى أرقى تجليات الابداع السياسي الفرنسي التي لم تفرز النتيجة النهائية لانتخابات الرئاسة إلا بعد أن تمكنت من إعادة تعريف وابتكار فرنسا من خلال حوار إرادات وبرامج وأفكار تسفر عن فوز سيجولان رويال، التي احببتها وتحيزت لها بمنطق نرجسياتي الاولى وتطلعي لـ«قوامة» امرأة، ولكنها أسفرت عن فوز ساركوزي، الذي فرحت بفوزه وإن من قبيل النكد ومناكفة من لم تعجبهم النتيجة بالقول: «ما إلك إلا ساركوزي»، على غرار عنوان برنامج شهير بفضائية لبنانية «ما إلك إلا هيفا».
mansoorhaelMail