سلعة الموت

محمد الغباري - سلعة الموت

خمسون في المائة -أو أكثر- من الادوية المعروضة في الاسواق اليمنية، مهربة أو غير مطابقة للمواصفات، غير أن هذا لا يعني شيئاً من وجهة نظر الحكومة أو وزير الصحة.
الموت لدى اليمنيين روتين يومي، والحياة ليست مقدسة، وأياً كان السبب في الوفاة فإن ذلك لا يهز ضمير او اخلاق أحد. وانت تمر في الشارع لا مانع من أن تدوسك عجلات سيارة غلام خرج لمعاكسة النساء، أو تخطفك رصاصة أحد مرافقي «حمران العيون» حين اراد بصق «شمَّته» على الرصيف وامتد اصبعه إلى زناد البندقية.
الامر في غاية البساطة فعزرائيل اليمن ليس حكراً على الأغنياء أو المحمولين بمرافقين ولكن له نسخة اخرى لدى البسطاء، فقد تجد نفسك ضحية سائق موتور خرج باكراً يبحث عما يستطيع ان يشبع به بطوناً جائعة، أو سائق شاحنة لا يعلم أن في العالم شيئاً اسمه قواعد للمرور.. والأجمل في حكايات الموت لدينا نحن اليمنيين ان رجلاً قد يقتل الآخر عند اختلافهما على عشرين ريالا، أجرة ركوب احد الباصات.
طوال السنوات الخمس عشرة الماضية وقبلها ازدهرت تجارة الأدوية المهربة بصورة ملفتة وتكونت بسببها ثروات باهضة لمن أفلحوا في اقتحام هذا السوق عند بدايته، وسمعنا أن هناك سفناً في عرض البحر أو على الشاطئ الافريقي تقوم بإعادة تصنيع وتعبئة ادوية مقلدة، وان أدوية أخرى تصنع في الهند أو باكستان وكلها تدخل وتباع في الاسواق تحت علم ونظر أجهزة الحكومة بما فيها اجهزة الامن السياسي والقومي ومكافحة الارهاب والبحث الجنائي والأمن المركزي والحرس الجمهوري والقوات الخاصة.. إلى آخر هذه التسميات.
ببساطة لا يوجد من يخجل في هذه الحكومة؛ ولهذا لا يستحي مسؤول ان يقول ان 60٪_ من الادوية التي تباع مهربة، وأنه يعرف المحلات التي تبيع هذه الأدوية والاشخاص الذين يتاجرون بها. كما ان وزير الصحة ورئيس الوزراء وحتى رئيس الجمهورية يعلنون بصراحة ان المستشفيات الخاصة لدينا عبارة عن دكاكين لا تتوافر فيها مواصفات المنشآت الطبية، وان مستوى تأهيل غالبية الاطباء لا يعطيهم حق فتح عيادات خاصة او تحمل مسؤولية العبث بأرواح بشرية..
ولأن الحال كذلك فإنه ومنذ ان حل موسم الصيف امتلأت المحلات التجارية والبقالات بمختلف أنواع الفواكه وفي غير وقتها وكلنا -مسؤولين وباعة ومشترين- يعلم أنها عولجت بمادة الكربون حتى أفقدتها مميزات طعمها ولونها، ومع هذا لا أحد يحتج أو يستفز ولا أحد يسأل عن مسؤوليات وسلطات وزارة الزراعة والصحة في الحفاظ على حياة الناس من هذه السموم، اولاً. وثانياً لحماية ما تبقى من سمعة المنتجات اليمنية التي نريد تصديرها إلى دول الجوار.
الحكومة لدينا ونحن معها نجيد تحميل الآخرين مسؤولية فشلنا ونتقن فن الصراخ بأن الجوار يقف ضدنا، لكننا لا نواجه انفسنا بحقيقة اننا نسيء لكل شيء ولا نقيم وزناً حتى لحياتنا.
 
وزير المالية
شخصياً، وإن كنت أميل إلى الرأي القائل ان التغيير في البرامج يجب ان يسبق اي تغيير في الاشخاص، غير أني، ومن واقع ما اطلعت عليه، اجدني ايضاً من المتحمسين للتغييرات التي طالت الوزارات ذات الصلة بقضايا الفساد وتحديداً المالية والانشاءات والاقتصاد.
وللدلالة فإنه ومنذ بداية تسلمه وزارة المالية تمكن الدكتور سيف العسلي من ضبط كثير من الاختلالات، وارتفعت اصوات اللوبي الذي انتعش في اجواء الفساد.
الرجل أعاد للنظام احترامه بدلاً عن سطوة العلاقات الشخصية والخاصة... إنها تجربة تستحق منا التريث قبل إصدار الأحكام، فقد عهدنا الوزراء موظفين لدى مدراء الحسابات.