قانون الإثراء غير المشروع.. متى يبصر النور؟

قانون الإثراء غير المشروع.. متى يبصر النور؟ - يحيى سعيد السادة

من المسلمات في هذا البلد: عزوف الناس عن أي متاهات تشغلهم عن تركيزهم اليومي المنصبَّ أساساً على واقعهم المثقل بالأعباء المعيشية. فحاسة السمع لدى هؤلاء محصورة في كلمات هي موضع الالتقاط، أي مبرمجة على التعاطي معها فقط، كرغيف العيش وحليب الاطفال وصدى أصوات مالكي العقارات وموزعي فواتير الدولة كلما اقترب الشهر من نهايته. لذا نجد أن مجمل اهتمامات الناس وأولوياتهم تنحصر في تطلعاتهم نحو حياة هادئة وكريمة تتوفر فيها فرص العمل المتساوية وفق القدرات والاختصاصات، بعيداً عن الوساطات والمحسوبيات التي تزرع الأحقاد والفتن والحساسيات بين ابناء الوطن الواحد. وتؤسس لإحتقان مزمن كلما تضاعف عدد العاطلين ووصل بهم الأمر إلى طريق مسدود، فلا شيء يفقد المرء توازنه ويشل تفكيره سوى الجوع والشعور بالبقاء دون هدف خاصة في ظل ارتفاع الأسعار وتسرب الأطفال من المدارس والسطو على وظائف الخريجين والنهب المبرمج للمال العام ولأراضي الدولة و مصادرة حقوق الناس تحت مسمى المصلحة العامة. لا شيء في الأفق يبشر بخير في ظل فوضى المحاكم والأقسام والمكاتب. حيث و من يديروها ليسوا أهلاً، لدرجة ان هؤلاء يتعمدون اذية المواطن لإثارته ومن ثم صب جام غضبه على الوضع. مما يدلل على أن هنالك طابوراً خامساً مندس في الوظيفة العامة مهمته اختلاس وابتزاز المواطن بكل الوسائل المتاحة لتحقيق اكثر من غرض:
جمع اكبر قدر من الثروة مقابل افقار الاخرين وشل حركتهم في الحياة، تكريس الحقد والكراهية في نفوس الناس بغية الثناء على عهود غابرة، خاصة كلما نجح اعضاء هذا الطابور في ايصال الناس إلى درجة من الاحباط والقنوط. فمنهجية هؤلاء المندسين تعتمد على النفس الطويل والقدرة على التلون والتأقلم مع كل المستجدات على الساحة بل وامكانية اختراق اي عمل تنظيمي بحيث يفاجأ المرء بتقدم مراكز هؤلاء وتبوؤهم أماكن حساسة تمثل لهم مناخاً ملائماً وبيئة صالحة لتمرير مخططاتهم الخبيثة. ان من يلهث وراء الاثراء بطرق غير مشروعة دافعه إلى ذلك محاكاة من سبقوه بغية اللحاق بهم هو بلا شك ضمن المصنفين في قائمة اللصوص الخطرين على الوطن. لأذية الناس وإذلاله لهم فهو اشد خطورة ولصوصية كون الدافع مزدوج بين الاثراء الحرام وتأجيج مشاعر الناس ومن ثم سخطهم على كل شيء من حولهم. ان الكشف عن هؤلاء ومن ثم التقاطهم هو امر سهل اذا ما كانت الدولة جادة في تنقية الجهاز المالي والاداري من الشوائب العالقة به منذ سنين طويلة. فأي اصلاحات في هذا الجانب هي مقدمة اساسية وملحة على طريق وقف نزيف المال العام. الامر الذي سيؤدي حتماً إلىاصلاح المسار الاقتصادي ومن ثم الانتعاش التدريجي للوضع المعيشي. ولتحقيق مثل هكذا اصلاحات فإن الامر يتطلب روحاً محصنة بالعفة والنزاهة اذ لا يمكن لأي مشروع ان ينجح اذا ما نفذ في بيئة ملوثة بالانحراف والفساد والإثراء غير المشروع. لذا فإن مجرد التفكير في القيام بإصلاحات لأي جانب من الجوانب المختلة في هذا البلد لا بد وأن تسبقه اجراءات اهمها حقن فيروس العبث بكل اشكاله بمصل ناجع كون استمرار انتشار هذا الفيروس يؤدي حتماً إلى انتشار رقعة الفقر بمساحات أوسع ومن ثم زيادة حجم الاحتقان، مما يفقد السلطة القدرة على الاستمرار في المناورة او في تحديد البدائل وانتقاء الخيارات بحيث لا تجد امامها سوى خيار واحد لا بديل له وهو تفعيل قانون الكسب غير المشروع. هذا القانون اذا ما ادير بآلية نظيفة بحيث لا يوجه صوب الضعفاء والمساكين بهدف ذر الرماد على العيون فإننا سنشهد تحولات كبيرة وقفزات هائلة على كل الصعد ناهيك عن مشاهدة عتاولة النهب وهم يترنحون امام احكام القضاء كما يترنح عامة الناس يومياً من ألم الجوع وقسوة الحياة.