وصورة.. المصري حتى النخاع

وصورة.. المصري حتى النخاع

ظهر المخرج السينمائي محمد خان مساء السبت الفائت على قناة الحرة. كان ضيفاً على برنامج «قريب جداً» لمقدمة جوزف عيساوي. والمعروف عن البرنامج كما مقدمه ذهابهما الى المناطق الشائكة في حياة ضيوفه الموزعين على مناطق الأدب والفن والسياسة. فتحه الباب دافعاً إياهم للحديث عن المسكوت عنه والمستور عليه في تفاصيل ماعاشوه من أيام. ومن حياة على الأرض العربية بكل ما فيها من التباسات.
والمخرج محمد خان إشكالية كبرى بحد ذاته. بمفرده يستطيع أن يكون علامة إكس كبيرة وحمراء ساخرة ولاعنة مثل هكذا أوطان عربية تحاكم بنيها على أساس فصيلة الدم والعرق وتاريخ السلالة. منحته بريطانيا جنسيتها في حين منعتها مصر عنه.. «الجنسية ورقة وأنا مصري من دون ورقة»، قال محمد خان في «قريب جداً». ولذلك كان عليه أن يقوم بتجديد الاقامة بشكل سنوي كيما يكون قادراً على العيش في مصر. وللمفارقة هنا يحمل ولده جوازاً مصرياً على اعتبار أنه ابن لمصرية «تجديد الإقامة شعور بالإهانة» يضيف محمد خان.
وفوق كل هذا يأتي بين فيلم وآخر لهذا المخرج الفريد من يقول: «يجب أن لا يعالج محمد خان مشاكل المجتمع المصري»!! وهذا لأنه غريب وقادم إلى هذا المجتمع من خارجه، ويقال هذا الكلام على مخرج بثقل وحجم ومهارة خان، مبدع مجموعة من أجمل ما أنتجته السينما المصرية في تاريخها. مجموعة من تلك الافلام المبتكرة والصانعة مجالها التصويري المبتكر، النازلة إلى الشارع والغائصة بين تفاصيل أفقر عناصره البشرية التي لا يلُتفت إليها عادة، أفلام من وزن «الحِّريف، زوجة رجل مهم، عودة مواطن، أحلام هند وكاميليا، ضربة شمس، وبنات وسط البلد».
والده تاجر الشاي الباكستاني، أتى إلى مصر راغباً في الحياة والعيش والتجارة وفيها أنزل لنا محمد خان الذي لم يستقر أو لم يستطع فعل ذلك بسبب وقوعه في خانة الفرد الملاحق دائماً. تنقل بين بيروت وباكستان ولندن واقترح طريقة سينمائية تقول بكيفية تحويل «الصرصور» بطلاً.
التصق بأطفال الشوارع وحول ظاهرتهم إلى أفلام سينمائية باهرة معيداً لهم الاعتبار ولو على طريقته وكاميرته. وكان قد تحدث عن «التوربيني» وكيف أنه هو ذاته ينتمي في الأصل إلى أطفال الشوارع وكان واحداً من الضحايا.
وقال ان طفل الشارع لا مشكلة لديه في كيفية حصوله على الأكل والشرب، فهذا سهل، لكن المشكلة تكمن في كيفية تكوين ثقافته الخاصة وتربيته الاجتماعية.
عمل «أيام السادات» لأحمد زكي وناله ما ناله من قدح وذم وتقليب في كريات دمه الحمراء والبيضاء، خصوصاً من مناصري ودعاة الناصرية بسبب إعلائه راية السادات. بما يعني أنه كان ملاحقاً من الجميع و أن كل خطوة من خطواته لا بد وأن يتبعها تابع وتلحقها عين راصد ومطارد وباحث عن زلة أو علة.
هو محمد خان إذن.. كما قدمه لنا برنامج «قريب جداً»، كما وهو «المخرج المصري المصري حتى النخاع» بحسب العبارة التي ختم بها جوزف عيساوي برنامجه.

- جمال جبران