تمثل حالة الاستقرار في المملكة العربية السعودية عاملًا محوريًا في توازن المنطقة، لكن هذا الاستقرار يظل هشًا في ظل استمرار الصراع في اليمن، إذ إن الجوار الجغرافي والتداخل السكاني والقبلي والمذهبي بين البلدين يجعل من الصعب عزل تداعيات الحرب اليمنية عن الداخل السعودي سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو الاجتماعي.
ورغم أن السعودية تحتفظ بعلاقات متفاوتة مع مختلف الأطراف اليمنية، بما في ذلك الحوثيون، إلا أن غياب مواقف حازمة وممارسة ضغوط فعلية وجادة على جميع الفرقاء اليمنيين من أجل التفاهم والتوصل إلى حل سياسي شامل، قد يرتد سلبًا على سمعتها الإقليمية والدولية، حيث يُنظر إلى استمرار الصراع أنه يصب في مصلحتها أو يتم بتغذية منها، وهو ما يضعها في موقع الاتهام بأنها تسعى لإبقاء اليمنيين تحت رحمتها دون تمكين أي طرف من الحسم أو الخروج من حالة اللاسلم واللاحرب.
كما أن تكلفة الحرب المستمرة في اليمن تمثل عبئًا اقتصاديًا كبيرًا على السعودية، إذ إنها تتحمل أعباءً مالية هائلة لدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، إضافة إلى تمويل عمليات التحالف العسكري ومشاريع الإغاثة وإعادة الإعمار المؤجلة، وهو ما يضغط على الميزانية العامة، ويؤثر على أولويات التنمية الداخلية التي تسعى المملكة لتحقيقها ضمن رؤيتها 2030.
ومن الناحية الاجتماعية، فإن استمرار الحرب أدى إلى بروز تدفقات بشرية كبيرة من اللاجئين اليمنيين نحو الأراضي السعودية، ما قد يولّد توترات مجتمعية، ويؤثر على سوق العمل، ويزيد من التحديات المرتبطة بالهوية والاندماج الثقافي، خصوصًا في مناطق الجنوب التي تربطها باليمن روابط تاريخية عميقة، وقد يؤدي ذلك إلى تغييرات ديموغرافية غير محسوبة النتائج.
ورغم الحضور المتزايد للسعودية في المحافل الدولية، وسعيها للعب أدوار في ملفات كبرى تتعلق بالطاقة والسلام الإقليمي والاقتصاد العالمي، إلا أن عجزها عن إنهاء الصراع في اليمن الذي يقع ضمن محيطها الجغرافي المباشر، يثير تساؤلات جوهرية عن قدرتها الفعلية على التأثير في بيئتها القريبة، ويكشف فجوة بين طموحاتها الدولية وعجزها الإقليمي، ما ينعكس سلبًا على مصداقية سياستها الخارجية، ويضعف ثقة حلفائها المحليين والدوليين في دورها القيادي.
أمام تعقيدات الملف اليمني وتعدد أطرافه ومصالحه، يتعين على السعودية أن تعيد النظر في تحالفاتها وأدواتها داخل اليمن، وألا تعتمد فقط على من يبدون الولاء بسبب المال أو المصالح الآنية من شخصيات يمنية فقدت مصداقيتها على الأرض أو من تستمر في تقديم الولاءات اللفظية دون أية قدرة حقيقية على التأثير أو الحشد، كما أن الاعتماد على وجوه تقليدية أثبتت فشلها أو تغذت على الدعم السعودي دون نتائج ملموسة، يعمق الأزمة، ولا يسهم في الحل. ولهذا فإن السعودية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، بالبحث عن شركاء يمنيين جدد يمثلون قوى حقيقية على الأرض، وينطلقون من قناعة وطنية بالسلام لا من حسابات شخصية أو مكاسب مالية وقتية.
أخيرًا، فإن أي تحول مفاجئ في توازن القوى داخل اليمن قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة تؤثر بشكل مباشر على أمن السعودية القومي، بما في ذلك احتمال خلق فراغ أمني تستغله جماعات متطرفة أو دول منافسة، وهو ما يستدعي مراجعة جادة للسياسات السعودية تجاه اليمن، والبحث عن مخرج سياسي مستدام يضمن الأمن والاستقرار المشترك.