في اليمن، البلد الذي كان يُفترض أن يكون سعيدًا، أصبحت الكفاءة عيبًا استراتيجيًا، وامتلاك المؤهلات جريمة فكرية، والعمل بضمير يعتبر "حركة مشبوهة". لا مكان في هرم الدولة لمن يقرأ، أو يُحلل، أو لديه نية إصلاح... فالمناصب ليست للناجحين، بل لمن يُجيد التطبيل، ويعرف متى يصمت ومتى يقول "نعم، فخامة الفشل".
تعريف جديد للكفاءة... لكن على الطريقة اليمنية
في الدول المحترمة:
الكفاءة = علم + خبرة + التزام + مبادرة
أما في اليمن:
> الكفاءة = شخص مزعج يطرح أسئلة في الوقت الخطأ ويقترح حلولًا لا تدر ربحًا على أحد.
هي حالة يُنظر إليها بريبة، ويُتعامل معها مثل عدوى يجب عزلها فورًا، أو على الأقل دفنها تحت أكوام من اللامبالاة.
تحليل واقعي للمشهد
1. الكفء يُحرج الفاشل
تخيل موظفًا يفهم ما يفعل، وسط منظومة تُدار بالبركة والواسطات. هذا ليس زميل عمل، هذا خطر محتمل. سيفضح الخلل حتى بدون أن يتكلم.
2. الفساد لا يحب الضوء
والكفاءة كشاف كبير. تزعج "التوافقات" وتُربك "الترتيبات الخاصة" وتشوش على صفقات العائلة، وتهدد "السكوت العام".
3. الدولة كغنيمة لا كمؤسسة
الوظيفة السيادية في اليمن ليست خدمة عامة، بل جائزة ترضية أو غنيمة حرب. ما شأن الكفء في هذا السوق؟ ليس له مكان.
وقائع من دفتر الفضيحة
مهندس يمني حاصل على دكتوراه من بريطانيا، رفضوا تعيينه بحجة أنه "مش سياسي"... فيما تم تعيين شخص لا يعرف استخدام البريد الإلكتروني، لأنه ابن شيخ مهم.
محاسب مهني حاول ضبط صرفيات مؤسسة خدمية... فتم نقله "مؤقتًا" إلى مكتب بعيد بدون كرسي ولا طابعة.
أستاذ جامعي يقترح تطوير المناهج، فيُتهم بـ"استهداف المنظومة الوطنية".
هل هذا فيلم؟ لا، هذه الحياة اليومية لمن يُفكر في بلاد تحكمها الشللية.
النتائج الطبيعية:
فرار العقول، وتوريث المناصب.
البحث عن مصلحة خاصة، بدلًا من مشروع وطني.
تراكم الفشل، مع ارتفاع عدد الخطابات.
تمجيد الولاء، وشيطنة الكفاءة.
الخلاصة
في اليمن، إن أردت منصبًا، لا تقدم سيرة ذاتية... قدم سيرة ولاء.
لا تُظهر قدراتك... أظهر طاعتك.
ولا تفكر كثيرًا... لأن التفكير خطر أمني.
أما إن كنت كفؤًا، تحب الوطن، وتريد بناء مؤسسات حقيقية؟
فمكانك ليس هنا. اذهب، أنت لا تنتمي لهذه الفوضى.