إلى: الفنانة الكبيرة، رائدة المسرح في اليمن: زهرة طالب
أجدني اليوم، ومع احتفالات العالم بيوم المتاحف الدولي، 18 مايو، واليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل التنمية والحوار، 21 مايو، وأمام ما كتبته في 2012، أفطس من الضحك ومن غبائي العميق والمركب، والأحلام الطيارة، أسألتكم بالله فين كان حسي وأنا أهذي بهذه الكتابة التي لا تمت للواقع بصلة، وأنا المرأة اليمنية التي جابت اليمن ريفًا وحضرًا لتصور وتكتب وتدون التراث والحياة.. كيف "اتساكى" لي كأنني كائن مخرف، أن يصنع من القبورية جنة مؤثثة بالموسيقى، ومش كذا والسيمفونيات أيضًا، ههههه "شلوني الجن من صدق"!
صدقن بناتي وهن يشبهنني دائمًا، بأنني مثل طفلة الجيران، التي كانت على طول حالمة تمشي وتتنطط، وتطلق يديها في الفضاء وتطير، محلقة بالشمس والقمر والنجوم، حتى بعد أن ارتدت الجلباب والنقاب بالقوة، كنا نراها على نفس الحلم والطيران، والهمهمات الموسيقية.
رعاك الله يا وردة الحوش..
أكتب هذه اللحقة -الخاطرة، وأنا أشرب قهوتي على الموسيقى والسيمفونيات العالمية، وتتناهى زقزقة العصافير وإشراقة الشمس وتفتح حقول الأزهار والورود، والحدائق الممتدة في كل مكان، وبعد أن زرت عدة متاحف في مهرجان "ليلة المتاحف" فرانكفورت، 10.5.2025، أجدني أواصل الضحك كلما قرأت ما كتبته، وبالتأكيد.
نعم، لاجئة أنا اليوم، وأعيش وأحيا كإنسان، وأتمتع بحقوق لم أكن أحلم بها، إنها ألمانيا ووطني حيث أقف هنا، وأستمتع بالأوبرا والسيمفونيات، والطبل والمزمار أيضًا، بلا مليشيات وعسكر، ومشايخ الدين والقبيلة، والتهديدات، وتحطيم الكاميرات، وقذائف ورعب ولا أمان، وو… الخ: إنساااااان. وأتحسر مليون مرة على ما آل إليه إنسان اليمن، غارق بالحرب والمليشيات المتناوبة، دينية وعسكرية وقبلية متطرفة، بلا تعليم ولا كهرباء، وقطرة ماء نظيفة، وبلا سينما ومسرح، وأغنية ورقصة، ووجه مفتوح للطفلات والنساء، كل شيء حرام وممنوع، "اليسك" على أرواحنا -حتى- عدا القتل والتربص، والمخدرات، والاستباحة المجانية لكل شيء.
سأواصل الحلم، مثلما كنت أكتب بقلم الحلم: أن تحيا اليمن وإنسانها كما يعيش البشر، بحقهم في الحياة وحقوق المواطنة المتساوية، وحق التعليم والثقافة والفنون، ووو...

**
الأستاذ رئيس الجمهورية، عبد ربه منصور هادي
رئيس الحكومة: محمد باسندوة
أمين العاصمة: عبدالقادر هلال
وزير الثقافة: د. عبدالله عوبل
نعلمكم -هذا أولًا- أن قصر دار البشائر، ومبنى الأمن القومي، وموقعهما في غير مكانهما الطبيعي، إذ يلتهمان الشارع والرصيف والحارة والأزقة، فيقلقان السكان والمارة، ويحدان من حركة الناس.. فالمتعارف عليه أن يكون موقعهما على مبعدة من العاصمة، وخصوصًا الأحياء التقليدية ذات الشوارع الضيقة في صنعاء القديمة والبونية.. فالزائر والساكن لا يتنقل بحرية، إذ يظل محاصرًا طول زيارته، متحفزًا، خائفًا من أي عسكري يخرج من أي شق أو زقاق أو جدار، أو من تحت حجرة أو إسفلت، يقول لك: ممنوع الاقتراب، أو: قف (وتعرفون لغة العسكر/ الحراس في هذه الأماكن ناقص يضربك بصميل).

وثانيًا: المبنيان يعدان من التحف المعمارية اليمنية الفريدة، ومن الجرم أن تشغلهما قوات أمنية وعسكرية. في هذا المجال، لماذا لا ننحو منحى كثير من دول العالم، حتى المتخلّفة منها، بما فيها دول عربية، لتحويل مباني الأمن، والمعسكرات والسجون، إلى متاحف وقصور للثقافة، أو معاهد ومراكز للفنون، أو مسارح، وحدائق.. فمثلًا معمار مبنى الأمن القومي بهيبته المتفردة، يؤهله ليكون مسرحًا أو متحفًا، ومن حق الأمن القومي وأي جهاز استخباراتي آخر الحصول على مبانٍ أخرى حديثة تليق بجسامة مهامه الخطيرة، وتقع في أماكن بعيدة عن المواقع والمعالم السياحية والأثرية، وبعيدة عن سكن الناس في صنعاء القديمة، وخارج المدن.
ونفس الرأي بالنسبة لموقع قصر دار البشائر، لماذا لا تحوله الدولة إلى معهد عالٍ للموسيقى، وهذا ما ينقص البلاد، فمن المخجل، بل من الجرم وفي الألفية الثالثة وصنعاء عاصمة اليمن لا تمتلك معهدًا للموسيقى، ولا مسرحًا يليق بهذا الفن العظيم.. عار وألف عار أن تكون عاصمة اليمن وعدن وبقية المدن فيها كل شيء، وعارية من لباس الحياة: الفنون.

نأمل ونحلم، إذا ما مررنا ذات يوم من أمام هذين المبنيين، أن نسمع معزوفات الموسيقى اليمنية والسيمفونيات العالمية تصدح من أقبية الأمن القومي، ودار البشائر (سابقًا)، بالتأكيد ستتخفف الذكرى السيئة التي حملهما المبنيان، وخصوصًا دار البشائر، بما هو سجن رهيب تسبب بالكثير من الألم للناس في الحقبة الماضية، بمعنى تحويل الذاكرة السيئة باتجاه صناعة الجمال عبر الفنون، فانسياب الأنغام، والموسيقى، وأنواع الفنون من (دار الرعب سابقًا)، سيوجد عزاءً للكثير من الناس عن تعاسة وحزن تلك الأيام، ولنا نماذج وشواهد لا تُحصى على ذلك في كل دول العالم، وذلك ما رأيناه في الولايات المتحدة الأميركية، وألمانيا، وبعض دول الوطن العربي، من تحول مبانٍ كالسجون، ومقرات الأمن، ومراكز الشرطة، إلى قصور للثقافة والفنون، ومنها المتاحف التي تدر الأرباح لبناء اقتصاد الدولة، من باب الثقافة والفنون، فتصبح مزارات عالمية.
كم سيزيد من جمال صنعاء والمدن الأخرى التي حوصرت بالبارود والفجيعة، أن تبدأ بزحزحة ركام الخراب عبر هذه المراكز التنويرية في الفن والثقافة والتراث التي ستكون سندًا في الترويج السياحي الذي انتهى تقريبًا، ولنبدأ بالترويج السياحي الذي مازلت أصر أنه يبدأ من الداخل، من قلب المُدن والأرياف، ليتعرف أبناء الوطن على بعضهم، لتمتد بعد ذلك صناعة السياحة الدولية، وجعل اليمن واجهة سياحية مثلها مثل أية دولة في العالم.. فمع الاشتغال على فنون الحياة ستتغير صورتنا أمام أنفسنا وأمام العالم، من أن صورة اليمني كائن: متوحش، مقاتل، مطاعن، مضارب، مُخزن وو… الخ.

بالفنون سيتجمّل هذا الشعب، وسيؤمن بأن المستقبل أفضل، بل مفتوح لأن يصبح شعبنا، وخصوصًا أطفالنا، أقل عدوانية، وأقل تمويتًا لأرواحنا وأجسامنا في مجالس القات العبثية وماراثونيات الخرافة والخرافة الجديدة، وأقل شراسة وفتكًا بالآخر المختلف.
ما قبل الأخير:
الأستاذ رئيس الجمهورية، الأستاذ رئيس الحكومة، الأستاذ أمين العاصمة، ووزير الثقافة، وكل من يهمه بلد آمن خالٍ من معسكرات الموت والفجيعة: تجفيف منابع الإرهاب والتطرف الذي أنتم بصدد محاربته واجتثاثه، إحدى آلياته تكمن في الفكر والثقافة والفنون، فكما تعلمون كان منبته في البدء فكريًا، جرى فيه غسل الأدمغة، خصوصًا للشباب الفقراء، على مدى أربعين عامًا، فجرمت الفنون، وأغلقت دور السينما والمسارح، وجرمت الحياة المدنية برمتها.. وما يحدث الآن هو الحصاد.
أخيراً:
الأستاذ عبد ربه منصور هادي، والأستاذ باسندوة، والأستاذ عوبل، وهلال، أنتم وأطفالكم، وأصدقاؤكم وعائلاتكم مدعوون إلى افتتاح المتحف القومي للتراث الإنساني (الأمن القومي سابقًا).
ومدعوون إلى حضور وسماع المهرجان الأول (موسيقى الشعوب) في المعهد العالي للموسيقى (دار البشائر سابقًا).
ومدعوون إلى حضور "مسرح زهرة طالب" لعرض مسرحية "صنعاء مدينة مفتوحة" لمحمد عبدالولي (الفرقة الأولى مدرع -سابقًا).
ومع الأيام ستثبت التسمية الأولى المرتبطة بالروح الموسيقى والفنون:
مرة أخرى، كلكم، كلنا، واليوم، وليس غدًا، علينا أن نعمل بمسؤولية لإخراج المعسكرات من حياتنا، وعقولنا التي حولتها إلى نفوس خربة، خائفة، قلقة ومتوجسة من أي رصاص وانفجار طائش يلتهم مائدة الغداء، ويلتهم سرير ابني، وعروسة ابنتي، فحيثما تصدح الموسيقى يقل الخراب، وتتأنسن الكائنات.
اليوم وليس غدًا، مع الحملة التي تتبناها أمانة العاصمة، مدن خالية من المعسكرات، فلا نملك إلا أن نرفع شعار "عليك بالمدن ولو جارت"، وفي حضرة المدن الخالية من المعسكرات.. لا ظلم، ولا جور فيها، في حضرة الفنون توجد المدن، ويوجد إنسان يمني متحضر.
ليس صعبًا، أن نتحيّز بقوة للجمال، والوقوف في صف الحياة، هذا ما يحتاجه يمن اليوم والمستقبل: أن نحيا..
فكيف تشوفوووووا؟
**
رحم الله الأستاذ عبدالقادر هلال، والتحية لكل من ذكرتهم أعلاه.