صنعاء 19C امطار خفيفة

الثورة المستحيلة في الدول الفقيرة: قراءة في التجربة اليمنية

منذ اندلاع الثورة الجمهورية في اليمن عام 1962، ظلت فكرة التغيير الجذري تراود أذهان اليمنيين، لكنها لم تتحقق بالشكل الذي يلبّي طموحاتهم. ورغم أن الثورة الأولى نجحت سياسيًا بإسقاط النظام الملكي، إلا أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ظلت على حالها، بل شهدت في مراحل عديدة تراجعًا كبيرًا جعل اليمن يتذيل مؤشرات التنمية العالمية.

 

ثورة مدعومة خارجيًا ونتائج محدودة

 
الثورة اليمنية الأولى لم تكن لتنجح لولا الدعم الكبير من جمهورية مصر العربية بقيادة الرئيس جمال عبدالناصر، وهو ما يعكس أن الحراك الثوري في دولة فقيرة كاليمن لم يكن ممكنًا ذاتيًا في ذلك الوقت. ومع أن التحول السياسي قد تحقق، إلا أن الانهيار الاقتصادي وبنية الدولة الضعيفة جعلا من التحول مسألة شكلية أكثر من كونها تغييرًا حقيقيًا في حياة الناس.
وهنا يطرح الواقع سؤالًا مهمًا: هل يمكن لثورة أن تنجح في بيئة تنهكها الأزمات الاقتصادية والاجتماعية؟ التجربة اليمنية تمثل نموذجًا للإجابة بالنفي.
 

الثمن الاقتصادي والاجتماعي للتغيير

 
الثورات تتطلب بيئة مستقرة نسبيًا وطبقة متوسطة فاعلة، وهي شروط تفتقر إليها الدول الفقيرة. المواطن اليمني في العقود الأخيرة يعيش تحت وطأة أزمات متلاحقة: فقر، بطالة، سوء تغذية، نقص في الخدمات الأساسية، وانقسام اجتماعي حاد. في مثل هذا السياق، يصبح من الصعب الحديث عن ثورة شعبية شاملة.
بل إن ما يشهده اليمن هو نوع من الركود الشعبي، حيث يشعر كثير من المواطنين أن التغيير بات مستحيلًا أو غير مجدٍ، مادام الفساد متجذرًا والنظام السياسي غير قابل للإصلاح.
 

الاعتماد على النخب الفاسدة... واستمرار الأزمة

 
رغم التضحيات التي قدمها اليمنيون على مرّ العقود، إلا أن مراكز القرار لاتزال تهيمن عليها نخب تقليدية لا تمثل تطلعات الشارع، وتدير البلاد بمنطق الغنيمة لا بمنطق الدولة. الإدارات الحكومية تفتقر للكفاءة، والمؤسسات العامة تعاني من الشلل، ما ينعكس بشكل مباشر على حياة المواطن اليومية.
البلاد، برغم كل ما مرت به، لم تشهد بعد ثورة مؤسسات حقيقية، بل انتقلت السلطة من يد إلى أخرى دون أن تتغير البنية العميقة للدولة أو الاقتصاد.
 

خاتمة: نحو مشروع وطني بديل

 
لا يمكن لأية دولة أن تتجاوز أزماتها بمجرد تغيير النخبة السياسية. اليمن يحتاج إلى مشروع وطني شامل، يبدأ بإعادة بناء المؤسسات، ومحاربة الفساد، وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية. كما أن أي حديث عن التغيير يجب أن ينطلق من معالجة الجذور الاقتصادية والاجتماعية للأزمة، وإشراك المواطن في صياغة مستقبله، لا جعله مجرد متفرج أو ضحية دائمة لصراع النخب.
بدون هذه الأسس، ستبقى الثورة في اليمن، كما في كثير من الدول الفقيرة، حلمًا بعيد المنال، وتظل البلاد رهينة حلقة مفرغة من الأزمات والتدخلات والصراعات.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً