صنعاء 19C امطار خفيفة

الاقتصاد لا يعرف خطوط التماس: تداعيات كارثية لتوقف تصدير النفط في اليمن

منذ أكتوبر 2022، اضطرت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا إلى وقف تصدير النفط، حدث ذلك بسبب تعرّض الموانئ النفطية لهجمات من قبل جماعة أنصار الله الحوثية، ونتيجة لتهديداتها للشركات العاملة في هذا القطاع. وعلى الرغم من التصور الشائع، إلا أن هذه الأزمة لا تخص فقط الحكومة والمناطق الواقعة تحت سلطتها، فآثارها تتجاوز حدود السيطرة السياسية وخطوط التماس المرتبطة بالصراع، وتمتد إلى مختلف المناطق اليمنية، الشمال والجنوب، والشرق والغرب، وهي أزمة دفعت ومازالت تدفع الاقتصاد اليمني نحو كساد عميق.

 
في اليمن، لا يُعدّ النفط مجرد قطاع إنتاجي، بل هو المصدر الأول للدخل القومي والعملات الصعبة إلى جانب تحويلات المغتربين. وبتوقف تصديره خسرت الحكومة أكثر من نصف إيراداتها، وهذا اضطرها إلى تقليص الإنفاق العام، بما يشمل الرواتب، والخدمات الأساسية، والبُنى التحتية، والمشروعات الاستثمارية. ترافق ذلك مع تدهور شديد في قيمة الريال اليمني، الذي تجاوز 2700 ريال للدولار الواحد، وارتفاع كبير في الأسعار، مما أدى إلى تآكل القوة الشرائية للأسر.
 
التراجع في الإنفاق العام والخاص أضعف الطلب الكلي، وقاد إلى ركود واسع في مختلف الأنشطة الاقتصادية. فالإنفاق الأقل يعني طلبًا أقل، ما ينعكس على حركة السوق، ويؤدي إلى توقف النشاط التجاري وفقدان المزيد من الوظائف. وفي اقتصاد هش مثل الاقتصاد اليمني، فإن فقدان كل دولار من إيرادات النفط يُترجم إلى خسائر مضاعفة في الإنتاج والدخل.
ولا يقتصر أثر توقف الصادرات النفطية على حرمان الدولة من المال، بل يتجاوز ذلك ليضرب النشاط الاقتصادي، ويقود إلى حالة كساد عميق يصعب احتواؤها. ففي عام 2023، مثلًا، تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى -2%، مقارنة بـ1.5% عام 2022، وفقًا لتقارير البنك الدولي. ومع غياب مؤشرات التعافي، يتوقع أن يستمر الانكماش خلال الأعوام القادمة.
 
مرة أخرى، تأثير هذه الأزمة لا يتوقف عند المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دوليًا، بل يطال كل مناطق اليمن دون استثناء. فقد تراجعت حركة التجارة بين المحافظات، وتباطأت عمليات النقل والإمداد، وارتفعت تكاليف المعيشة في صنعاء كما في عدن، وفي الحديدة كما في مأرب. فالاقتصاد لا يعترف بخطوط تماس ولا مناطق نفوذ، وأي تراجع في جزء منه سرعان ما يؤثر في الأجزاء الأخرى.
اليمن اليوم لا يقف على حافة الكساد، بل يعيش فيه. وكل يوم يمر دون حل عملي لأزمة تصدير النفط، يعني مزيدًا من التدهور في حياة ملايين اليمنيين. فالكثير من الأسر لم تعد قادرة على دفع الإيجارات، أو شراء المواد الأساسية، أو حتى إرسال أطفالها إلى المدارس.
وخلاصة القول، إن استمرار هذا الواقع دون تدخل فعّال لن يُبقي الاقتصاد فقط في حالة انهيار، بل سيؤدي إلى أعباء اجتماعية وإنسانية يصعب تداركها. والرهان على استمرار هذا الواقع دون كلفة جماعية هو رهان على وهمٍ لن يصمد أمام حقائق الواقع الذي يختبره اليمنيون.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً