السياسة:
في صباح اليوم، ونتيجة للزخم الإخباري والجرعات الإعلامية للأحداث التي التي يشهدها العالم بأمواجه العاتية المتلاطمة وما تجلبه من استقطابات وتكتلات حاشدة للقوى والطاقات مستجيبة ومستعدة لعواصف ضغوط الصراعات غير المحسوبة سلفًا ولا معهودة سياسيًا بحدتها من قبل وفي أتون مناخات تتسم بأزمات الحروب تتبعها تصنيفات واصطفافات نذيرة، والتي لا يمكن للفرد النأي بنفسه عنها دون بد التعامل والتفاعل معها، بل امتصاصها في سياق محاولات الفهم لما يدور من تداخلات لحراك معترك سياسي دولي من الصعب التنبؤ بعواقبه، لا غرو أنه المحفوف بالسيل الإعلامي العارم، الشاردة منه التصريحات المنفلتة والمتناقضة المهددة للسلم، والتي تعكس كلًا من عشوائية القرارات والمواقف المتغيرة غير المتوقعة في مناخ كلي، كان حريًا أن تحكمه ديناميكية ديمقراطية الخيار والتفكير الحر للفرد عالميًا على العموم وبأمريكا كلها على الخصوص، أمريكا هذا العالم الصغير هو المسير للبوصلة السياسية داخليًا قبل خارجيًا، وبخاصة إزاء ما تشهده الساحة من تجاذبات حزبية متعارضة مخلة بالتوازن الداخلي وصعود نجوم سياسية مختلفة الاتجاه تحت قيادة الشباب المنفصل عن التفكير السياسي التقليدي القابل للحوار والتحول حول العديد من القضايا السياسية والاقتصادية الراهنة بما فيها العلاقات الدولية والارتهان للخارج وحقوق الإنسان والإبادة الجماعية التي تمس الإنسان والحياة العامة وامتدادها داخليًا بالعديد من الولايات، إذ يحتدم الجدل بشأنها بين الأطراف بدرجة أشد بين الولايات كثيفة السكان المتنوعة بفسيفسائها المرجعية المختلفة والمتأرجحة المتطلعة إلى تأليب الرأي العام المقسم بفعل السياسات الداخلية والخارجية، ومنها ما أعيشه في منطقة شمال ولاية فرجينيا الملاصقة للعاصمة الأمريكية واشنطن اليوم، وما تنضح به من تداولات وتحديات انتخابية متوترة وإعلامية طاغية تتراقص بمختلف الوسائل وسبل الإقناع الحضارية لتتصارع الأضداد سلميًا في أجواء مشحونة بالتنافس الخلاق الملهمة التي تتبارى فيها الأفكار والبرامج الانتخابية لانتزاع الأصوات ولم أعزف مشاركًا عنها. اللعنة على السياسة التي يعتقد البعض بأنها لا تستقيم إلا بفرض الإرادة والحرب التي يتلذذ البعض بأن الحرب هي الحل للمشاكل الدولية، ولكن عن طريق الدم والإبادة حين تصمت الألسن ويتوقف العقل.. أوقفوا الحروب الملعونة، أوقفوا دوامة القتل، فإني أريد أن أنزل.. أوقفوا عربة الإبادة الجماعية لأني أريد أن أهرب.
الهروب للأمام:
في خضم تلك الأحداث والمعطيات، قررت وعلى وجه السرعة القصوى أن أطوي الطريق هروبًا إلى الأمام ولو لبرهة من الزمن أو سويعات محدودة، زيارة الإسكندرية القديمة Old Alexandria التي تقبع على ضفاف نهر البوتمك Potamic River البديع، وشارع ملكها King Street الشهير مرتع السواح لفرجينيا، ولي أيضًا فيها من الذكريات مع نفسي كثيرًا، فهدفي اليوم كان بغية الإفطار وحيدًا بمطاعمها الإيطالية الراقية، مستمتعًا بالتمشية على ضفاف النهر، وربما يمكنني كذلك أن آخذ نفسًا عميقًا أسترد به أنفاسي ليبعدني ولو قليلًا عن شغلة السياسة ولغة تحديد المواقف، ويخرجني من زحمة الحياة وإيقاعها المتسارع وضوضاء البشر في أجواء من السكينة المرافقة والمتوافقة مع الطبيعة، لعلي أخلد إلى نفسي متأملًا بما حولي من جمال المناظر وأنال بها قسطًا لا بأس به من الراحة لما قد انشغل به البال والانفراد بذاتي وكأنها بحث عنه، ولكن بصفاء سريرة لا يعكر، لا سيما قبل أن تدب متعجلة ومداهمة أيضًا وتيرة عجلة المكان السريعة الإيقاع الذي غالبًا ما يشهد طوفانًا بشريًا عجيبًا من شتى جنسيات الزوار بألوانهم المتباينات شكلًا وموضوعًا، بخاصة كلما تقدمت عقارب ساعات الظهيرة والمساء، ولم يعد هناك متسع للحظات الصفاء، فعزمت على أن أشرككم روعة المكان ليس فقط كهروب للأمام لي، ولكن لأنكم أيضًا تستحقونها معي بمناظرها الآسرة الخلابة الآخذة للألباب. يا لها من رحلة أعتقتني من سوء ظنوني.. فهل حقًا استمتعم بالرحلة بمعيتي بعيدًا عن عالم الدوخة والسياسة؟