بينما كانت المفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران جارية منذ نحو شهرين، بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، الذي أثار قلقًا واسعًا لدى العديد من الأطراف الإقليمية والدولية، وعلى رأسها إسرائيل والولايات المتحدة ودول الخليج، فوجئت طهران في الثالث عشر من يونيو بهجمات عسكرية مباغتة ومستمرة لليوم الخامس على التوالي.
الأمر الذي أدى إلى اندلاع حرب شاملة بين الطرفين، إسرائيل وإيران، استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة من مسيرات وصواريخ وطائرات حربية، فقد اعتمدت إسرائيل بشكل رئيسي على الطائرات الحربية في تنفيذ غارات جوية مركزة، إلى جانب عمليات استخباراتية دقيقة في الداخل الإيراني استهدفت قيادات بارزة وعلماء نوويين داخل إيران، في محاولة لتقويض البنية التحتية النووية والقيادية الإيرانية.
في المقابل، لجأت إيران إلى استخدام الصواريخ الباليستية والفرط صوتية والمسيرات، موجّهة ضربات معاكسة استهدفت عدة مواقع استراتيجية داخل إسرائيل، في استعراض لقدراتها العسكرية، وردًّا على التصعيد الإسرائيلي.
وتبرر إسرائيل هذه العمليات العسكرية باعتبار البرنامج النووي الإيراني تهديدًا وجوديًا لأمنها القومي، مؤكدة أن أي تقدم نووي لطهران يشكل خطرًا مباشرًا يجب التعامل معه استباقيًا. هذا التصعيد يعكس تحوّلًا خطيرًا مع تصاعد المخاوف من انزلاق الأمور نحو مواجهة إقليمية مفتوحة.
وقد شهد العالم فيما يتعلق بهذا الصراع اليوم انقسامًا سياسيًا وإعلاميًا حادًا بين معسكرين متناقضين في الموقف من المواجهة الجارية حاليًا بين إيران وإسرائيل. ففي الوقت الذي تزداد فيه الانتقادات الدولية تجاه السياسات الإسرائيلية في غزة المتهمة بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق المدنيين، شهدنا تحولًا مفاجئًا في بعض المواقف الغربية، لا سيما الأوروبية، التي انتقلت من الإدانة الخجولة إلى اصطفاف واضح خلف إسرائيل، تحت ذريعة الحق في "الدفاع عن النفس".
المفارقة الأكثر وضوحًا تكمن في أن هذه الدول نفسها التي كانت تندد بالحرب على غزة مؤخرًا، وتطالب بوقف إطلاق النار وفتح ممرات إنسانية، أصبحت فجأة في معسكر المحاربين بالنيابة عن إسرائيل. حيث أعلنت فرنسا وألمانيا وعدد من الدول استعدادها لحماية إسرائيل والدفاع عنها، معتبرة أن الهجوم الإيراني يشكل تهديدًا وجوديًا ويبرر الضربة الاستباقية الإسرائيلية. فقد اكدت ألمانيا استعدادها لتقديم شحنات أسلحة إذا تعرضت إسرائيل لتهديد وجودي، وفقًا لنائب المستشار لارس كلينغبايل، فيما تعهدت فرنسا بالدفاع عن إسرائيل إذا تعرضت لهجمات انتقامية إيرانية.
هذا الموقف يعكس -من وجهة نظر كثيرين- ازدواجية المعايير الغربية التي لطالما تغنت بحقوق الإنسان، لكنها سرعان ما تعود إلى مربع الانحياز الكامل عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، بغض النظر عن حجم الانتهاكات التي تمارسها.
أما على الصعيد العربي، ورغم العداء العلني لإيران من قبل عدد من الدول العربية، واعتبار سياساتها تهديدًا للأمن القومي والديني العربي بسبب تدخلاتها في شؤون الدول عبر أذرعها المنتشرة في المنطقة، واعتبار إيران خصمًا وعدوًا، محذرة من مشاريعها التوسعية تحت غطاء المقاومة، إلا أن الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل حظي بشكل مفاجئ بتعاطف شعبي واسع في الشارع العربي المثقل بغضب عارم من جرائم إسرائيل في غزة والضفة الغربية. لم يكن هذا التعاطف حبًا في النظام الإيراني، بقدر ما هو تعبير عن نشوة مجتمعية برؤية إسرائيل، ولأول مرة، تتلقى صفعة عسكرية مباشرة لم تستطع احتواءها، راسمة بذلك صورة مغايرة لطبيعة كون إسرائيل دائمًا هي الطرف المهاجم.. هذا التعاطف مع الرد الإيراني لا يعني تأييدًا أيديولوجيًا لإيران، بل هو في جوهره موقف احتجاجي ضد عجز الأنظمة العربية وصمتها المطبق تجاه الجرائم الإسرائيلية.
وعلى صعيد آخر، اصطفت عدة دول منددة بالهجوم الإسرائيلي على إيران، باعتبار أن هذا يعد تعديًا سافرًا على سيادة دولة، وتهديدًا للاستقرار الإقليمي وزعزعة للأمن الاستراتيجي للمنطقة. ومن أبرز الدول التي أدانت الهجمات الإسرائيلية على إيران في بيانات رسمية:
روسيا التي اعتبرت التصعيد تهديدًا للأمن الإقليمي، ودعت إلى التهدئة وضبط النفس، محذرة من مغبة انزلاق المنطقة إلى صراع شامل.
الصين، إذ أعربت عن قلقها العميق من الهجمات، وأكدت على ضرورة احترام سيادة الدول وحل النزاعات عبر الحوار.
تركيا التي أدانت الغارات الإسرائيلية، واعتبرتها انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي، مطالبة بوقف العمليات العسكرية فورًا.
فيما نددت الجزائر بالتصعيد الإسرائيلي، وأكدت دعمها لحق الدول في تطوير برامجها النووية السلمية تحت مظلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
العراق وسوريا أدانتا بشدة الضربات العسكرية، وأشارتا إلى أن استمرار الاعتداءات يُهدد استقرار المنطقة، ويزيد من التوترات الطائفية والسياسية. بالإضافة إلى باكستان التي دعت إلى الاصطفاف، ودعم إيران في حربها ضد إسرائيل.
بات العالم اليوم أمام مشهد دولي مائع، تتحكم فيه المصالح، وتحكمه القوة لا المبادئ، فالاصطفاف مع إسرائيل لا يأتي حبًا فيها، بل انطلاقًا من شراكات استراتيجية وأمنية.
بالمقابل، فإن إيران تحاول، من خلال هذا التصعيد، كسر صورة الهيمنة الإسرائيلية، حتى وإن كان الثمن حربًا موسعة لا يملك أحد القدرة على احتوائها بسهولة. فهل تتمكن إيران من الاستمرار في المواجهة، أم تستسلم من خلال توافقات سياسية خاضعة على حساب برنامجها النووي، وخسارة هيبتها العسكرية التي طالما تغنت بها لسنوات طوال.