صنعاء 19C امطار خفيفة

الهولوكست صانع إسرائيل ومميتها

 في الحرب العالمية الثانية 1939- 1945، تَعرَّضَ اليهود في أوروبا، وبالأخص في ألمانيا للتمييز، والتطهير العرقي، وحرب إبادة.

 
مفكرون اعتبروا الهولوكوست أحد أهم أسباب بناء الكيان الصهيوني. الزعماء الأوروبيون المنتصرون في الحرب ومجتمعاتهم رأوا في المحرقة البشرية جريمةً إنسانية غير مسبوقة ضد اليهود.
 
اتفق الزعماء المنتصرون في الحرب: الأمريكي، والبريطاني، والروسي في «مؤتمر يالطا»، عام 1945- على قِيَام دولة لليهود.
 
الزعماء الصهاينة لعبوا دورًا مزدوجًا مع وضد النازي والحلفاء في الحرب، وتواطؤوا مع النازيين على قمع اليهود واضطهادهم؛ لإجبارهم على الهجرة إلى فلسطين.
 
وَصلَ الأمر بزعماء الصهاينة إلى إرسال عشرات الألوف من اليهود إلى أفران الموت النازية، ثُمَّ لعبوا دور المُهدِّئ والمخدر للجماهير اليهودية واستغلال ما يحدث لليهود في العالم وتوظيفه للهجرة إلى فلسطين.
 
وقد أخفت الصهيونية المحرقة لفترة قصيرة كوسيلة للاستمرار في التعاون مع النازي حسب «وثائق راكاح»؛ المؤتمر السادس عشر. (مذكرات صهيوني، ترجمة وإعداد عبد الحسين شعبان).
 
عَمَّمَتْ الصهيونية سردية قمع واضطهاد اليهود في العالم، واستخدمت وسائل التحريض ضدهم والتنكيل بهم؛ لإجبارهم على الهجرة.
 
كتابا الدكتور عبد الحسين شعبان: «عصبة مكافحة الصهيونية ونقض الرواية الإسرائيلية»، و«مذكرات صهيوني»؛ وهي المذكرات التي ترجمها وقَدَّمَ لها الدكتور شعبان هي مذكرات طالما بحث ونقب عنها الدكتور، وكانت موضع اهتمام الزعيم جورج حبش، وقد أخفاها بعد أن كتبها كيوميات الصهيوني المشارك في جريمة إرسال اليهود إلى أفران الموت، وتهجير الآلاف منهم إلى فلسطين كاتفاق بين مجلس شيوخ الصهاينة مع قيادة «الفساتبو» النازي.
 
أُعْدِمَ الآلاف والمئات وربما الملايين من اليهود الأوروبيين من الفئات الدنيا المتمثلين (المُعمَّدِين) والمشكوك في يهوديتهم: رجالاً، ونساءً، وشيوخًا، وأطفالاً، وكانت جريمة العصر حينها.
 
كانت جريمة إبادة تشارك فيها: «الفساتبو» النازي، مع زعماء صهاينة؛ وِفْقًا لشهادة صاحب اليوميات (المذكرات)، إيفون ريدلنج، وقد كتبها وحَرِصَ على إخفائها، وقد دَوَّنَ الباحث شعبان طريقة العثور عليها.
 
استغَّلَ الصهاينة أيَّما استغلال هذه المحرقة كبوابة عبور إلى فلسطين، وصنعوا مَناحةً كبرى شاركوا في صُنْعِها، وصُوِّرَتْ المأساة وكأنها تعبير عن عِدَاء العالم بأجمعه لشعب الله المختار، ولا غفرانَ إلا بتشجيع الهجرة إلى «أرض الميعاد» (فلسطين).
 
تَحوَّلتْ المحرقة إلى عُقْدة، وصُنِعَت منها وعنها خرافات ودعاوى أخطرها: اللاسامية.
 
يورد الدكتور عبد الحسين شعبان في ترجمته لـ «مذكرات صهيوني»: "حاولت الصهيونية استثمار المجازر التي نَظَّمَها هتلر ضد اليهود؛ لاستدرار عطف الرأي العام العالمي مِنْ جهة، وكسب الجماهير اليهودية إلى جانبها من جهةٍ أخرى؛ باعتبارهم ضحايا العداء للسامية في كل مكان، ومنبوذين من الشعوب الأخرى، وأنْ لا حَلَّ للمسألة اليهودية من دون تجميع اليهود في مركزٍ واحد، وإقامة دولة لهم في إطار «غيتو» مغلق عليهم".
 
تحولت المحرقة إلى عُقْدَة وفرصة للدول الاستعمارية؛ لإقامة كيان صهيوني معادٍ للأمة العربية ووحدتها وسيادتها واستقلالها وإعاقة تحديثها وديمقراطيتها وسلامها واستقرارها.
 
صَوَّرتْ إسرائيل نَفْسَها طوال عقود كواحة للديمقراطية في غابة توحش وهمجية ومحيط معادٍ يتربص بها، وزَكَّتْ المكنة الإعلامية الغربية المسيطرة على العالم دعاوى إسرائيل وصورت كل حروبها دِفاعًا عن النفس.
 
ما بعد «طوفان الأقصى» في الـ 7 من أكتوبر 2003، أوغلت إسرائيل في حرب الإبادة ضد أهل غزة، واقترفت كل جرائم الحرب وضد الإنسانية، وكثفت حصارها الممتد لثمانية عشر عامًا على غزة (قلب المعادلة).
 
قرأنا عن المحرقة اليهودية وعن حدوثها قبل ما يقرب من ثمانين عامًا ، وتواطؤ بعض القادة الصهاينة مع هتلر. والآن، ومنذ طوفان الأقصى وما بعده، نقرأ ونسمع ونشاهد المذابح المروعة التي ترتكبها إسرائيل، والقصف اليومي المستمر على مدى عام وثمانية أشهر، والعالم -كل العالم- يشاهد جرائم حرب الإبادة، والحصار والتجويع، وتقتيل الجياع الباحثين عن لقمة يسدون بها رمقهم.
 
يشاهد العالم ويقرأ ويسمع أن َّواحة الديمقراطية والحضارة قد تحولت إلى غابة توحش وساحة حرب لإبادة وحصار مليوني غزي على أصغر وأضيق مساحة من الأرض؛ يقصفونها يوميًّا بطائرات فائقة القدرة وصواريخ أكثر تطورًا وبقنابل من وزن ألفي رطل.
 
يقتل القصف عشرات الآلاف معظمهم من النساء والأطفال والعجزة، وتصيب مئات الأطفال، وتمنع الماء والغذاء والدواء وكل مستلزمات الحياة عنهم، وتستهين بالرأي العام العالمي وتُسفِّه منظمات الأمم المتحدة وتعطل عملها، وتتهم الأمم المتحدة والزعماء الأوربيين (حلفاءها السياسيين)، ولا يقف إلى جانبها إلا ترامب وبعض المحيطين به.
 
تعم المظاهرات المدن الأوروبية والأمريكية، ويكتشف العالم الأوروبي المخدوع أنَّ زعماء إسرائيل مجرمو حرب إبادة وعنصريين وصناع أبارتيد.
 
صَنعَ الهولوكوست إسرائيل، وهي وعلى مدى ثمانين عامًا تصنع هولوكوستات وتجعل من المساعدات الغذائية ساحة حرب ووسيلة قتل. فهل يكون التململ الواصل حَدَّ الإدانة والبراءة من قبل الزعماء الأوربيين حلفاء إسرائيل والأكثر ولاءً وتأييدًا- بداية تحول؟!
 
وهل تفرض المظاهرات الاحتجاجية ضد حرب الإبادة في المدن الأمريكية والأوروبية على زعمائهم، استمرار الضغط والاعتراف بحق الفلسطينيين في استعادة وطنهم وتقرير مصيرهم؟
 
الزعامات الأمريكية والأوروبية هي الصانع الحقيقي للكيان الإسرائيلي، والهولوكوست البوابة الكبرى لها. فهل تكون الهولوكوستات الفاجعة الآن والواخزة للضمير الجمعي الإنساني والدولي -بداية النهاية لكيان آخر فصل عنصري، وتمييز عرقي، وحرب إبادة في العالم.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً