صنعاء 19C امطار خفيفة

إيران والملف النووي: بين رسائل الردع ومعادلات التصعيد

طوال السنوات الماضية، انتهجت إيران سياسة رد محسوب على الاستهدافات الإسرائيلية والأمريكية ، حرصت خلالها على ألا تنزلق إلى مواجهات واسعة. الردود الإيرانية، وإن بدت محدودة من حيث التأثير العسكري، كانت تحمل في طياتها رسائل سياسية مفادها أن طهران تحتفظ بقدرات ردع فاعلة يمكن تفعيلها عند الضرورة، دون أن تتجاوز سقف التصعيد المنضبط إقليميًا ودوليًا.

 
لكن المؤشرات في المرحلة الراهنة توحي بتبدّل واضح في مقاربة طهران، خاصة فيما يتعلق بالبرنامج النووي. فالتقديرات المتداولة تُظهر أن إيران لم تعد تتعامل مع مشروعها النووي كمجرد ملف علمي، بل كركيزة استراتيجية تمسّ أمنها القومي وعمقها السيادي. وفي هذا السياق، تشير بعض التقديرات إلى أن أي استهداف إسرائيلي او امريكي نوعي للمنشآت النووية قد يُقابل برد غير تقليدي، يتجاوز الإطار الرمزي أو التبادلي المعتاد في السابق.
 
من ناحية أخرى، تبدو طهران اليوم أقرب إلى موقع “الدولة النووية غير المعلنة”، بما تمتلكه من بنية تحتية، ومعرفة علمية، وقدرات فنية. وهذا التطور يضعها، وفقًا لتصوراتها، في موقع تفاوضي جديد؛ إذ لم تعد تطالب بحقها في التخصيب فقط، بل تسعى – على ما يبدو – إلى اعتراف دولي ضمني بواقعها النووي، مقابل التزامات بعدم الذهاب نحو الاستخدام العسكري.
 
في المقابل، لا تزال الولايات المتحدة، مدعومة بالموقف الإسرائيلي، تطرح مقاربة تقوم على إعادة البرنامج إلى ما قبل سنوات التقدم النوعي، وهو ما تعتبره طهران طرحًا غير واقعي، إن لم يكن متجاوزًا للمرحلة بالكامل. هذا التباين الحاد في الرؤى يجعل فرص التوصل إلى اتفاق شامل وقابل للتنفيذ بسلاسة ضعيفة .
 
في ضوء ذلك، تبقى واشنطن وتل أبيب أمام مفترق طرق: إما المضي في خيارات التصعيد العسكري والصدام الكامل، مع ما يحمله ذلك من مخاطر إقليمية ودولية واسعة، أو الاكتفاء بتعزيز أدوات الضغط الاقتصادي والعزل السياسي، والسعي لإثارة مشكلات داخلية في إيران، دون الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة.
 
اللافت في هذا السياق أن قواعد الاشتباك التقليدية لم تعد تصلح كضامن للاستقرار. فالملف النووي، من منظور طهران، تجاوز مرحلة التفاوض الفني، ليغدو مسألة وجودية ترتبط بمكانتها كقوة إقليمية صاعدة. أما المفاوضات الجارية اليوم، فقد بلغت لحظة الحقيقة، حيث لم يعد هناك متسع لمزيد من المماطلة أو المراوغة، ولم يعد أمام الأطراف المختلفة سوى مواجهة الخيارات الحاسمة، مهما كانت كلفتها.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً