صنعاء 19C امطار خفيفة

اليمن في خطاب ترامب من الرياض: رسائل حاسمة وتفاهمات مشروطة

ترامب يتحدث في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي(رويترز)

في خطاب حمل رسائل مباشرة ونبرة غير تقليدية، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال منتدى الاستثمار السعودي -الأمريكي، في العاصمة الرياض، عن أبرز ملامح السياسة الأمريكية الجديدة تجاه المنطقة العربية، لا سيما في ما يتعلق باليمن، وإيران، وأمن الخليج.

 
ورغم تنوّع القضايا التي تناولها ترامب، من شؤون داخلية أمريكية، إلى ملفات دولية شائكة تشمل أوروبا وروسيا والصين، فإن ما يعنينا هنا هو ما قاله بخصوص اليمن تحديدًا، لما له من تأثير مباشر على المشهد السياسي والعسكري، وعلى مستقبل التوازنات الإقليمية.
 

إيران: بين "الفوضى" و"فرصة السلام"

 
كان واضحًا أن ترامب شنّ هجومًا حادًا على النظام الإيراني، واصفًا إياه بأنه "أكثر القوى تدميرًا في الشرق الأوسط"، متهمًا طهران بتغذية حالة عدم الاستقرار عبر دعمها للمليشيات والجماعات المسلحة في عدد من الدول.
 
وفي ما بدا أنه تلويح بخيارات مفتوحة، أكد ترامب أن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بتطوير سلاح نووي، معطيًا القيادة الإيرانية خيارين لا ثالث لهما: الاستمرار في مسار "الفوضى والإرهاب"، أو التوجّه نحو السلام حسب توصيفه.
 
وأبدى الرئيس الأمريكي استعداده للدخول في مفاوضات بشأن اتفاق نووي جديد، بشرط أن تُظهر طهران "تغييرًا حقيقيًا في السلوك"، مؤكدًا أن "الفرصة لن تبقى مفتوحة إلى الأبد".
وفي هذا السياق، يمكن قراءة رسالة ترامب على أنها مؤشر واضح بأن إيران مقبلة على تحوّل جذري في سياستها الإقليمية، وأنها لن تعود ذلك "اللاعب الأكبر" في المنطقة عبر المليشيات والأذرع المسلحة، بل من خلال علاقات دبلوماسية أكثر ودّية، بخاصة مع المملكة العربية السعودية.
 

 الحوثيون: تهدئة مشروطة بعد تصعيد خطير

 
وفي ما يتعلق باليمن، تطرّق ترامب إلى الضربات الأمريكية الأخيرة ضد مواقع حوثية، والتي جاءت ردًا على هجمات استهدفت الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
 
وكشف ترامب أن الحوثيين أبلغوا واشنطن صراحةً أنهم لن يستهدفوا السفن الأمريكية أو المواطنين الأمريكيين بعد الآن، مؤكدين أنهم "لا يرغبون في مواصلة هذا الطريق"، ومعربين عن ارتياحهم لوقف الغارات الأمريكية عليهم.
 
لكن هذا التصريح أثار الكثير من علامات الاستفهام، إذ إن ما قاله ترامب مجددًا حول طلب الحوثيين وقف إطلاق النار، يضع الرواية الحوثية، التي تنفي ذلك باستمرار، موضع شك كبير، ويضعهم مجددًا أمام تناقضاتهم المتكررة وشعاراتهم التي تزداد هشاشتها يومًا بعد يوم أمام الناس في مناطق سيطرتهم.
أضاف ترامب بلهجة حاسمة أنه لن يسمح للحوثيين بالاعتداء على السفن أو استهداف المملكة العربية السعودية مجددًا.
 
وهنا تجدر الإشارة إلى أن السفن لم تكن وحدها محور التعهدات الأمريكية، بل السعودية كذلك، وهو ما يُرجّح أن يكون طُرح ضمن بنود الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الولايات المتحدة والحوثيين في مسقط، الأسبوع الماضي، ذلك الاتفاق الذي لم تُكشف كافة تفاصيله حتى الآن، لكنه يزداد وضوحًا مع كل تصريح جديد.
 

التزام أمريكي ثابت تجاه أمن السعودية

 
جدّد ترامب التأكيد على التزام الولايات المتحدة الكامل وغير القابل للتراجع بأمن المملكة العربية السعودية، مشددًا على أنه لن يتردد في استخدام "القوة الأمريكية المتطورة بلا رحمة" ضد أي تهديد يستهدف المملكة. وأضاف أن العلاقات بين البلدين بلغت مستوى من القوة والانسجام لم تشهده منذ عقود طويلة، وهو ما يتضح من توقيع صفقة أسلحة تاريخية بين الرياض وواشنطن بقيمة 142 مليار دولار، والتي تزود المملكة بأحدث المعدات العسكرية الأمريكية، إلى جانب دعم تقني يعزز من قدرات الدفاع الجوي، والدفاع الفضائي، وحماية السواحل، وأمن الحدود، وأنظمة الاتصالات.
 
خلاصة القول: لم تكن رسائل ترامب من الرياض مجرد تصريحات دبلوماسية عابرة، بل حملت في طياتها تفاهمات أمنية وسياسية عميقة تمسّ ملفات شديدة الحساسية في المنطقة، وفي مقدمتها اليمن.
خطاب ترامب يعكس بوضوح تحوّلًا استراتيجيًا في مقاربة واشنطن لقضايا الشرق الأوسط، عنوانه الأبرز: شراكات أكثر وضوحًا، خطوط حمراء أكثر صرامة، واقتصاد يتقدّم على فوهات البنادق متى ما كان ذلك ممكنًا.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً