كرة القدم اليمنية.. إرتداد الواقع.. وتحديات المستقبل

مع مطلع القرن الماضي، أدخل المستعمرون الأنجليز كرة القدم إلى مدينة عدن ليمارسها جنودهم داخل معسكراتهم كرمز تقليدي لرياضة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. لتتناقلها الأقدام الحافية لليمنيين بعد ذلك، كلعبة ما انفكت تحظى محلياً باهتمام شديد على الصعيدين.
بدأت أول مراحل اللعبة في مدينة عدن منذ أكثر من مائة عام بعد أن أدخلها الأنجليز إلى المدينة، شأن مستعمرات التاج البريطاني الأخرى، مع مجموعة من الهنود القادمين من تحت مظلة تاج الكومنولث الذين أسسوا عام 1905م نادي الكريكيت الذي مهد لظهور أول فريق كروي على مستوى الجزيرة العربية، بتزاوج مرحلي بين أندية: التضامن والمحمدي والأحرار والأهلي، التي تمخضت عام 1975 عن نادي التلال في مدينة عدن لتؤثر بدورها منذ الخمسينيات علىالشطر الشمالي الرازح تحت حكم الإمامة المتوكلية، وذلك بعد اختراق حلم ابراهيم رشدي لأسوار صنعاء بإنشاء فريق كروي بعد أن ابتاع ثلاث كرات من مدينة عدن شكل بها فريقين آخرين أيضاً في حجة وتعز، لتصبح كرة القدم لاحقاً الرياضة الأساسية التي يمارسها الشباب، خصوصاً «الثوار» الذين شكلوا فرقاً مختلفة تحت مسميات: الشروق وشباب القمح في الحديدة، والأحمر والأزرق والأصفر في صنعاء، والأهلي والصحة في تعز.
مفترق طرق
سارت كرة القدم اليمنية خلال الثلاثة العقود الأخيرة بشكل بطيء جداً، وتقوقعت على الإطار المحلي المعتمد على بيروقراطية السلطة الرسمية التي أثرت سلباً على مسيرة الأندية الرياضية، حتى تشكلت معالم التوحد التاريخي بين شطري الوطن لتسقط بعده أعرق فرق الشمال والجنوب إلى مستنقع الدرجات الدونية لمسابقة كرة القدم نتيجة غياب الأندية عن التكوين المؤسسي الرياضي الشامل، واعتمادها فقط على بعض الموارد المادية الحكومية المتاحة، إلى جانب تعرض الكثير من الأندية الرياضية لسطوة التزاوج القبلي والعسكري في إدارتها، وكذلك لفقدانها الكثير من مساحاتها نتيجة بسط «مافيا» الأراضي على الممتلكات الرياضية الواقعة في أطراف المدن، منذ حرب صيف 1994. كما تعتمد الأندية الكروية في اليمن وبشكل اساسي على مدربين غير مؤهلين فنياً لتدريب الفئات العمرية في إطار الأندية التي تشكل رافداً رئيساً للمنتخبات.
كما أنه ليس من السهل على أي مدرب في ظل هذه الظروف التي تمر بها الأندية في المسابقات المحلية، تحقيق نتائج جيدة للمنتخبات الوطنية حتى ولو كان يمتلك عصا سحرية. وهذا الأمر بالذات لا يعتبر تشاؤماً، نظراً لتصنيف الفريق الوطني في المركز 138 في اللائحة الدولية للفيفا. إلى جانب إمكانات اللاعبين اليمنيين المتواضعة للغاية والتي تعاني من ضعف شديد نتيجة لضعف تكوينهم في الأندية من الناحية التكتيكية والفنية، على عكس الناحية البدنية التي يمكن تعويضها بدرجة جيدة.
سباق مع الزمن
على الرغم من تأخر انطلاق المسابقات الكروية اليمنية في كل موسم رياضي عن مواعيدها الرسمية المحددة، إلا أن الأندية ال14 المشاركة في دوري الدرجة الأولى لهذا الموسم لم تتأخر عن سباق التعاقد مع أكبر عدد ممكن من اللاعبين المحليين والأجانب. حيث برزت ظاهرة جديدة في القاعدة الاحترافية للأندية اليمنية منذ تطبيق هذا النظام عام 2001 والتي أصبح من سماتها اليوم التنوع في الاختيار بين لاعبين من جنسيات آسيوية وأفريقية، نظراً لرخص هذه الفئة من المحترفين عن نظرائهم في العالم. كما أن التفكير في التعاقد مع الأجانب لم يقتصر على اللاعبين بل شمل المدربين أيضاً. فقد بلغ عدد اللاعبين الذين تم التعاقد معهم رسمياً خلال الموسم الجديد 45 لاعباً، منهم 23 محلياً و22 أجنبياً. كذلك تم التعاقد مع عشرة مدربين أجانب، وأربعة محليين.
وبشكل لافت، غزا لاعبو القارة السمراء الملاعب اليمنية، حيث بلغ عدد اللاعبين الأفارقة 19 لاعباً، إلى جانب ثمانية مدربين في قيادة صفوف الأندية ذات المستوى الأول.
نقلة نوعية
كثيراً ما تتقدم كرة القدم اليمنية بخطوة واحدة نحو الأمام، مقابل هرولتها السريعة ألف خطوة للخلف، نتيجة أزمات الهرم الكروي منذ أربع سنوات، والتي جرَّت اللعبة إلى حظر دولي تحت مسببات الاغتصاب السافر لهوية أهلية تعنى بشؤون اللعبة، ولأكثر من ستة أشهر، ليرحل بعدها «الأحمر» ويأتي العيسي الذي أعاد «الأحمر» زياً رسمياً للكرة الوطنية التي يعتلي قمة هرمها الإداري منذ العام الماضي برفقة أعضاء كرويين في الاتحاد والواقعين أسرى لمرجعيته التي تحكمت في معايير الاختيار الازدواجي، التي يسعى العيسي من خلالها لتحقيق نقلة نوعية، وترك بصمة عبر طريق استضافة اليمن لبطولة كأس الخليج العربي نهاية عام 2010 والتي ستشكل دائرة تظللها مجموعة تحديات على أرض الواقع بحكم افتقار البلد للمنشآت الرياضية، إلى جانب سوء المنشآت الموجودة حالياً والتي أثبتت فيها المقاولات المحلية فرادة تصاميمها الهندسية التي تعود إلى القرون الوسطى.
talalsofyanMail