كارثة التعليم

كارثة التعليم - محمد الغباري

في زحمة الصراع السياسي أُهملت حالة التردي التي يعيشها قطاع التعليم، بشقيه الحكومي والخاص، في تأكيد بليغ على ان الحديث عن الإصلاحات واجتثاث الفساد وبناء دولة مدنية مازال في إطار الاستهلاك الخارجي والمناكفات السياسية، وتجسيداً لنوع من العبث ارتضينا القبول به والتعايش معه.
لم ننشغل، أحزابا وأفراداً ومنظمات، بوضعية التعليم والإدارة التعليمية والمناهج أكان ذلك على مستوى المدارس أم الجامعات. وقد ضاعف من فداحة الكارثة اليومية غياب الضوابط أمام الراغبين في امتلاك مدارس وجامعات خاصة , حيث أصبح التعليم والتحصيل العلمي والأسس التربوية في مؤخرة الاهتمامات وإذا أراد احدنا تقدير حجم الكارثة فإن عليه ان يدفع بأحد أبنائه إلى مدرسة حكومية وآخر إلى مدرسة خاصة.
ونحن على مشارف امتحانات نصف العام الدراسي فإن مدارس في ضواحي العاصمة لم تتسلم المناهج ومن تسلم منها المنهج فإن استاذ الرياضيات او الفيزياء غير موجود وقد يرافقه في رحلة الغياب استاذ اللغة الانجليزية, الامر ذاته ستجده في مدارس اهلية عديدة فهناك ندرة في المعلمين، خصوصا لدى تلك المدارس التي تُعلم باللغة الانجليزية بسبب أن عدد المتخصصين في تدريس هذه المواد من اليمنيين محدود جداً، ولأن المرتبات التي تعطى في غالب هذه المدارس متدنية في مقابل فترة عمل تستمر ست ساعات متواصلة.
الاستثمار في قطاع التعليم سمة عصرية، لكنها ارتبطت في كل بلدان العالم بقيم تربوية وبقوانين ولوائح ومسؤولين لا ينشغلون بالمكافآت والسفريات عن تتبع الأداء المدرسي بصورة مستمرة.
بالقطع فإن كثيرين سيقولون إن الفساد في قطاع التعليم وتخلفه هو انعكاس للأوضاع العامة ولن يكون بمقدور أحد اصلاح جزء من البيت اذا كانت كل اجزائه متداعية , الا ان هذا التبرير على صوابيته لا يمكن ان يكون سببا للسكوت عن حالة التجهيل التي يتعرض لها الابناء، ولا على الارتفاع المخيف في أعداد الذين لايستطيعون الالتحاق بالمدراس، لأسباب في غالبها الفقر وعدم وجود مدارس كافية لاستيعابهم او لإعتبارات اجتماعية محدودة.
من الإنصاف القول ان الجهود التي بذلت من قبل الحكومة خلال السنوات القليلة الماضية وبدعم من الامم المتحدة والدول المانحة من اجل رفع نسبة الملتحقين في مرحلة التعليم الاساسي، خصوصاً من الاناث، قد حققت نسبة نجاح مقبولة , لكنها لم تلامس جوهر المشكلة، لم تصل الى المنهج المتخلف ولا الى المعلم غير المؤهل ولا الى الادارة المدرسية التي ترتبط بالمخابرات أكثر من ارتباطها بالتربية والتعليم , ذات المنطق يفرض علينا عدم السكوت على الاجراءات التي اتخذت مؤخرا، وما تزال، من اجل تحزيب الادارة المدرسية والمعلمين, في مسعى لمعالجة آثار وضع سياسي استخدمت فيه المدارس لضرب الخصوم.
الوضع في التعلم الجامعي لايختلف في شيئ عمّا هو عليه في المدارس فهذه “القلاع” العلمية التي تسمى جامعات، في معظمها عمارات سكنية او هناجر , واساتذة على طريقة الوجبات السريعة , لكل جماعة او حزب سياسي ان يعلم او يختار من المناهج مايريد ليلقن به الطلاب ويمنحهم درجة البكالوريوس , بل إن هذه العمارت وأصحابها قد فتحوا فروعا في دول الجوار وأصدروا مئات الشهادات العلمية التي اساءت لليمن وللتعليم فيه أكثر مما أفادت.
للدكتور صالح باصرة كل التقدير في جهوده التي يبذلها لتحسين اوضاع التعليم الجامعي، بشكل عام اصلاح ما افسدته السياسة والعلاقات الشخصية عند منح تراخيص لفتح وتملك جامعات اهلية.
malghobariMail