الانفصال يدخلك أحد عالمين: عالم المساجين أو عالم الملايين

الانفصال يدخلك أحد عالمين: عالم المساجين أو عالم الملايين

نجيب محمد يابلي
الناشط الحقوقي أو السياسي في إطار المفترى عليها منظمات المجتمع المدني، هو بالضرورة يعبر عن هموم وقضايا مجتمعه أو شعبه، إلا أنه يدفع الثمن فادحاً ومضاعفاً لأن مؤسسات المجتمع المدني غائبة، وهذا يعني أن مؤسسات الدولة غائبة.
الانفصالي في بلادنا أو في بلاد أخرى، هو من يتكلم في حدود التعبير عن الرأي عن ثروته وأرضه وإنسانه المغبون، والذي يلصق به تهمة الانفصال هو المستحوذ على ثروته والمستعبد لإنسانه، وعلى هذا الانفصالي أن يلتزم الصمت والقبول بالأمر الواقع حتى يضمن لنفسه التمتع بلقب الوحدوي.
يشكل الانفصال مكسباً حيناً وخسارة حيناً آخر، فهو (أي الانفصال) قد يدخلك عالم المساجين أو عالم الملايين، والنماذج على ذلك كثيرة، وهي على سبيل المثال لا الحصر:
دول سوينكا حبسوه بتهمة الانفصال:
صدر في دبي (في مارس 2009) كتاب "قصائد من شعراء جائزة نوبلـ"، وقام باختيارها وترجمتها أ.د. شهاب غانم، فوقفت أمام الصفحة 105، والخاصة بالمبدع والشاعر النيجيري دول سوينكا، وهو من مواليد 1934، وحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة ليدز البريطانية، وعمل في حقل المسرح ببريطانيا. وسوينكا أول أفريقي يحصل على جائزة نوبل عام 1986 في الآداب. كان موقفه واضحاً في كتاباته ضد المستعمر البريطاني قبل الاستقلال، وكان موقفه بنفس الوقت ضد الفساد بعد الاستقلال، فزج به عسكر نيجيريا في السجن بتهمة مساعدة حركة الانفصال، ورديفه اليوم محمد غالب أحمد.
كل الفئات العمرية في السجون بتهمة الانفصال:
حصد النظام العسكري عندنا عدداً كبيراً من السكان في خانتي القتلى والمصابين في كل مدن الجنوب، بدءاً من عدن، مروراً بردفان والضالع ويافع، وانتهاء بشبوة وحضرموت والمهرة. زج النظام بمئات من السكان في السجن لأنهم مارسوا حقوقهم الدستورية في التعبير السلمي عن الرأي، والبعض الآخر زج بهم النظام في السجن لمجرد الاشتباه، بعضهم من القاصرين. السجون اليوم كلها تضيق بالمساجين، وبلغت الخسة والخروج على القانون أن نقل عدد كبير من السجناء في سجون صنعاء وإب، وتهمتهم الانفصال، وجريمتهم استخدام حقوقهم الدستورية.
قطط سمينة دخلت عالم مئات الملايين:
إذا ابتسم لك الحظ عند عسكر 7 يوليو فابشر بنفض غبار الفقر لتدخل عالم أصحاب الملايين وغسلت مليارات الريالات من أراضي الجنوب في بناء قصور في صنعاء أو عقارات في كل من عمان (عاصمة الأردن) ودبي وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وكندا وبلاد أخرى.
أحد شيوخ الشمال باع جزءاً من جبل في منطقة البريقة بمبلغ قدره 30 مليون ريال عبر مكتب قانوني معروف في عدن، وأبرز الشيخ عقد التمليك بالجبل مجاناً تقديراً لدوره في حرب الردة والانفصال.
الانفصال يأخذ نصيبه من النكتة:
صدق أو لا تصدق أن الانفصال انتزع له نصيباً من سوق تداول النكتة، فورد في الوسط الاجتماعي العدني أن شخصاً اتصل من جواله بأحد الأصدقاء، فرد عليه الشريط الالكتروني: نظراً لازدحام البلاد بالدحابشة يرجى معاودة الانفصال.
هذا هو واقعنا؛ تمر عقود وعقود ونحن تائهون وتافهون ومشغولون باختراع وابتداع مفردات وعبارات لا رديف لها في أي مجتمع من مجتمعات العالم المتقدم، فخذ على سبيل المثال الهند فيها عشرات الإثنيات واللغات واللهجات والديانات، لا تجد في طول البلاد أو عرضها عبارة: "الهند في قلوبنا" أو "الهند أولاً". وأجرؤ على خوض رهان مع كائن من يكون بأن سلوكنا هذا شاذ لا نظير له على الإطلاق، لأننا مصممون على إضاعة الوقت ونهب وتبديد الثروات وممارسة الإقصاء والتمييز القبلي والمناطقي تحت فوهة المدفع.
البلاد تسير إلى الهاوية، وهو مؤشر لم يقله لنا منجمون، وهي إضافة جديدة طلع بها علينا سلطان البركاني الشتام المؤتمري المعروف، في حواره مع د. محمد السعدي، في قناة "السعيدة" مساء الاثنين 27 ديسمبر 2010.