المشترك.. وماذا بعد؟

المشترك.. وماذا بعد؟

ندوة تقيمية لتجربته في الذكرى الثامنة لاغتيال جار الله عمر
خاص –"النداء"
ماذا عن تجربة اللقاء المشترك في الماضي والحاضر وآفاق المستقبل؟ وهل ترسخ مفهوم الشراكة السياسية داخل هذه الأحزاب؟ أم أن التباينات ما زالت تحد من التقاء وجهات النظر؟ ثم إلى أي مدى استوعب هذا الكيان أحلام اليمنيين؟ طبعاً تظل الخشية قائمة من فقدان المواطن ثقته في المعارضة الحزبية تماماً، لكن المشترك قد تجاوز اختبار وتحديات السلطة كما يرى أحد قادته، خصوصاً بعد تجاوزه المستوى التنسيقي إلى التحالف السياسي بحسب قيادي فيه، وذلك على طريق ما سمي بناء الكتلة التاريخية للتغيير عبر اللجنة التحضيرية للحوار، كما بصفته ضرورة وجودية وليس فقط سياسية كما يرى آخر. لكن هناك من اعتبره قدم أنموذجا رائدا لإمكانية الانتقال إلى حلقة أعلى خلال انتخابات 2006 كمثال؛ فهل سيستمر كذلك ضد تراث الاستبداد والتسلط والحكم الفردي؟ وهل سيكون فعلاً ذا دلالة على عقلية جديدة قررت الانفتاح على الآخر بمواجهة القرار الفردي العصبوي المحكومة بها اليمن؟
6 أوراق عمل تناولت ذلك خلال الأربعاء والخميس الفائتين -مع الذكرى الثامنة لاغتيال الأب الروحي للمشترك جار الله عمر الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني-، حيث مثلت الذكرى محطة هامة لأحزاب اللقاء المشترك كي تقيّم تجربتها عبر ندوة تستشرف ملامح التطور بأداء هذه الجبهة المعارضة "النشأة –الأهمية –التطور -تقييم التجربة -استكناه الآفاق".
طموحاته لا تزال أكبر من حركته اليومية
بدأت الندوة بكلمة ترحيبية لمحمد الرباعي القيادي التاريخي في اتحاد القوى الشعبية، وأمينه العام حالياً، وأول رئيس للمجلس الأعلى للمشترك، ألقاها بدلاً عنه القيادي الاتحادي عبدالسلام رزاز. واعتبر الرباعي فكرة المشترك دلالة على عقلية سياسية جديدة قررت الانفتاح على الآخر، والنظر إلى المستقبل بعيون مسؤولة فضلت مغادرة أساليبها التقليدية في العمل السياسي والحزبي، كما تحملت تبعات اختيارها الجديد، وإن كان على حساب المصالح الداخلية لأحزابها.
الرباعي أكد أن البلد غدا محكوماً بقرار فردي عصبوي، لا تهمه سوى مصلحة الحاكم وديمومة بقائه على كرسي التسلط والاستبداد، مشيراً إلى أن تكتل المشترك قرر العودة إلى الشعب بعد انقلاب السلطة وحزبها على الحوار ليس من أجل إحباط خطوات السلطة الانفرادية فحسب، وإنما لتوحيد الصف الوطني في الشمال والجنوب، في الداخل وفي الخارج، باتجاه حوار وطني شعبي يخرج برؤية إنقاذية تستمد مشروعيتها من الشعب وتحتكم في وسائلها النضالية إليه.
الرباعي الذي خلص إلى القول بأن المشترك يعي أن أحلامه وطموحاته ومعه اليمنيون لا تزال أكبر من حركته اليومية، وأن مما ساعد على تماسك هذه التجربة ونجاحها هو النظام الحاكم الذي استفرد بالسلطة وبأدوات القوة والنفوذ؛ رأى أن النظام الحاكم استضعف المجتمع وقواه السياسية، فلم يوفر حزبا أو جماعة إلا ونال منها بمختلف الوسائل غير المشروعة، في تجسيد لأقبح صور الشمولية التي حولت مؤسسات البلد إلى ديكور شكلي.
لم يكن التجربة الأولى
وفي ورقته استعرض الدكتور محمد عبدالملك المتوكل خلفية تاريخية موجزة عن فكرة العمل المشترك في سبيل بناء الدولة الديمقراطية المؤسسية منذ العام 90 وما قبل.
وقال: لم تكن فكرة إنشاء تجمع شعبي يضم كل القوى الخيرة وليدة اليوم، كما لم يكن اللقاء المشترك كما قد يتصور البعض، هو التجربة الأولى لقيام تجمع للقوى السياسية والحزبية المنطلقة من أيديولوجيات متعددة. مضيفاً أن الفكرة ظلت تشغل بال العديد من المفكرين والقوى السياسية والشخصيات الاجتماعية منذ قيام ثورة 62، بحكم الحاجة إلى تجاوز تركة التخلف وترسيخ تقاليد ومفاهيم المجتمع الحديث الذي ننشده، وذلك لن يتحقق إلا بجهد جماعي حيث كانت المؤتمرات في الستينيات واحدة من تلك المحاولات الشعبية لتجميع المناضلين ضد تراث الاستبداد والتسلط والحكم الفردي، حتى اتجهت القوى السياسية بعد ذلك إلى إنشاء تجمعات منظمة في نهاية الستينيات وفترتي السبعينيات والثمانينيات.
ورقة المتوكل تركزت بشكل خاص على تجمعات ما بعد اتفاق 30 نوفمبر الوحدوي، موضحا أنها تنطلق من مشكاة واحدة ومن هم مشترك وقواسم ثقافية وسياسية متطابقة لم يغب عنها أمور أساسية تمثلت في الديمقراطية وسيادة القانون ودولة المؤسسات واحترام حقوق الإنسان. "التجمع الوحدوي للمشاركة الشعبية 1/1/90، لجنة العمل الوطني 5/9/90، اللجنة الشعبية للبناء الوطني 9/7/91، سكرتارية الأحزاب 14/9/91، التكتل الوطني للمعارضة 4/8/93، اتحاد القوى الوطنية 10/10/93، مجلس التنسيق الأعلى 6/8/95، اللقاء المشترك الأول 27/8/96".
وبانتهاء عام 96 -وفق المتوكل- ينتهي المشترك الأول، فقد عاد الوئام بين المؤتمر والإصلاح، ووقعا بتاريخ 25 يناير 97، اتفاق تنسيق وقعه عن المؤتمر عبدالكريم الإرياني، وعن الإصلاح محمد اليدومي، بعد أن كان الإصلاح ومجلس التنسيق اتفقا على تحرير رسالة لرئيس الجمهورية حول تصحيح خروقات اللجنة العليا للانتخابات، التي ثبت عدم حياديتها. وكان المجلس والإصلاح أصدرا بتاريخ 27/8/96 برنامجا موحدا أشار في ديباجته إلى الخروقات والمخالفات الدستورية والقانونية وإلى ما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية وتنامي الفساد وعجز الإدارة وفسادها وتفشي الفوضى والانفلات الأمني وتراجع هيبة السلطة وتصدع الوحدة الوطنية، مما يستدعي التوجه لتجاوز التوترات السياسية والاجتماعية وإحلال الحوار وتصفية آثار الحروب. لكن الأيام والليالي تدور وإذا الإصلاح لم يكن في برنامج المؤتمر سوى كرت كما قال رئيس المؤتمر في مقابلة للجزيرة. فيما يذهب قرن ويأتي قرن، وبانتهاء القرن العشرين ينتهي ما سمي بالتحالف الاستراتيجي بين المؤتمر والإصلاح، إذ بدخول القرن الحادي والعشرين يعود الإصلاح إلى رفاقه في مجلس تنسيق المعارضة، وبعودته يعود اللقاء المشترك القائم حتى اليوم.
توجس التعايش الفكري الذي صار ممكناً.. وضغوط وحصار
ورقة الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الدكتور ياسين سعيد نعمان، جاءت بعنوان "نشأة المشترك وأهميته في الحياة السياسية المعاصرة". واستعرض ياسين السمة البارزة التي طغت على الأساس الأيديولوجي لتكوينات الحياة السياسية في ما مضى، ما جعل التفاهم والتعاون بين هذه الأحزاب مستحيلا، في حين حل الصدام والصراع بينها لدرجة المواجهة الدموية بدلا من التفاهم والتعايش. لكنه استدرك أن عملية الانتقال لم تكن بالسهولة التي تسمح بإزاحة ركام من الجمود الفكري والسياسي من قبل كافة الأحزاب في تلك الفترة، وما يمكن أن يسجل من إنجاز سياسي خلال هذه المرحلة هو أن القبول السياسي للأحزاب ببعضها البعض والتعايش الفكري صار ممكناً، على الرغم من حالة التوجس التي كانت تبديها الأحزاب تجاه بعضها في أحيان كثيرة. من أسباب ذلك تغير ميزان القوى (بعد حرب صيف 94)، وعدم اهتمام النخبة الحاكمة كثيراً بالديمقراطية إلا بالقدر الذي كانت تراعي فيه الخارج، ولأسباب تتعلق بحاجتها إلى الاعتراف بنتائج الحرب فقط.
هذه النوايا الإقصائية للسلطة -بتعبير ياسين- وضيقها من التعددية السياسية تجاه القوى السياسية والأحزاب، هو ما دفع بالأحزاب المعارضة إلى الحوار في ما بينها لحماية الهامش الديمقراطي، فتشكل مجلس التنسيق من أحزاب ستة، ثم قادت الانتخابات البرلمانية عام 1997 كأول انتخابات تتم بعد الحرب بصورة انقلابية على القوى السياسية، إلى انضمام تجمع الإصلاح بعد ذلك إلى مجلس التنسيق والإعلان عن تكتل المشترك عام 2001.
ياسين استطرد في الحديث عن الصيغة العامة التي ظلت تعمل بموجبها تلك الأحزاب مجتمعة غير محددة بلائحة تنظيمية أو برنامج سياسي، وكيف ظلت مترددة في أن تقوم بهذه الخطوة على الرغم من أن الحاجة كانت ماسة للانتقال إلى صيغة تنظيمية محكومة بلائحة وبرنامج عمل. وبمقابل النظرة لدى الكثيرين من أن تكتل المشترك وبتلك الصيغة إنما هو عمل مؤقت وتكتيكي، لن يكتب له النجاح، إضافة إلى حرص الحكومة على اختراقه بجملة من الوسائل من ضمنها محاولات الاتفاق مع كل حزب على حدة، باستثناء استطاعتها أن تسحب من التكتل حزب البعث القومي عام 2005؛ رأى أمين عام الحزب الاشتراكي في تلاحم المشترك عام 2006 عاملا أكسبه مكانة هامة في الحياة السياسية، عندما قرر الدخول في الانتخابات الرئاسية كمنافس بمرشح للرئاسة هو المهندس فيصل بن شملان مقابل الرئيس علي عبدالله صالح الذي يمسك بالسلطة منذ 28 عاما.
وكان الهدف-والتعبير لياسين- كسر حاجز الخوف من منافسة رئيس يحكم البلاد كل هذه الفترة من ناحية، وتحويل الانتخابات الرئاسية إلى منافسة حقيقية بعد أن كانت عبارة عن عملية شكلية لا معنى لها.
غير أن اللقاء المشترك الذي قدم نموذجا رائدا لإمكانية الانتقال إلى حلقة أعلى في الحياة الديمقراطية وصولا إلى التداول السلمي للسلطة، تعرض بعد ذلك إلى حصار وهجوم واسع من قبل السلطة، بسبب تجرئه على المنافسة.
ولقد تحدث نعمان عن أنواع مختلفة من الضغوط التي وصلت حد تهديد اللقاء المشترك بحله وحل الأحزاب التي تنتمي إليه، مؤكدا أن اللقاء المشترك استطاع أن يمتص هذه الضغوط والحصار وغيرها من الممارسات الحكومية التي استهدفته واستهدفت أحزابه، كما استطاع أن يتوسع من خلال انضمام حزب البعث العربي الاشتراكي إليه عام 2008، وكذا إيجاد علاقات تنسيق مع أحزاب وفعاليات سياسية واجتماعية أخرى.
في ختام ورقته خلص ياسين إلى أن تجربة اللقاء المشترك تجربة هامة بذاتها وبما خلفته في الحياة السياسية والثقافية اليمنية من شروط لنجاح المشروع الديمقراطي في هذه البلاد التي عصفت بها ثقافة الإقصاء والعنف.
وقفات نقدية منفردة ومجتمعة
أما ورقة الدكتور محمد صالح علي التي تناولت ملامح التطور في أداء المشترك باعتباره بات يشكل الظاهرة الأبرز المميزة للحياة السياسية اليمنية الراهنة، فقد اعتبرت ما بعد حرب صيف 94 الفترة التي شكلت الإرهاصات الأولية لنشأة اللقاء المشترك وتطوره، وصولا إلى غاية الحزب الحاكم ضرب المشروع الديمقراطي واستبداله بمشروع الحكم الفردي العائلي، ما جعل من اللقاء المشترك إنجازا سياسيا متميزا بكل المقاييس بمواجهة هذا المشروع.
لكن صالح القيادي والبرلماني الاشتراكي، عدّد الأسباب التي جعلت المشترك لم يتجاوز مستواه التنسيقي إلى صيغة التحالف السياسي حتى انتخابات 2003 البرلمانية، ومنها شراسة الهجمة التحريضية التآمرية ضده من قبل أوساط في السلطة وحزبها، مرورا بمقتل جار الله عمر وتداعيات ذلك، إضافة إلى أن تيارات داخلية في الاشتراكي والإصلاح ظلت متمسكة بتحفظاتها وحالة الشك والريبة، مع عدم اهتمام قيادة أحزاب المشترك نفسها ببناء عوامل الثقة وتوطيدها في الأوساط القاعدية لأحزابها، ما أظهر فجوة ملموسة في انتخابات2003.
ذلك أدى -بحسب الدكتور صالح- إلى وقفات نقدية منفردة ومجتمعة بما يكفل تصحيح العلاقات وتنقية الحياة السياسية مما علق بها من شوائب عدم الثقة كحاجة وطنية بالغة الأهمية.
فيما حمل مشروع المشترك للإصلاح السياسي والوطني؛ نوفمبر 2005، قيمة نوعية مضافة حركت الركود في الحياة السياسية والفكرية، ليس في كونه أول وثيقة سياسية نوعية تُخضع الواقع اليمني لقراءة تشخيصية تحليلية مشتركة، واقتراحه الحلول والمعالجات في سياق مشروع وطني شامل فحسب، بل في كونه أسس لعملية تحول في تطور المشترك، نقلت المعارضة المؤتلفة في المشترك من الصيغة التنسيقية إلى الصيغة التحالفية الأرقى، تزامنت مع التوافق على اللائحة الأساسية الداخلية المنظمة لنشاط المشترك حينها.
ويرى الدكتور صالح في الانتخابات الرئاسية 2006 اختباراً لمصداقية المشترك كبديل سياسي، ما قاد إلى ارتقاء أدائه التفاوضي مع السلطة إلى حوار من أجل الإصلاح السياسي والوطني الشامل، قبل أن تعمل السلطة مؤخرا على تقويض مشروعية التوافق الوطني، وتقوم بتعطيل الحوار وترفض الإصلاحات السياسية. على أن المشترك كان موفقاً -حد قول صالح- في مسعاه إلى توسيع تحالفاته السياسية والوطنية بهدف تشكيل الكتلة التاريخية الاجتماعية الواسعة من مختلف فئات مكونات الشعب، وذلك عبر اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، كما أن أهم قيمة رمزية أنتجتها تجربة المشترك في ظروفنا الراهنة تتمثل باعتقاده برمزية تدوير المواقع القيادية لرئاسة المجلس الأعلى للمشترك ورئاسة الهيئة التنفيذية وموقع الناطق الرسمي، الأمر الذي يقدم درساً بليغاً في الممارسة الديمقراطية.
وتؤكد هذه التجربة -حسب صالح- إمكانية تقديم أنموذج حي على إمكانية مراكمة شروط التغيير والتداول السلمي للسلطة.
امتداد وتطور
من ناحيته، استعرض القيادي الناصري محمد يحيى الصبري العلاقة القائمة بين المشترك واللجنة التحضيرية للحوار الوطني، وما يبدو للبعض أنهما أصبحا إما طرفين في العملية السياسية الوطنية أو أن أحدهما سيأكل الآخر. وقد توصل إلى أن اللجنة التحضيرية امتداد لتجربة اللقاء المشترك وأبرز مظاهر تطور أدائه الحزبي والسياسي خلال العامين المنصرمين، على طريق بناء الكتلة التاريخية للتغيير، كما خلص إلى أن ما كشفته مؤخرا وثائق ويكيليكس يشير إلى تحدٍّ أمام المشروع الوطني وجهود اليمنيين لإنقاذ بلادهم وفرض مطالبهم وخياراتهم.
عجز الحزب الحاكم ونقل المعارضة إلى طور أكثر جدية
في السياق، قال الدكتور عبدالله عوبل إنه في السنتين الأخيرتين استطاعت أحزاب اللقاء المشترك أن تحشد قوى اجتماعية وسياسية مؤثرة إلى صف المعارضة تحت مسمى اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، الأمر الذي أدى إلى توسيع جبهة المعارضة وتسييجها بسياج اجتماعي، مضيفاً أن تجربة المشترك لم تجعل الأيديولوجيا تقف حائلا دون العمل السياسي المشترك.
واعتبر عوبل الأمين العام لحزب التجمع الوحدوي اليمني، تجربة اللقاء المشترك ضرورة وجودية وليس فقط سياسية.
وتابع أنه خلال السنوات ال10 ظل السلوك السياسي للسلطة يسوء باستمرار ويترافق مع أزمة وطنية شاملة وخانقة حيث يقف الحزب الحاكم عاجزا عن توفير الحلول لها ويرفض الحوار الوطني كطريق للوصول إلى الحل.
وزاد أن هاجس امتلاك السلطة وأدواتها والثروة ومواردها وامتلاك الأرض ومن عليها وما في باطنها وما فوقها هاجس يؤرق السلطة وليس ممارسة الحكم كوظيفة وخدمة للمجتمع، ما يعني أن اللقاء المشترك سيبقى ضرورة ما بقيت هذه العوامل التي ساعدت على تكوينه واستمراره.
عوبل أشار إلى أن تكوين اللقاء المشترك قد نقل المعارضة إلى طور أكثر جدية، مؤكدا أن له برنامجين حتى الآن: برنامج الإصلاحات 2005، وبرنامج الإنقاذ 2009، وهما يكشفان مستوى تقارب الأفكار إلى درجة تحديد الأهداف المشتركة وتوحيد التصور حول مستقبل البلد والدولة، ما يقود إلى التفاعلات داخل اللقاء المشترك، والتي قادت إلى تصور معقول للممارسة السياسية قائم على المصالح أكثر من الأيديولوجيا، كما يمثل هذا التصور ثقافة سياسية جديدة.
في عمق الوعي الشعبي العام
الدكتور محمد السعدي الأمين العام المساعد لتجمع الإصلاح، استعرض في ورقته ما أنجزه المشترك خلال عقد من الزمن، بدءاً بمرحلة التنسيق في القضايا الوطنية، مرورا بمرحلة التحالف الوطني، وانتهاءً بمرحلة الشراكة السياسية التي توجت بالنزول بمرشح وبرنامج انتخابي موحد في الانتخابات الرئاسية والمحلية في 2006.
وأوضح أن المشترك راكم وحقق تجربة لم يسبق لها مثيل على المستوى الإقليمي والعربي والإسلامي، حيث تقاربت وتحالفت وتوحدت رؤية عدد من الأحزاب القادمة من مدارس مختلفة، وانصهرت في مدرسة وطنية شاملة تقدم مصلحة الوطن على مصالح الأحزاب، والشأن العام على الخاص، والجماعية على الفردية.
بذلك -وفقا للسعدي- كان نجاح المشترك في تكوين سمعة ممتازة كنموذج للتحالفات، حيث توج شراكته باختيار فيصل بن شملان مرشحا رئاسيا بشعار "رئيس من أجل اليمن.. وليس يمن من أجل الرئيس"؛ أصبح شعار التغيير في تحريك عجلة التغيير، كما في عمق الوعي الشعبي العام. على أن أهم ما طرحته ورقة السعدي هو أن "المشترك قد تجاوز اختبار وتحديات السلطة"، فيما ثقافة النضال السلمي المسيطر على المفردات اليومية لأعضاء المشترك جعلت أثره كبيرا.
ومضى السعدي إلى القول إنه على مدى السنوات الأخيرة حدثت 6 حروب في المناطق الشمالية، خسرت فيها البلاد مليارات الريالات، إضافة إلى قتل وجرح وتشريد الآلاف من النساء والأطفال والرجال مدنيين وعسكريين.
السعدي اتهم السلطة وحزبها الحاكم بإذكاء النعرات العصبية والمناطقية والمذهبية بعد أن كان الشعب قد تجاوزها، لافتاً إلى تصاعد الأوضاع في المحافظات الجنوبية بشكل وصفه بـ"المخيف"، وتحول مطالب سياسية وحقوقية سلمية إلى عنف يتنامى ويتسع يوماً عن يوم.
وتابع أن أمل الجماهير بالمشترك وشركائه يزداد يوماً بعد يوم، وذلك بسبب وضوح الرؤية وصدق المطالب، إضافة إلى تراكم فشل السلطة وانعدام برامجها العملية التي لم تتعدَّ الوعود، وانكشاف زيفها وتضليلها الإعلامي. ولقد اختتم السعدي ورقته بالقول إن توسيع دائرة الشراكة الوطنية التي يقدمها المشترك تعتبر فكرة جاذبة لاستقبال القوى السياسية من خلال رسم السياسات وأدوات التنفيذ والمشاركة الفاعلة ولجميع القوى السياسية، وكذا أبناء الوطن وفق مواطنة متساوية تسودها العدالة والتحاكم للقانون، كما أن اتساع الدائرة النوعية للمشترك ووجود قوى وشخصيات وطنية مجربة داخل المشترك قد قوى جداره وحسن وطور قدراته على التغيير، وجعل من التفاف الجماهير حوله أمرا حتميا لأن الخيارات الأخرى محدودة السعة والقدرة بل والاستيعاب.
إما أن يكون أو لا يكون
أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء الدكتور المستقل محمد الظاهري، في تعقيبه على ضوء المآلات السياسية الأخيرة للحاكم والمشترك "مضي الحاكم إلى الانتخابات وحده وتنصله من كافة التزاماته مع تلويح المشترك بالنزول للشارع احتجاجاً على ذلكـ"، تناول جوانب الضعف لدى المشترك، والمتمثلة بضعف التواصل بين قيادة المشترك وجماهير الشعب، وعدم تهيئة المشترك نفسه لأن يكون بديلا حقيقيا لهذا النظام الذي ثبت فشله.
واعتبر الظاهري أن تجربة المشترك تجربة رائدة في الحياة السياسية اليمنية، كما يعلق عليها الشعب آمالاً في قيادة التغيير بالبلد، متمنياً أن يكون عند مستوى المسؤولية في تحقيق تطلعات وآمال الشعب، وألا يفقد الثقة به كما فقد الثقة بالسلطة الحاكمة، لكنه رأى أيضا أن اللقاء المشترك في وضع لا يحسد عليه، وعليه أن يثبت أنه معارضة حزبية فاعلة.
وفي هذا الصدد قال "أطالب المشترك بأن يتمثل بسلوك الأسد أو الفهد أو النمر في مرونته وحركته بعد إعلانه إمكانية نزوله إلى الشارع بهبة غضب شعبية، أو على الأقل أن يقلد القط الذي يدافع بمخالبه إذا حاصره أحد في أي مكان. والمشترك في محك حقيقي، إما أن يكون كمعارضة حقيقية، أو لا يكون، لأن الحاكم لم يتح له فرصة، وأخشى أن يفقد المواطن اليمني ثقته في المعارضة الحزبية تماماً".
رؤية اقتصادية بنواقص كثيرة.. والفقراء في فقر أشد
على خلاف ما سبق، أدان الباحث الدكتور محمد العمراني الناحية الاقتصادية في وعي اللقاء المشترك، وتحديدا ما ورد في مشروع رؤية للإنقاذ الوطني، حيث قال إنه تشوبه نواقص كثيرة، مضيفا: ليس من المعقول أن يكون ما ذكر في رؤية الإنقاذ هو ما تطرحه المعارضة اليمنية بكافة أطيافها دون إعطاء صورة واضحة لما يدور فعلا على أرض الواقع.
ويرد في مشروع الإنقاذ تحت عنوان المظاهر الاقتصادية للأزمة، أنها تمثل أحد أبرز التحديات التي تواجهها بلادنا ويكتوي بنارها المجتمع كله، وخاصة الفقراء ومحدودو الدخل الذين تتسع رقعتهم يوما فيوم، ولهذا السبب كان يعتمد "الحكم الفردي –النظام" نهجا ثابتا يقوم على تحميل الفقراء وذوي الدخل المحدود وأصحاب الملكيات الخاصة الصغيرة والمتوسطة تكاليف الإجراءات الاقتصادية الخ.
إلا أن العمراني بين في مداخلته القيمة كيف أن النظام الحاكم عمل على تغيير أنظمة العيش لعموم المواطنين بل وضعفها جدا، وبالتالي عدم قدرة هذا النظام على التخفيف من الفقر خصوصا مع انخفاض الإنتاج الزراعي وتراجع اعتماد الفقراء على الزراعة كمصدر للغذاء. وناهيك عما ذكرته وثيقة الإنقاذ من أسباب البطالة وتدني الدخل وعدم محاكمة الفاسدين وارتفاع الأسعار كنتيجة لغياب التنمية الشاملة، أفرد العمراني حيزا واسعا لسبب أهم في أزمة البلد الاقتصادية والمتمثل في الاستيلاء على الأراضي الزراعية.
فحيث يؤكد البنك الدولي أن هناك اتجاها متزايدا نحو توزيع غير منصف للأراضي في اليمن مع تمركز الملكية في أيدي بضع عائلات ذات نفوذ، أصبحت قضايا انتهاكات الحقوق التقليدية في المقابل شائعة جدا، بينما تفتقر الحقوق الحديثة أسس النظام القانوني، ومن هذه القضايا ملكية المياه والأرض وتوزيعها باعتبارها خاضعة للتأثير السياسي والاجتماعي، وبالتالي تتسبب في خسارة المستضعفين في المجتمع.
وكما يستعرض العمراني نتائج دراسات حديثة حول الموضوع نجد ثمة توسعاً في ممتلكات ملاك الأراضي الزراعية الكبار على حساب المزارعين الصغار، بالإضافة إلى تفشي الاستيلاء على الأراضي غالبا من قبل شخصيات ذات نفوذ وسلطة.
وتشير الدراسات الى تطور التفاوت الاجتماعي وانعدام المساواة في المجتمع اليمني مؤخرا حيث أغلب الفقراء يعيشون في الريف ويكسبون عيشهم بالزراعة، فيما أظهرت الدراسات وجود علاقة طردية بين الفقر وانعدام المساواة في حيازة الأراضي، وهي قيمة عالية بلغتها اليمن حسب معامل جيني، إذ بلغ 0.73 عام 2006، وهي قيمة عالية مقارنة بما هو موجود في عديد دول آسيوية وأفريقية متدنية التنمية (بنغلاديش، ساحل العاج، السنغال، النيبال، السودان، فيتنام، باكستان، موريتانيا، وأوغندا).
بالتأكيد فإن الإصلاحات الاقتصادية لا تأتي إلا بالإصلاحات السياسية كما يرى المشترك، لكن توصيف الأزمة الاقتصادية بشكل مدروس هو ما طالب به العمراني، حيث إن الفقر في اليمن -كما يقول- يتعدى فقر الدخل وعدم القدرة على امتلاك الأصول الإنتاجية، ليشمل الحرمان المادي والنفسي والاجتماعي، وبذلك يوقع الفقراء في فقر أشد.