بعد 3 أشهر من خطوبتها لشاب يحضر الدكتوراه

بعد 3 أشهر من خطوبتها لشاب يحضر الدكتوراه

المحكمة تبت غداً في دعوى فتاة هربت من أسرتها بعد أن رفضت تزويجها من شاب لأسباب اجتماعية
 حجة - صقر أبو حسن
لم يكن أمام الفتاة سوى الفرار من منزل والدها واللجوء إلى منزل شيخ قبلي يحمي رغبتها بتزويجها على شاب من نفس القرية، التي تنتمي إليها، أو البقاء في القرية والرضا بالفراق. واليوم هي أمام خيارين؛ إما البقاء لدى الشيخ حتى يصدر القاضي حكمه غداً ويعقد لها بمن تحب، أو العودة إلى أسرتها والموت. وقد أكدت للمرصد اليمني لحقوق الإنسان أنها إذا لم تقتل من أسرتها التي تبحث عنها وتهددها على الدوام، فإنها ستنتحر لأنهم سيرفضون زواجها من الشاب الذي اختارها واختارته.
"رانيا" شابة من منطقة قفل شمر، محافظة حجة، تنتمي إلى أسرة قبلية معروفة، خطبت قبل أشهر للشاب علاء الحاج، وهو يحضر الدكتوراه بالجامعة الإسلامية في ماليزيا تخصص طب بشري، وينتمي إلى أسرة تمتهن الجزارة. وبعد 3 أشهر قررت أسرة الفتاة فسخ الخطوبة بسبب أنه من درجة يعتبرونها دون مستواهم.
أبدت "رانيا" رفضها الشديد لقرار أسرتها القائم على العنصرية، وتمسكت بموقفها وإرادتها في الزواج من الشاب بحب صادق، وقررت الفرار من منزل والدها الذي خضع للضغوط القبلية بعد أن كان وافق على الخطوبة واتفق مع أسرة الشاب. حتى اليوم ما تزال في منزل شيخ مشائخ عبس محجب عثمان محجب، الذي التزم من مبدأ قبلي بعدم تسليمها والوقوف معها بعد أن استنجدت به. ومن منزله وجهت نداءها للمرصد اليمني لحقوق الإنسان للاستغاثة وتقديم المساعدة للخروج من مشكلتها.
صباح غد، سيستمع رئيس محكمة قفل شمر الابتدائية القاضي محمد الشرفي، إلى رأي الفتاة بحسب قرار المحكمة أمس الأحد، تأجيل البت في القضية والعقد للفتاة حتى سماع رأيها النهائي.
وفي جلسة أمس شهدت قاعة المحكمة حضوراً لافتاً لحقوقيين وإعلاميين يتقدمهم فريق المرصد اليمني لحقوق الإنسان، غاب عن الجلسة أسرة الفتاة. وكانت المحكمة وجهت للأسرة 3 إعلانات لحضور الجلسة لكنهم تغيبوا عنها، وأفاد مدير أمن قفل شمر المقدم عبدالله الشرفي المحكمة بأن والد الفتاة وجميع أفراد أسرتها غير متواجدين في المنطقة، لذا نصب القاضي شخصاً للاستماع إلى الدعوى.
وكان رئيس المحكمة كلف مدير أمن قفل شمر ومدير أمن مديرية عبس تأمين حياة البنت وإيصالها إلى المحكمة، لكنهما اعتذرا وقالا إنهما لا يستطيعان حمايتها. وقال الشرفي إنه لا يوجد مكان آمن للبنت حالياً أكثر من بيت الشيخ محجب، لاسيما والوضع يشهد توتراً مستمراً من قبل أسرة الفتاة والقبائل المتضامنة معها، إذ تتحرك في الجانب الآخر.
وقال رئيس فريق المساندة القانونية المكلف من المرصد أسعد عمر، إن رانيا نجت قبل يومين من محاولة قتل نفذتها إحدى قريباتها بعد أن تسللت إلى منزل الشيخ محجب بمسدس واكتشفتها النساء المتواجدات في المنزل. وأضاف: لكن محجب طلب زوج المرأة وأسمعه كلاماً شديد اللهجة ولم يسلم له زوجته إلا بعد أن التزم خطياً بعدم تكرار مثل هذا التصرف.
وأشار أسعد إلى أن هذه هي ثالث جلسة، وأن غداً ستكون الجلسة الفصل وسيتم فيها البت في القضية العقد للبنت.
ولفت إلى أن تأثير الأسرة القبلية جعل مدير مدرسة يصرح بأن عمر الفتاة 15 عاماً لكونها تدرس في الصف التاسع. لكن الفتاة وعدداً من المدرسين والأهالي دحضوا هذا التصريح، وأكدوا أن عمر الفتاة أزيد من 21 عاماً، وأنها انتقلت مع أسرتها إلى الحديدة وتوقفت عن الدراسة سنتين، كما أنها رسبت 3 سنوات.
وحذر أسعد عمر من التعصب القبلي الذي يودي بحياة الفتاة، وقال إن الفتاة تهدد بأنها لو رجعت إلى أهلها فإنهم سيقتلونها أو أنها ستنتحر. ومن الناحيتين فإن الوضع كارثي ويهدد حياة البنت.
وكان فريق حقوقي وإعلامي توجه بمعية المرصد إلى منزل الشيخ، صباح الأربعاء. وقد وصل الفريق إلى مديرية قفل شمر، واستمع من الشيخ محجب لتفاصيل القضية، وإلى رأي العريس الذي ينتظر العقد بأمر قضائي يوم غد.
يمتلك علاء رؤية عميقة وتشخيصية للموضوع، فهو الذي تعتبر أسرة الفتاة أن أصوله لا تليق بمستواهم، وهم الذين ينتمون إلى القبيلة. ويقول وهو ينافح من أجل التوضيح عن المشكلة الحقيقية: "ليست زواجة ولد وبنت، بل اختراق لتقاليد خلقت لتصنع الفتن".
وتحدث شيخ منطقة شمر الأعلى، علي محمد صغير، عن: العنصرية، معتبراً أنها أفشلت إتمام زفاف الشابين. وقال إن إصرار الفتاة على تنفيذ رغبتها "جعله يقف بشكل محايد".
شيخ مشائخ عبس، الذي استنجدت به رانيا، أكد أن الفتاة "حُبست وعذبت في منزل والدها 7 أشهر" قبل أن تفر إلى منزله، لافتاً إلى أن "الإسلام أمر بالمساواة"، وقال: وفي عرفنا القبلي التي تهرب مع رجل تتزوجه لمداراة الفتن حتى وإن كانت في ذمة رجل آخر.
ولفت إلى أن "مثل هذه الحالات نأخذ ضمانات بعدم الاعتداء عليها أو تزويجها غصبا من الذي اختارته، لكن هذه القضية تختلف حيث من العادة أن تهرب فتاة من طبقة أدنى مع شاب في طبقة أعلى، أما هذه هي أول حالة في المنطقة أن ترغب فتاة بالزواج من طبقة أدنى من طبقتها".
"القضية تسير باتجاهها الصحيح، وتدخل نافذين يقلقنا"؛ بهذه العبارة بدأ المحامي يحيى صالح الأصنج، محامي الفتاة، وقال: إن الهدف من خلف هذه الضغوط هو تعميق العنصرية فقط. متحدثاً عن "حالات زواج مشابهة لهذه القضية" تحدث بشكل كبير في مناطق أخرى من محافظته.
وأضاف: المجتمع يتقبل أي نوع من الزواج، ولكن ما بين يديه شيء جديد، فهي أول حالة في اليمن تحدث أن ترفع فتاة دعوى قضائية ضد والدها لرفضه تزويجها ممن ترغب.
المدرس في إحدى مدارس مدينة شمر بحجة، إبراهيم عايض، كان حاضراً في جلسة النقاش عن الطبقات، فقال: "هناك حالات تفريق حتى في مقاعد الطلاب، حتى وإن كانت الدراسة الموجودة تمنع التفرقة، لكن تظل الفرقة الطبقية موجودة، ويعاني منها الطلاب ونفسيتهم مضطربة من هذه الظاهرة".