اقراء في بيئة النداء:

اقراء في بيئة النداء:

مع ارتفاع مستوى سطح البحر والمد الجارف للتربة الساحلية
العائلات السمكية في الساحل التهامي مهددة بالنفوق
كيف تدمر بيئتنا الأثرية؟

مع ارتفاع مستوى سطح البحر والمد الجارف للتربة الساحلية
العائلات السمكية في الساحل التهامي مهددة بالنفوق
(السلاحف كمؤشر)
المحرر
حين تلتهم السلاحف المخلفات البلاستيكية التي تكبها المصانع على ساحل البحر، تكون الخلجان الرخية كبيئة ملائمة لنمو الغذاء النباتي للأحياء البحرية، ماضية إلى الاندثار.
يحدث ذلك في الساحل اليمني على البحر الأحمر، حيث أخبرني صيادون التقيتهم قبل 4 أشهر في مدينة اللحية الواقعة في الساحل التهامي (170كم جنوب غرب الحديدة) أنهم شاهدوا السلاحف تتغذى على قطع بلاستيكية كانت قد كبتها مصانع الحديدة على الساحل.
حين قال لي الصياد محمد العقيلي ذلك، لم أكن وقتها، منتبهاً لما يقول، إلا أنني لا زلت أتذكر أنه قال ذلك في سياق حديثه عن شحة موارد الصيد، جراء انقراض عدد من النباتات التي تتغذى عليها الأسماك.
كان عليَّ تذكر ما قاله العقيلي الثلاثاء الماضي، أثناء مطالعتي لإحدى الدراسات الحديثة، حول ارتفاع مستوى سطح البحر، وتأثير ذلك على البيئة البحرية.
"يتجلى النقص في المكونات النباتية البحرية في إقبال السلاحف على التهام المخلفات البلاستيكية التي تصل إلى البحر"؛ في هذا السياق وردت السلاحف كمؤشر لاندثار عدد من المصادر النباتية المكونة للغذاء الذي كان يفترض أن تتغذى عليه، لكن تآكل مكونات الغذاء هذه تبعاً لتآكل السواحل وجرف التربة فيها جراء الارتفاع المتصاعد لمستوى سطح البحر، يدفع السلاحف إلى التهام القطع البلاستيكية كبديل غذائي.
أشارت الدراسة التي أعدها الدكتور عبدالكريم الصباري، وهو أستاذ متخصص في علم البحار بجامعة صنعاء، إلى أن الخلجان الرخية لنمو نباتات "الشوراء" كأهم غذاء للأسماك والأحياء البحرية، يطالها التدمير، لعدم وجود مصدات للأمواج الجارفة للتربة الساحلية جراء ارتفاع مستوى سطح البحر.
في أرخبيل سقطرى فقط 35 عائلة سمكية، وضعف هذه العائلات في الساحل اليمني على البحر الأحمر، حيث تكون 416 نوعاً من الأسماك، بعضها نادرة، لكن الخبير الصباري يخشى تدمير هذه العائلات والأنواع السمكية إذا لم يتم بناء مصدات حمائية لإنقاذ هذا المخزون السمكي المقدر ب27 مليار طن في ساحل البحر الأحمر فقط.
وحسب الدراسة، تتعاظم خطورة ارتفاع مستوى سطح البحر جراء التغيير المناخي، بمهاجمة الأمواج للسواحل في فترات المد التي تؤدي إلى تآكل التربة الساحلية لمسافة تزيد عن 100 متر من اليابسة.
جراء ذلك تصل التربة المفقودة إلى 200 هكتار على امتداد كل 20كم من السواحل، بمعنى أنه كلما ازداد مستوى سطح البحر ارتفاعاً ازداد علو الموج بتأثيراته على بيئة الساحل والتربة والأنشطة الاقتصادية والإنتاجية المرتبطة، فيما يتطلب مجابهة هذا، ببناء مصدات الأمواج الجارفة للغذاء النباتي، إمكانات هائلة.
حسب الدراسة يكلف المتر الواحد من المصدات ألفي دولار أمريكي، ما يعني أن 20 مليون دولار هي تكلفة المصدات الحمائية لسواحل الحديدة وحدها، ما بال الساحل اليمني البالغ طوله 2500 كيلومتر.
وشملت الدراسة عدداً من المواقع الساحلية بمدينة الحديدة كأهم أكبر الموانئ اليمنية بالنظر لقابلية التغيير في مفتاح النظام البيئي.
 
... وعدن مطالبة بالانسحاب إلى الخلف!
ثمة مسوحات تجري لتحديد ارتفاع المناطق الساحلية في مدينة عدن، في سياق الإعداد للبلاغ الوطني الثاني حول التغييرات المناخية في اليمن، وهي المسوحات التي سيجري وفقاً لنتائجها، تحديد النقاط الهامة التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند البناء والتوسع العمراني وإنشاء البنى التحتية.
وطبقاً لتصنيف منظمة "lPCC" المتخصصة، برصد التغييرات المناخية على مستوى العالم، تحمل "عدن" المركز السادس بين 25 مدينة ساحلية في العالم معرضة للمخاطر الناجمة عن ارتفاع مستوى سطح البحر.
والحاصل أن أية منطقة تحت مستوى سطح البحر أو في مستواه معرضة لغمر المياه وجرف التربة، الأمر الذي يعرض البنية التحتية والمنشآت والتنوع الحيوي للتدمير.
وشددت "lPCC" على ضرورة البناء على مسافة تزيد عن 500 متر من خط الساحل، لاسيما وأن مستوى سطح البحر قد يرتفع بنحو 60سم خلال القرن الحالي، كما ذهبت في ذلك عدد من التحذيرات التي أطلقتها منظمات دولية متخصصة بالمناخ، الأمر الذي يهدد كافة المنشآت والبنى الواقعة على مسافة 150 متراً من الساحل، ما لم تنسحب إلى الخلف، لمسافة أبعد من ذلك.
 
يقول الخبراء إن قوته ستزيد عن 7 درجات بمقياس رختر
تسونامي القادم من إندونيسيا
6 آلاف ميل، هي المسافة بين اليمن وإندونيسيا، لكن تسونامي المحتمل قدومه من جزيرة سومطرة التابعة لإندونيسيا، بقوة تزيد عن 7 درجات رختر، لن يعفي سواحل عدن وسقطرى وحضرموت من الدمار هذه المرة.
في العدد الماضي، حاولنا دق ناقوس الخطر للكارثة التي أجلها تسونامي المحتمل، والذي قد يبدد النفايات النووية في الساحل الصومالي، لمهاجمة الضفة المقابلة في خليج عدن والساحل التهامي، على نحو لن يبقي سمكة حية.
واليوم الثاني من صدور العدد (الاثنين الماضي) هبت الموجات الزلزالية لتسونامي إندونيسيا، الذي أحدث دماراً في شواطئ هذه الأخيرة، وحصد المئات من الأرواح. بيد أن تسونامي ذاك ليس هو المعني بالأمر!
فما هو إلا نذر لتسونامي الذي يقول خبراء أمريكيون ويابانيون، وإندونيسيون أيضاً، إن قوته ستزيد عن 7 درجات بمقياس رختر.
هذا الأخير هو ذلك الدمار المحتمل الذي يستبعد خبراء البيئة والمناخ في اليمن حدوثه.
والحقيقة أن اليمن لا تقوم بمراقبة يومية للمناخ، وهي العملية التي يتوجب فيها رصد درجات الحرارة ومعدل الرياح وكمية الأمطار، لتتوفر المعلومات التي يمكن من خلالها تحديد ما إذا كنا سنواجه مشكلة أم لا.
والحاصل أن الهيئة العامة للأرصاد الجوية تقوم فقط بالدور الكلاسيكي من قياس درجة الرياح والحرارة والسحب، فيما نتائج هذه القياسات تبقى حكراً على الهيئة وتعتبرها ملكاً خاصاً بها.
وهو ما أكده الدكتور محمد مهدي أبو بكر الأستاذ بقسم علوم الأرض والبيئة بكلية العلوم -جامعة صنعاء، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "يمن تايمز" الناطقة باللغة الإنجليزية، حين قال إن احتكار هيئة الأرصاد للمعلومات لا يساعد المهتمين والمراكز البحثية على إجراء الأبحاث اللازمة لاستكمال الخارطة المناخية لليمن.
 
 
باحث: آثارنا ومخطوطاتنا تزين قصور إخواننا الخليجيين
كيف تدمر بيئتنا الأثرية؟
في ذاكرة محمد عبدالرحيم جازم، الباحث في المعهد الفرنسي للعلوم والآثار، قصص كثيرة، تروي صنوفاً شتى من العبث والتدمير الذي طال البيئة الثقافية اليمنية ومقدراتها الحضارية، في ظل قانون حماية الآثار، وفي غيابه أيضاً.
تجار آثار وسياح وطالبو تراخيص لإخراج الآثار من اليمن، لا زالوا حاضرين بقوة في ذاكرة الرجل الذي بات شاهداً على عقود من العبث المسكوت عنه.
في سياق ما هو بيئي، يمكن أيضاً قراءة "قصة الآثار وتغريب التراث اليمني"، وهي ورقة العمل التي قدمها جازم، الثلاثاء الماضي، في ندوة أقامتها مؤسسة العفيف الثقافية في مقرها بالعاصمة صنعاء.
بانتقاله قبل أكثر من عقدين، للعمل في الهيئة العامة للآثار والمخطوطات والمتاحف، تبدأ قصة الرجل الذي فوجئ يومها "بعدم وجود قانون يمكنه التعامل مع الآثار والمخطوطات وفقاً له"، لكن مفاجأته بالقوانين التي جاءت لاحقاً، على نحو لم يحرم بيع الآثار والاتجار بها، قال إنها كانت مريرة للغاية.
خلال عمله غير المحدَّد في لائحة الهيئة، كان عليه أن يتولى تحرير الصفحة الأثرية في صحيفة "الثورة" بشكل أسبوعي، وهي المساحة التي مكنته من قول بعض ما يحز في نفسه حيال ما يجري في الهيئة، حيث كان تجار الآثار وطالبو تراخيص تصديرها لخارج اليمن، هو المشهد الذي يورقه في الهيئة بشكل يومي.
في الأخيرة، كرس جازم جل اهتمامه لتوثيق الحرف اليدوية ومنتجاتها لما لمسه من إقبال عليها، قال إنه إقبال يصل إلى درجة النهب، في شراء المنتجات الحرفية القديمة من قبل السياح والمتاجرين بالآثار، التي كانت تخرج من اليمن بالجملة. في سوق الملح، قال إنه كان "يشاهد محتويات ودكاكين للتحف التي لا تنضبـ".
وحده القاضي إسماعيل الأكوع على رئاسة الهيئة، من كان يتصدى للفوضى العارمة حد قوله، إذ كان قادراً باتصال إلى الرئاسة، على فعل شيء ما، يمنع نهب الآثار والاعتداء على المواقع الأثرية، لاسيما مع غياب قانون يمنع ذلك.
يرى جازم أنه ما من جديد في الوقت الحالي، إلا انقطاع رحلات السياح الأجانب، لكن "من يزور إخواننا في الخليج سيجد تحفنا ومخطوطاتنا وآثارنا تزين قصورهم للتباهي بها مع أقرانهم، تماماً كما كانت أوروبا في القرن السادس عشر حين كانت التحف والمخطوطات والرسومات تزين قصور النبلاء والأثرياء، قبل تحول هذه المقتنيات من الملكية الخاصة إلى الملكية العامة كثروة قومية لتلك الأوطان.
وفي معرض حديثه عن القوانين التي يفترض بها حماية الآثار اليمنية، قال جازم إن قانون حماية الآثار الصادر في 97، صاغته "القوى الفقهية التي سيطرت على الأوضاع في شمال اليمن بعد قيام الثورة". موضحاً أن تلك العقليات لا ترى ضرورة لصدور قانون لحماية الآثار، ولذا ظلت تعتبر الآثار والاتجار بها وإهداءها ليس أمراً محرماً مادام من يقوم بذلك يدفع رسوماً للدولة، وعلل جازم رأيه هذا، بالمادة 35 من القانون التي تجيز إهداء الآثار، بقولها "يحظر على السلطة الأثرية إهداء الآثار إلا في أضيق الحدود ولتحقيق مصلحة عامة... الخ". وقال: "إذا دققنا في هذه المادة وحللنا محتواها سنجدها تعني ضمناً عدم احترام شيء اسمه أثر أو آثار". مشيراً إلى أن هذا القانون جعل العقوبات على من يعبثون بالآثار أو المقدرات الثقافية للبلاد "مخففة وكأنها تكفئهم على أفعالهم تلكـ".