بعد تعرضها لهزة أرضية أواخر رمصان الفائت

بعد تعرضها لهزة أرضية أواخر رمصان الفائت

300 منزل في مديرية بعدان مهددة بالسقوط
إبراهيم البعداني
أكثر من 300 منزل في 3 قرى من قرى مديرية بعدان بمحافظة إب، أصبحت آيلة للسقوط في أية لحظة، بعد تعرضها لهزة أرضية أواخر شهر رمضان الماضي.
الهزة الأرضية التي لم يعرف أحد قوتها لعدم توفر مرصد لرصد الزلازل في المديرية، كانت بمثابة إنذار للأهالي بأن يخلوا منازلهم حتى لا تتعرض أرواحهم لمخاطر الموت والأذى.
كانت الهزة -حسب الأهالي- مخيفة، وسببت لهم الرعب والهلع. لكن إلى أين سيلجؤون في حال عاودت الهزة ديارهم، وأحدثت بها أضراراً؟ وأين سيستقرون؟
كانت وجهتهم الأولى بعد تعرضهم للهزة السابقة باتجاه مركز المديرية للاستغاثة بمدير المديرية والمجلس المحلي ومحافظ إب،الذين لم يعيروا الأهالي أي اهتمام، مكتفين بالقول لهم في حال عاودت الهزة نشاطها سوف "نحاولـ" توفير بعض الخيام لكم. كان هذا في 27 رمضان الماضي.
وبعد أسبوع من الكارثة، وفي إحدى ليالي شوال الهادئة، تفاجأ الأهالي بحدوث ما يشبه الزلزال، هذه المرة كانت الأرض تتزلزل من تحتهم، صاحبها سماع أصوات تساقط أكوام من الأحجار من الجبال والمنحدرات المجاورة لقراهم ومن كل اتجاه من الوادي، وحين تجمع الأهالي وخرجوا لمعرفة مصدر الأصوات، كانت ليلتهم الطويلة تلك تنذر بقدوم ما هو أشد من الزلازل، وحين طلعت شمس صباح اليوم التالي تبين للأهالي أن منطقتهم قد أصابها خرق وزلزال حين شاهدوه بأعينهم، حيث وجدوا أن بعض المناطق قد أزيحت من مكانها مثل الطرقات وجدران المزارع وكذلك بعض المنازل، بالإضافة إلى حدوث شرخ كبير في الأرض ممتد بخط طولي باتجاه القرى والوادي الزراعي. ولا يزال مد هذا الشرخ يزورهم بشكل يومي، حاملاً معه عدداً من المنازل والأراضي الزراعية وكل ما يصادفه أو يقف في طريقه.
كانت الكثير من المنازل انشطرت نصفين، وبعضها انهارت ودفنت. هذه المرة كان غضب الأهالي عارماً حين وصلوا يشكون إلى مدير المديرية الذي تواضع وأرسل لهم مهندساً معمارياً للمعاينة وتشخيص الحالة. وحين وصل المهندس الذي يفتقر لأبسط الأجهزة الجيولوجية الخاصة، وبعد طوافه بين المنازل المنهارة والمتضررة، وفي المزارع المحيطة بها، توصل إلى نتيجة أساسية فسرت للأهالي طبيعة وسبب الدمار الذي حل بقراهم بعد أن طمأنهم بأن ما حدث ليس بهزة أرضية وليس بزلزال.
ووسط دهشة الأهالي الذين وقفوا ينظرون باندهاش إلى الباش مهندس ليحل لهم سر هذا اللغز الذي أرق مضاجعهم وأقلق راحتهم، وبعد لحظات من حديث المهندس مع الأهالي، وبعد أن أخبرهم بأن يطمئنوا ولا يخافوا "يا جماعة لا تخافوا ولا شيء. لا تقلقوا.. مافيش لا هزة ولا زلزال. كل ما في الأمر أن منطقتكم تعرضت لانزلاق أرضي..".
انزلاق.. انزلاق.. ظل الأهالي يرددون هذه الكلمة، وبعد مرور بعض الوقت اكتشف الأهالي أنه لا فرق بين الزلزال والانزلاق، فقد تحولت قراهم إلى كتلة من الأحجار، وربما ستكون بقايا أطلال بعد أن اخترقها انشقاق كبير شطرها نصفين، وفي كل يوم يتوسع هذا الانشطار بشكل طولي، وكلما اقترب من منطقة ذهب معه كل ما يصادفه.
الكارثة لم تكن بالشيء السهل كما يظنها مسؤولو السلطة المحلية الذين لم يحركوا ساكناً، ولم يزوروا المنطقة منذ وقوع هذه الكارثة التي ضربت قرية النوبة وقرية القرين وقرية بيت شحرة في منطقة سبر مديرية بعدان.
حاول الأهالي لفت أنظار المحافظ ومسؤولي السلطة المحلية، وكلما ذهبوا إلى مسؤول يُقابلون بالرفض والحجج الواهية كنوع من عدم تحمل المسؤولية، فواحد يقول إن ما حدث من اختصاص المجلس المحلي، ومدير المديرية يتعذر بغياب المحافظ، والمحافظ لا يعلم أحد متى سوف يداوم في مكتبه.
ما يقرب من شهرين ومنطقة بأكملها تحتضن أكثر من 300 منزل يقطنها أكثر من 300 أسرة أصبح الذعر والخوف يلازمهم بشكل يومي، منتظرين سقوط منازلهم على رؤوسهم، فيما العشرات منهم ممن فقدوا منازلهم، وبعد أن تنكر لهم المسؤولون وغضوا الطرف عنهم، افترشوا الأرض، وتحولت مزارعهم إلى مساكن لهم ولحيواناتهم بعد أن نصبوا بعض الخيام (الطرابيل)، بينما بقية الأهالي قدموا أروع صور التعاون والألفة حين قام الكثير منهم بفتح منازلهم وتقاسموها بينهم وبين المتضررين، وقاسموهم الطعام والشراب والفراش.
أكثر من شهرين من عمر الكارثة والانزلاق الأرضي الذي أرجع المجلس المحلي حدوثه إلى كثرة الأمطار الغزيرة التي شهدتها المنطقة خلال الأشهر الماضية، لكن ومهما كان السبب، فإن من تعرضوا لخطر هذه الكارثة هم مواطنون لهم حق على الدولة مثلما أن لها حقاً عليهم.
عديد مواطنين حاولوا الاتصال بمسؤولين لنجدتهم وتزويدهم بالخيام وسرعة معالجة الأضرار التي تعرضوا لها، خاصة وأن المنطقة مرتفعة وبجوها البارد والقارس، لكن كلما طرقوا باباً يغض الطرف عنهم، لأن هؤلاء المسؤولين لا يعترفون بالمواطنين إلا في المواسم الانتخابية.
منازل المواطنين في القرى المتضررة تقع في أعلى الوادي شرق حصن حب التاريخي، والمنطقة المنكوبة فيها وادٍ زراعي خصيب على الطرف الآخر للطريق الرئيسي الذي يربط مدينة إب بمديرية بعدان، أي أنها منطقة مكشوفة ويمر من جوارها المسؤولون باستمرار، وأغلب مواطني المنطقة يعملون في الزراعة وليس لهم مصدر رزق آخر، والمنازل التي يمتلكونها حسب قولهم بنوها في سبعينيات القرن الماضي أيام الرئيس إبراهيم الحمدي، أثناء اغترابهم في الخليج. وهذه المنازل إلى كونها كانت تجمعهم وتحضنهم وأطفالهم، هي كذلك بالنسبة لهم بمثابة ذكرى خالدة تذكرهم بالزمن الجميل أيام العز والرخاء التي شهدتها اليمن منتصف سبعينيات القرن الماضي، وفي حال عدم تعويضهم ومعالجة الأضرار التي لحقت بالكثير منهم، فإنهم -حسب قولهم- لن يستطيعوا بناء حتى غرفة واحدة في هذا الزمن الصعب، ولسان حالهم: رحم الله الحمدي، وهدى الله حكومة الوحدة وألهمها الالتفات إلينا رحمة بأطفالنا الذين ينامون في العراء يلتحفون البرد القارس.