مفارقات يمنية

مفارقات يمنية

محمد الغباري
الهمة والدقة التي اتبعت في تنفيذ سلسلة من الهجمات على أهداف مدنية وأمنية في محافظتي أبين وعدن، لا يكفي معها القول بأن تنظيم القاعدة وراء تلك العمليات، لأن اختيار المحافظتين وارتفاع وتيرة الهجمات كلما اقترب موعد انطلاق بطولة الخليج في دورتها ال20، يظهر أن هناك مخططاً لإفشال هذه البطولة.
صحيح أن الجماعات المتطرفة كانت صناعة غربية وعربية إبان الحرب الباردة واستهداف الاتحاد السوفيتي والحركة اليسارية في المنطقة العربية، لكن أن يقال بأن التنظيم أصبح يعمل باليومية لصالح أطراف داخلية أو خارجية، فذلك ما يستدعي الكشف عن تفاصيل هذه المخططات والأدلة التي يمكن من خلالها إقناع الرأي العام بأن القاعدة في اليمن لها خصوصية مثل خصوصية الديمقراطية.
مع اقتراب موعد البطولة الخليجية ازدادت وتيرة العمليات بصورة غير معهودة، وتمكن خلالها تنظيم القاعدة من مهاجمة جهاز الأمن السياسي في عدن، واقتحام المبنى وقتل 11، دون أن يواجه المهاجمون بأية مقاومة، وبعدها كانت عناصر التنظيم قد أقامت مخيما صيفيا في مدينة زنجبار، ومنه انطلق الهجوم على مبنى الأمن السياسي هناك ، وكالعادة أوقف 7 أشخاص، لكن ما لبثت الأجهزة أن أفرجت عنهم بعد أن تبين أن لا علاقة لهم بالقاعدة، وأن المهاجمين قد تمكنوا من الفرار بسلام..
بعد ذلك تواصلت عمليات التنظيم في محافظة أبين، وتم اغتيال ومهاجمة المراكز الأمنية ودوريات الشرطة، ومع اجتماع رؤساء الاتحادات الخليجية في عدن كان هناك انفجارات صوتية في أكثر من حي، حتى توجت هذه العمليات بالهجوم على نادي الوحدة بمديرية الشيخ عثمان، والذي يظهر من تفاصيله أن الهدف منه هو القتل، والتأكيد على استحالة إقامة بطولة الخليج في عدن.
بعد الحادثة الأخيرة قيل إن تنظيم القاعدة وراء الهجمات والأعمال التي استهدفت المنشآت الرياضية، إذ سبق الانفجار العثور على عبوة ناسفة في ملعب 22 مايو في عدن، والذي يفترض أن يحتضن الحفل الافتتاحي لبطولة الخليج، ولكن المعنيين بالأمر لم يقولوا لنا ما هي الأدلة التي بني عليها هذا الاتهام، لأن مصادر حكومية عادت وقالت إن 10 أشخاص سيحالون إلى محاكمة مستعجلة على خلفية الهجوم على مقر نادي الوحدة، ولكنها لم تقل إن واحداً من هؤلاء من أعضاء القاعدة.
لا يوجد ملف شائك في الشأن اليمني مثل ملف تنظيم القاعدة، فلا أحد ينكر وجود القاعدة لدينا، ولا ننكر أننا لم نتمكن من تجفيف منابع التطرف، لكن الحرب على هذا التنظيم تحولت إلى إحدى المناكفات السياسية؛ شأنها شأن كل القضايا الهامة في البلاد.
هناك حديث عن مبالغة للسلطة في تقدير حجم وخطر القاعدة بغرض الحصول على المزيد من المساعدات الدولية، لكننا في الجانب الآخر نجد أن هناك تهويناً قد يصل حد الإنكار من قبل أطراف رئيسية في المعارضة للإرهاب، ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل يقال إن القاعدة في اليمن أداة من الأدوات التي تُستخدم لضرب الخصوم السياسيين.
علينا أن نعترف بأن التطرف والتشدد في كل ركن من أركان مجتمعنا اليمني، وأن مناهجنا ومساجدنا مليئة بالكراهية لأتباع الديانات الأخرى، وللتمدن.. هناك من يصوم الاثنين والخميس، لكنه يقتل، وينهب أراضي الغير، ويعتبر أن نهب المال العام وعدم الالتزام بالقانون أمور جائزة الفعل.
في منابرنا كل يوم يلعن أتباع الديانة اليهودية والمسيحية، ونصفهم بصفات منحطة، ولدينا نحو 4 آلاف مدرسة ومركز للتعليم الديني خارج سيطرة الحكومة، وآلاف المدارس الخاصة التي تحول بعضها إلى ثكنات للتطرف، ولدينا جامعات خاصة للتعليم الديني، وأخيرا من الله علينا بلجنة العلماء لتصبح مرجعية خارج إطار المرجعية الدستورية.
السعودية التي تحملت وزر نشر الأفكار السلفية في مختلف بقاع العالم، تحاول اليوم التخلص من هذا العبء، وتقلص من نفوذ التيار الديني وجماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيما نعمل نحن على استنساخ تلك التجربة السيئة التي كان حصادها كارثياً، ثم بعد ذلك نتحدث عن إصرارنا على محاربة الإرهاب.