أزمة بين المشترك ومعارضة الخارج ولقاء لاحتواء التداعيات في بيروت بين علي ناصر محمد وباسندوة والأحمر

أزمة بين المشترك ومعارضة الخارج ولقاء لاحتواء التداعيات في بيروت بين علي ناصر محمد وباسندوة والأحمر

اتفاق 17 يوليو يفجر أزمة بين المشترك ومعارضة الخارج
«النداء»
يوقع السياسيون اليمنيون على اتفاقات ومحاضر ليختلفوا عليها، لكأنها الوقود الذي يعينهم على متابعة الحركة في مسارات دائرية عبثية.
في محطة 17 يوليو الرئاسية وقع ممثلو السلطة واللقاء المشترك على محضر تنفيذي لاتفاق فبراير 2009 المختلف عليه. وقبل أن يغادر الموقعون المحطة سارع ممثل السلطة عبدالكريم الإرياني إلى تقديم قراءته للمحضر، موضحاً بأنه يخص بنداً واحداً من اتفاق فبراير، وهو بند الحوار على تعديلات دستورية لتطوير النظامين السياسي والانتخابي، وأما البندان الثاني والثالث من الاتفاق -يواصل الإرياني قراءته- فمقامهما مجلس النواب وليس مؤتمراً للحوار الوطني.
يعرف الإرياني أن للمشترك قراءة مغايرة لاتفاق فبراير، تقوم على اعتباره وحدة متكاملة غير قابلة للتجزئة. ويعرف هو الخبير بالحياة الحزبية اليمنية، أن تجزئة الاتفاق يعني تفكيك المشترك، ودق إسفين بين المشترك وشركائه. لكن ذلك لم يمنعه بعد التوقيع على المحضر في "اليوم الخالد"، من تنشيط الذاكرة الخاملة لزملائه المعارضين بتذكيرهم بثوابت السلطة.
لم يعلِّق عبدالوهاب محمود على قراءة الإرياني، وفي مساء "اليوم الأغر" تولى ياسين سعيد نعمان أمين عام الاشتراكي، التعقيب على الإرياني، في تصريح لـ"النداء"، مشدداً على عدم قابلية اتفاق فبراير للتجزئة، محذراً من مأزق جديد في حال اعتمدت السلطة تأويل الإرياني للمحضر.
مأزقان.. حال وآجل
وفي انتظار مأزق الحوار القادم، أظهرت تطورات الأسبوع الماضي أن المشترك إزاء مأزق حال وخطير، فالمحضر الذي وقعه مع السلطة أثار استياء شركائه من معارضي الخارج، وفي الصدارة علي ناصر محمد ومحمد علي أحمد، وقوبل بانتقادات من كوادر الأحزاب المعارضة، خصوصاً في المحافظات الجنوبية، وأكثر من ذلك فإنه اعتُبر من بعض الناطقين باسم الحراك الجنوبي، مستمسكاً إضافياً ضد معارضة حزبية محكومة باستحقاقات انتخابية!
النقد الأقسى للمشترك جاء من محمد علي أحمد، المحافظ الأسبق لمحافظة أبين، الذي يعيش في المنفى منذ حرب 1994، إذ اعتبر توقيع المشترك على المحضر التنفيذي في 17 يوليو "تراجعاً من جانب المشترك على ما اتفقنا عليه (في القاهرة) وبالتالي لا يلزمنا بشيء".
وأوضح أن اتفاق القاهرة بين اللجنة التحضيرية للحوار والمشترك وقيادات معارضة في الخارج في 13 يونيو الماضي، يرتكز على اعتبار "القضية الجنوبية جوهر الأزمة"، فيما أن هدف اتفاق 17 يوليو بين السلطة واللقاء المشترك "يقتصر على إجراء تعديلات على النظام الانتخابي وتطوير النظام السياسي، وهذا أمر لا يعنينا".
واستطرد في بيانه الذي وزع الأربعاء الماضي، قائلاً: "عملنا مع المشترك لبناء اصطفاف وطني يعيد صياغة الوضع برمته في شراكة سياسية واقتصادية بين الشمال والجنوب، تحافظ على وشائج الوئام الوطني والأمن والاستقرار (...)، لكنهم اختاروا طريق السلطة، فهذا شأنهم".
محمد علي أحمد خلص في ختام بيانه إلى أن الاتفاق "لا يمت بصلة إلى قضية شعبنا الجنوبي، ولا يعنينا من قريب أو بعيد".
وكان الرئيس الأسبق علي ناصر محمد نفى في بلاغ صحفي حمل عنوان "رد على خبر صحيفة "النداء".."، ما جاء في تصريح لمحمد يحيى الصبري الناطق باسم اللجنة التحضيرية، عن وجود تشاور مسبق بين المشترك وقيادات معارضة في الخارج بشأن المحضر التنفيذي الذي تم التوقيع عليه في 17 يوليو.
علي ناصر محمد أكد أنه "لم يجرِ التشاور معنا أو مع غيرنا في الخارج حول توقيع الاتفاق الذي جرى التوقيع عليه بين المشترك والمؤتمر، لأنه جاء خارج إطار الحوارات التي أجريناها مع أحزاب اللقاء المشترك ولجنة الحوار الوطني برئاسة الأستاذ محمد سالم باسندوة".
وأضاف: "نؤكد مرة أخرى أنه ليس لنا علاقة لا من قريب ولا من بعيد بهذا الاتفاق".
محمد الصبري قال لـ"النداء"، الأسبوع الماضي، إن المشترك وقع على المحضر التنفيذي بعد التشاور مع قيادات معارضة في الخارج، وذلك رداً منه على سؤال للصحيفة حول موقف شركاء المشترك من المحضر، وخصوصاً الحوثيون والقيادات المعارضة في الخارج.
ومعلوم أن اللجنة التنفيذية والمشترك أجريا حواراً مع قيادات معارضة في الخارج أبرزها علي ناصر محمد ومحمد علي أحمد وحيدر أبو بكر العطاس، بشأن تحقيق اصطفاف وطني يضمن التوصل إلى حوار يهدف إلى إيجاد معالجات جذرية سليمة وديمقراطية تلبي مصالح الشعب في الجنوب والشمال ارتكازاً على الاعتراف بالقضية الجنوبية وإنقاذ البلد من الكارثة المحدقة به.
وطبق مصادر متطابقة فإن حوار القاهرة، الذي تغيب العطاس عن جلساته الأخيرة بسبب اضطراره إلى السفر إلى محل إقامته في جدة بالمملكة العربية السعودية، بعد تلقيه نبأ وفاة والدته، خرج بتفاهم بين الطرفين يقضي بتوسيع اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، وانضمام شخصيات معارضة في الخارج إليها.
ومن المقرر أن يلتقي اليوم في بيروت الرئيس الأسبق علي ناصر محمد بكلٍّ من محمد سالم باسندوة رئيس اللجنة التحضيرية، والشيخ حميد الأحمر أمين عام اللجنة، وذلك لاحتواء أية تصدعات في العلاقة بين المشترك ومعارضة الخارج جراء اتفاق 17 يوليو.
وتصدر اتفاق 17 يوليو جدول أعمال اللقاء التشاوري السنوي لقيادات المشترك وهيئاته في العاصمة والمحافظات، الذي انعقد يومي الخميس والجمعة الماضيين. وحسب مصادر شاركت في اللقاء فإن كوادر المعارضة سجلت العديد من الانتقادات للاتفاق، وبخاصة أن التوقيع تم قبل أن تلبي السلطة مطلب المشترك بالإفراج عن المعتقلين على ذمة الحراك وحرب صعدة.
وفي عدن، حذرت فروع أحزاب المشترك المجلس الأعلى للمشترك من خطورة الانجرار وراء حوارات جزئية حول الانتخابات والتعديلات الدستورية بمعزل عن قضايا وطنية أخرى، ورأت أن ذلك من شأنه "الإساءة إلى أحزابنا وإضعاف مصداقيتها، ولن يؤدي إلا إلى إنقاذ السلطة وتجميل قبحها
وشددت فروع المشترك في عدن في رسالتها إلى المجلس الأعلى للمشترك، على أهمية الاستفادة من دروس تجارب الحوار خلال السنوات الماضية. وطالبت برفع سقف المطالب والإجراءات الضرورية الممهدة للحوار، وفي المقدمة منها بند المعتقلين وتعطيل صدور صحيفة "الأيام".
موقف رابطة أبناء اليمن
رابطة أبناء اليمن وصفت الاتفاق بأنه "محاولة لشراء الوقت أملاً في ظرف محلي أو إقليمي أو دولي قد يستجد ويساعد في تنفيس الضغوط المحلية أو الإقليمية أو الدولية".
وإذ اعتبرت هذا الأسلوب ضرباً من المغامرة والمقامرة بمصير وطن وشعب، ويشكل خطراً على النظام ذاته والمتقاسمين معه، فقد حذرت من أن تكون هذه المحاولة "سبباً مباشراً في وقوع حالة انفلات قادم".
الرابطة في بيان لها بشأن اتفاق 17 يوليو، شدَّدت على ضرورة الشروع فوراً في حوار بلا اشتراطات ولا قيود ولا سقوف وبرعاية إقليمية ودولية، يحضره ممثلون عن كل حزب سياسي وعن الحراك الجنوبي وعن جماعة الحوثي وعن معارضة الخارج، وشخصيات سياسية واجتماعية وأكاديمية مستقلة.
وإذ انتقدت اللجان التحضيرية للحوار وما وصفتها بـ"لجان التحضير للتحضير للحوار" التي استهلكت وقتاً ثميناً، فقد جددت مطلبها في اعتماد هيكلية جديدة لنظام الدولة تقوم على أساس نظام فيدرالي من إقليمين.
ترحيب حوثي
وعبر عبدالملك الحوثي عن ارتياحه ودعمه للاتفاق الموقع بين أحزاب اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام "الذي يهيئ لإجراء حوار شامل لا يستثني أحداً".
وفي إشارة إلى مقدمة اتفاق فبراير 2009 بين المشترك والسلطة، والتي تؤكد على أهمية تهيئة المناخات السياسية من أجل البدء بالحوار، شدَّد الحوثي في بيان صادر عن مكتبه الإعلامي في 18 يوليو الجاري، على ضرورة إنهاء ظروف ومخلفات الحرب في محافظات صعدة وعمران والجوف "لأن ذلك من الركائز الأساسية لتطبيع الوضع السياسي".
حوار بدون أسقف زمنية
الناطق الرسمي للمشترك النائب محمد صالح قباطي، أفاد موقع "نيوز يمن" الإخباري، أمس الأحد، بأن أحزاب اللقاء المشترك بصدد إعداد قائمة مرشحيها لعضوية اللجنة المشتركة التي نص عليها المحضر التنفيذي. وأوضح أن "المشترك يتابع حالياً قضية الإفراج عن كافة المعتقلين على ذمة حرب صعدة والحراك الجنوبي بالتوازي مع الإعداد لقائمة المشترك في لجنة التهيئة للحوار الوطني الشاملـ".
ولم يصدر أي تعليق من السلطة بشأن تصريح ياسين سعيد نعمان لـ"النداء" الأسبوع الماضي، والذي عبر فيه عن رفضه أية تجزئة لاتفاق فبراير.
وكان عبدالكريم الإرياني النائب الثاني لرئيس المؤتمر الشعبي، قال عقب توقيعه على المحضر التنفيذي يوم 17 يوليو، إن الحوار الوطني متعلق فقط بالبند الأول من اتفاق فبراير، أما البندان الثاني والثالث المتعلقان بالانتخابات وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات فإن الحوار حولهما سيتم في مجلس النواب.
ومن المرجح أن يتم تأجيل الخلاف حول جدول أعمال مؤتمر الحوار الوطني وتفسير اتفاق فبراير إلى ما بعد تشكيل اللجنة المشتركة.
وعلى الرغم من أن المحضر التنفيذي لا يشير إلى أي سقوف أو خطوط حمر بشأن جدول أعمال مؤتمر الحوار الوطني، فإن الرئيس علي عبدالله صالح جدَّد أمس في كلمة في حفل تخرج كوادر أمنية بالعاصمة، تمسكه بسقف "الوحدة الوطنية" للحوار، داعياً الحراك والحوثيين إلى الانصياع للأمن والكف عن قطع الطرقات وقتل النفس المحرمة.
المحضر التنفيذي يعطي هامشاً للمشترك لإقناع أطراف معارضة أخرى بالانضمام إليه في اللجنة التحضيرية المشتركة التي ستعد لمؤتمر الحوار الوطني، لكنه يخلو تماماً من أية إشارة إلى سقوف زمنية ما يتيح للسلطة هامشاً باستثمار التباينات والتناقضات في صفوف المعارضين للمناورة والتفرد بضبط إيقاع أعمال التحضير طبقاً لأولوياتها وحساباتها.
والثابت أن حواراً خلواً من سقوف زمنية ومسيجاً بسقوف وطنية، لن يتحقق في الأمد القصير، ذلك لأن أحد طرفي محضر 17 يوليو لا يريد الاعتراف بالقضية الجنوبية ولا يظهر من خلال بنيته التسلطية وقيمه السياسية وحركته اليومية، أنه قادر على التكيف مع مترتبات الاعتراف بهذه القضية، وبخاصة إعادة هيكلة الدولة والسلطة بما يلبي الحد الأدنى من مطالب ممثلي القضية الجنوبية في الداخل والخارج. وأما الطرف الآخر، أي المشترك واللجنة التحضيرية، فإنه لم يُحسن قراءة تعقيدات البيئة التي يتحرك فيها شركاؤه من معارضي الخارج، وبخاصة تلك التعقيدات المتعلقة بالقضية الجنوبية التي يخوض البعض تحت عنوانها حرباً ضارية لاحتكار تمثيلها. ولسوف يتعين على المشترك خلال الأسابيع المقبلة أن يعيد ترتيب أوراقه التفاوضية انطلاقاً من التسليم بالتباينات بينه وبين مكونات الحراك الجنوبي ورموز الحراك في الخارج، وهي تباينات أغلبها موضوعي يتعلق بتشخيص جذر الأزمة الوطنية، وبعضها ذاتي يتعلق بالأرضية التي يتحرك فوقها كل طرف معارض، وتقديرات كل طرف للمخاطر المترتبة على انخراطه في حوار افتراضي!