خطابات نارية في الدورة الثالثة لمجلس التضامن الوطني

خطابات نارية في الدورة الثالثة لمجلس التضامن الوطني

* هلال الجمرة
اكتست خطابات رؤساء وقيادات مجلس التضامن الوطني بنبرات الانتقادات الحادّة للسلطة والأوضاع المروّعة التي يمر بها البلد. وخلال افتتاح المجلس أعمال دورته الاعتيادية الثالثة، ركّز رئيسه الشيخ حسين الأحمر خطابه على محاكمة أخطاء وممارسات السلطة "العدوانية" واستعراض أهوالها والأزمات التي تمرّ بها جراء "انفرادها بالسلطة وإقصائها كافة الأطراف السياسية". وتحدّث عن "إقصاء السلطة وتعاظم الأزمات"، وبالأخصّ أزمتي الجنوب وصعدة.
وإذ تطرَّق الشيخ حسين الأحمر إلى التضحيات التي قدّمها اليمنيون في حرب صعدة وسقوط الآلاف من القتلى من أبناء اليمن عموما، استطرد قائلاً: "صعدة تؤرق كل اليمنيين، لكنّ الكثير منا لا يعلمون حتى الآن أسباب هذه المشكلة ولماذا انفجرت؟ وكيف تبدأ الحرب في كل عام وتنتهي دون أن يعرف اليمنيون الأسباب؟ ودون أن تحسم الفتنة ودون أن تحل المشكلة؟". مبدياً خشية مجلس التضامن من "أن تكون هناك حرب سابعة تستنزف فيها الدماء والأموال والثروات دون نتيجة". مضيفاً: "تحدث تلك المشاكل دون معرفة أي طرف سياسي أو مدني عن أسباب المشكلة التي تبدأ بتلفون، دون علم أي أحد، وتنتهي بتلفون".
وشدّد على حقوق مقاتلي الجيش، قائلاً: "هؤلاء الشهداء لهم حق على الدولة وعلى الجميع". وأسف على عدم معرفة "مصير أسر الشهداء"، مطالباً الدولة "بإنصاف الجرحى والقتلى وإنهاء فتنة صعدة إنهاء جذرياً". ونبّه المجلس إلى وضع النازحين الذين هدّمت الحرب منازلهم وقراهم ومزارعهم وممتلكاتهم وشرّدتهم في المناطق المجاورة لصعدة، قائلاً: هذه جريمة وكارثة"، داعياً أعضاء مجلس الشورى إلى الوقوف إلى جانب أبناء صعدة في محنتهم.
مرّ مجلس التضامن بفترة خمول شديدة، يقول الشيخ حسين الأحمر إن سببها "ناتج عن الأوضاع السيئة التي تمرّ بها البلاد". آملاً أن تعمل الدورة الحالية "على تصحيح وتفعيل دور المجلس واستكمال الفروع بالمحافظات"، وكان قد وعد باستكمالها خلال 3 أشهر من انعقاد الدورة الثانية في يوليو 2008.
لم يناقش المجلس السلبيات التي تخللت عمل المجلس خلال الفترة الماضية. واستمرّوا في تحميل الدولة مسؤولية ما يحدث، حتى داخل مجلسهم. ويواصل الأحمر: "كنّا نأمل أن تقوم الدولة بواجبها في تصحيح الأوضاع وإرساء الأمن والاستقرار، لكنها للأسف لم تقم بذلكـ". مقيّماً الوضع الحالي للبلد أنه "يمرّ من سيئ إلى أسوأ". ولفت رئيس مجلس التضامن إلى أن "اليمن تهم كل أبنائها" وأن الهدف من عقدهم "هذه الدورة هو من أجل تصحيح المسار، والحوار والمشاركة الفعالة".
ولدى افتتاح هذه الدورة التي كان من المفترض أن تعقد مطلع العام 2009، وفقاً للمادة 14 من النظام الأساسي للمجلس بأن يعقد مجلس الشورى اجتماعاً دورياً مرة واحدة كل 6 أشهر، اعتذر حسين الأحمر عن تأجيل انعقاد الدورة "أكثر من مرة"، مرجعاً السبب في تعذّر عقد الدورة في الموعد المحدد إلى "الظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد". وفي الوقت نفسة تضمّن مشروع التعديلات على النظام السياسي المطروح على مجلس الشورى مقترحاً بتعديل فترة الانعقاد ليصبح مرّة كل عام بدلاً عن 6 أشهر.
بدأت الملامح القبلية لمجلس التضامن الوطني تتوارى بحذر شديد، خشية أن يفقد الهدف الحقيقي الذي أنشئ لأجله، إذ اتسمت ملامح هذه الدورة بالمشاركة النسبية للنساء، إضافة إلى الحشد الكبير، وقد تجاوز عدد المؤتمرين 1000 مشارك، وهؤلاء اصطحبوا معهم آلاف المرافقين المدجّجين بالسلاح. وفرض المنظّمون إجراءات أمنية مشدّدة للدخول إلى قاعة أبولو التي احتضنت أعمال الدورة الثالثة.
وفيما يحرص المجلس في تكويناته القيادية على خلق توازن بإيجاد تمثيل لغالبية محافظات الجمهورية، وعلى مختلف الأطياف السياسية، بدت صبغة القاعة مختلفة، إذ طغى حضور القبيلة، التي ربما تُمثّل غالبية المحافظات، على التمثيل المدني الذي ينشده المجلس. وفي ما يخص الأطياف السياسية يحضر حزب الإصلاح في المقدمة. وينقسم المجلس في أعضائه إلى فئتين من المجتمع، فئة البرلمانيين، ويمثلون الجانب المدني، وفئة المشائخ ووجهاء المناطق، وهؤلاء يمثلون الجانب القبلي. وبسبب تزايد أعضاء الفئة الأولى فقد تحتّم على مجلس الشورى تقديم عديد مقترحات لإضافة مسمى الكتلة البرلمانية إلى تكوينات المجلس في المادة السابعة من نظامه الأساسي، إضافة إلى فصل جديد يوضّح مهامها واختصاصاتها. لقد أصبح ذلك ملحاً لأن اعتماد المجلس على هذه الفئة قد يكون رئيساً ويتطلب منها القيام بمهام معيّنة. وبالنسبة للفئة الثانية فهي قويّة، لكن الدور المقرر لها لم يصل، مع هذا فالشيخ حسين الأحمر لم يتجاوز هذه الفئة التي تمثّل غالبيتها، ولدى استعراضه لفئات المجلس قدّم المشائخ على الدكاترة والمناضلين، وقال: إن المجلس يشمل بداخله العديد من المشائخ والشخصيات الاجتماعية والدكاترة والأساتذة والمناضلين والكثير من الغيورين على وحدته وأمنه واستقراره". مؤكداً أن الغرض من انضمامها إلى المجلس هو لـ"البحث عن دور يخدم استقرار اليمن ويصحح أوضاعها".
وبالنسبة للبرلمانيين الذين ينتمون إلى مجلس التضامن، فإنهم يمثّلون مجموعة كبيرة ونوعية. ولأن غالبيتهم ممن يطالبون بحضور نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن ووزير الداخلية لمناقشة قضايا أمنية هامّة، فقد قرر رئيس مجلس النواب يحيى الراعي أن يضعهم في موقف حرج، فقرّر أن يمدّد جلسات النواب بمخالفة للائحة، مبدياً للنواب سخطه على الحكومة، ومبرراً تمديده للجلسات أنه لا بد أن يتخذ المجلس إجراءاته تجاه الحكومة التي تتجاهل دعواته. وقد اختار الوقت بعناية وأبلغ الحكومة حضور السبت الذي سيترافق مع انعقاد الدورة الثالثة لمجلس التضامن الوطني، والذي يمثّل أعضاؤه نحو 65 عضواً برلمانياً.
وفي المؤتمر رفع مجلس التضامن عشرات من الشعارات تنوّعت بين: "مساندة الحقوق والحريات، نبذ العنف، الدعوة إلى الحياة المدنية، حماية حرية الرأي والصحفيين، حل مشاكل الثأر، التنمية، تصحيح مسار الوحدة، إصلاح الأوضاع الاقتصادية والسياسية، الدعوة إلى الحوار الوطني، وترسيخ الأمن والاستقرار".
وأكّد رئيس مجلس الشورى محمد عبداللاه القاضي، في كلمته التي ألقاها على المؤتمرين، على أن البلد يمرّ بأزمة سياسية لا بد من الاعتراف بها من أجل تشخيص أسبابها وخلفياتها، والبحث في حلول شاملة وجذرية لها بنوايا صادقة". وسرد عليهم 10 نقاط تتحدث عن أعمال المجلس خلال الفترة السابقة، تخللها تعيينات لأعضاء مجلس الشورى، وحل مشاكل في قضايا مختلفة، ومشاركة رئاسة المجلس في ندوة خاصة بالقضية الجنوبية، فضلاً عن إنشاء القطاع النسوي للمجلس. فيما دعا حسين الأحمر إلى ضرورة "إصلاح مسار الوحدة".
محمد عبداللاه القاضي، أبدى تفاؤله بالمستقبل، وقال إن الحلول والمعالجات لأية أزمة تبقى ممكنة و"ليس هناك شيء مستحيل، إذا صدقت النوايا والأعمال من قبل جميع القوى السياسية، وفي مقدمتها الجهات الرسمية في السلطة"، آملاً أن "يتجاوز الشعب اليمني هذا المنعطف التاريخي الخطير بالحكمة اليمانية كما تجاوزها في منعطفات سابقة".
ومن المفارقات التي ترافقت مع انعقاد المؤتمر، أنه رفع شعاراً يدعو إلى الوقوف أمام قضايا الثأر وحلّها، في حين تعرض أحد المشاركين، وهو الشيخ علي بن سعد حليمان، أحد مشائخ محافظة الجوف، لمحاولة قتل أثناء اجتيازه البوابة الخارجية للقاعة، حيث أطلق عليه شاب من قبيلة أخرى في الجوف، النار من مسدسه الشخصي، تحت مبرر الثأر القبلي. غير أن الرصاص أخطأت الشيخ حليمان، وأصابت أحد مرافقيه. وتمكّنت الحراسة من إلقاء القبض على ذاك الشاب، قبل هروبه، لتسلمه إلى الشيخ حسين الأحمر، فيما تم نقل المصاب إلى مستشفى لتلقي العلاج.
************
وبيانه الختامي يدعو كتلته البرلمانية للتصدي لمشروع قانون الاعلام السمعي والبصري
أولى البيان الختامي للدورة الثالثة لمجلس التضامن الوطني، القضية الجنوبية، وقضية صعدة، والقضايا الاقتصادية والحقوق والحريات، اهتماماً كبيراً، وحمل بشأنها جملة من التوصيات التي اتخذها خلال مناقشات أعضائه. ففي القضية الجنوبية، أقرّ 10 توصيات قويّة تعزز ممارسات المواطنين لحقوقهم القانونية واعتمادهم مبدأ النضال السلمي للمطالبات بحقوقهم. وتدين الأساليب القمعية التي تمارسها السلطة تجاه فعالياتهم الاحتجاجية السلمية.
التوصيات التي تلاها النائب مفضّل الأبارة، أكّدت على موقف المجلس الرافض "للتوريث والانفصال باعتبارهما وجهين لعملة واحدة"، وطالبت بإيقاف الاعتقالات والملاحقات على ذمة الفعاليات السياسية للحراك في المحافظات الجنوبية، وإطلاق المعتقلين والصحف الموقوفة، وإلغاء المحاكمات التي تمت لبعض ناشطي الحراك. مشددةً على ضرورة التزام "الجميع بممارسة مطالبهم عبر النضال السلمي. وثمّن البيان استجابة رئيس الجمهورية لمطالب المجلس بالإفراج عن المعتقلين السياسيين في كافة المحافظات، مطالباً الحكومة بسرعة تنفيذ تلك التوجيهات.
ودعا البيان الذي خرجت به الدورة أمس، إلى تعويض المتضررين وأسر الشهداء الذين سقطوا خلال الفعاليات السلمية أو بسبب التقطعات وأعمال الشغب، ومعاملتهم كباقي الجرحى والأسرى. ونبّه إلى ضرورة إعادة ترتيب أوضاع من تبقى من الموظفين العسكريين والمدنيين خلال 6 أشهر، وإعادة هيكلة المؤسسات المدنية التي جمّدت أو خصصت عقب 94. علاوة على إعادة الاعتبار للشراكة الحقيقية، وخلق توازن بين السلطة التشريعية والسياسية، إضافة إلى إعادة النظر في التوزيع والتعيين والتوظيف، وإشراك مزيد من أبناء المحافظات الجنوبية من ذوي الكفاءات في الوظائف العامة للدولة في السلطات المركزية.
وبشأن مشكلة الأراضي أوصى بتشكيل لجنة من القضاة وممثلي الجمعيات الحقوقية للنظر في المظالم الخاصة بالأراضي والمنازل المتنازع عليها أو التي تم البسط عليها، والفصل في هذه الأمور، خلال عام، وتكون قراراتها ملزمة لكل الجهات.
مجلس التضامن الوطني في بيانه بارك وقف إطلاق النار في محافظة صعدة، كما نص عليه اتفاق النقاط الست، لكنّه طالب السلطة بسرعة إنهاء الحصار عن المحافظة، مؤكداً على ضرورة الإفراج عن المعتقلين على ذمة حروب صعدة، وتعويض المتضررين منها سواء بدمار المباني والمزارع أو في الوضع الوظيفي.
وإذ حثّ الحكومة على التعجيل بالانتقال إلى إعادة الإعمار وتفعيل دور صندوق إعمار صعدة لإنجاز هذه المهمة، شدد على ضرورة الاعتراف بحق الآخر في العيش الكريم وممارسة الحقوق وفق الدستور والقانون، ووضع كافة الضمانات لمنع أي تجدد للقتال، وعدم إعلان أي قرار للحرب من قبل الدولة إلا بعد العودة للمؤسسات الدستورية. مطالباً طرفي الحرب بـ"احترام مؤسسات الدولة وعدم رفع السلاح في وجه النظام والقانون، وقطع الطرقات وأعمال العنف، والتزام التعبير عن المطالب بالطرق السلمية، وفي نفس الوقت منع أي قمع للمطالب السلمية للمواطنين من قبل الدولة".
ووقف المجلس أمام الحملة التي "تشنها الحكومة ضد الحريات الصحفية والإعلامية بما فيها إغلاق ومصادرة الصحف وحجب المواقع الإلكترونية وحبس الصحفيين، وإصدار القوانين المقيدة لحرية التعبير"، وبناء على ذلك فقد طالب الحكومة في بيانه بـ"رفع يدها عن حرية الصحافة والتعبير وإيقاف حملاتها القمعية التي تستهدف الصحفيين والصحف ووسائل الإعلام". داعياً "كتلته البرلمانية وكل الخيرين في مجلس النواب إلى التصدي لمشروع قانون الإعلام السمعي والبصري باعتباره قانون جباية وقانوناً يعود بنا إلى عصور محاكم التفتيش".
وأعلن عن تضامنه الكامل مع مطالب أعضاء هيئة التدريس في الجامعات اليمنية والموجهين اليمنيين، ومطالب المعلمين الحقوقية، كما يعلن تضامنه الكامل مع مطالب الاتحادات العمالية بوضع حد أدنى للأجور والمكافآت للعمال.
وفي ما يتعلق بالقضايا الاقتصادية، أدان مجلس التضامن السياسات الاقتصادية الخاطئة التي تنتهجها الحكومة، والتي أدت إلى إفقار الشعب، وطالبها بـ"الحفاظ على أصول الدولة، وعدم بيعها إلا في حالة الضرورة وبالمزاد العلني، والتوقف عن بيع أذون الخزانة". موصياً "الفعاليات الشعبية بالضغط على الحكومة للحد من تدهور العملة الوطنية، وتجفيف منابع الفساد".
و‌إذ أكد مجلس شورى التضامن على أهمية الحوار الوطني، دعا كافة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني للعمل معاً والحوار حول مجمل القضايا الوطنية.
وخلال اختتام دورته الاعتيادية الثالثة لمجلس شوراه أمس الأحد، قدّم المؤتمرون ملاحظات لاذعة عن عمل المجلس، وعدم إنجازه لكثير من المهام المفترض عليه إنجازها خلال السنوات الماضية.