فقهاء خلطة العريس

فقهاء خلطة العريس

* محمد شمس الدين
لا يختلف اثنان على تفوق الحاكم في تفريخ الأحزاب والصحف، وضرب طرف بآخر، مستثمراً جهل البعض تارة وتوزيع المنافع تارة أخرى. ومع أن هذه القدرات والتصرفات مطلوبة ومشروعة في بعض الحالات، وتستخدمها الكثير من الأنظمة لتغطية فضيحة معينة أو تمرير صفقة مشروعة أو غير مشروعة قد تعود بالمنفعة على الحاكم والمجتمع، كتلك التي عقدها الأمريكان وفقهاء خلطة العريس في حربهم ضد الاتحاد السوفيتي سابقاً، والتي ما زالت فاتورتها وتداعياتها مفتوحة. إن تلك الصفقة وما رافقها من عبر وعظات قد أجبرت المجتمع الدولي على اتخاذ أساليب أخرى، ليس من ضمنها استثمار الدين الذي كاد أن يقضي على الولايات المتحدة في عهد رئسها المتطرف بوش.
ومع أن اليمن من أبرز المتضررين من تلك الصفقة، إلا أن الحكم لم يتعظ من تلك الأدوات وخطورتها التي ضاعفت الخسائر في كل مراحل الحكم. إن الأوراق والثعابين التي حمت العرش في مرحلة الشدة وجنبت الوطن قليلاً من المشاكل آنذاك قد أطلت علينا اليوم ككارثة حقيقية تهدد الثعابين والمستثمرين لها، ولن يكون الخروج منها بجر الناس إلى سجال مع فقهاء الحبة السوداء أو استثمار مواقفهم في البرلمان وتجييرها على حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي أثبت انتصاره القاعة والعقل على دراويش السلطة وفتاواهم، مصعداً المرأة إلى مجلس الشورى وحقها في الترشيح والترشح والمشاركة في الحياة السياسية تحت قبة البرلمان، غير آسف من خروجهم أو بقائهم في الحزب. إن ذلك السجال الرائع يغني الحزب الحاكم عن ممارسة لعبته المفضلة، وتلزمه بوضع الحلول العاجلة للأزمات التي تعصف بالبلد خيراً له ولنا من أن يجد نفسه محاطاً بقوى هو في غنى عنها ووصفها ذات مرة بطالبان اليمن قد تختلف حساباتنا وتقديرنا على الأهداف التي دفعت الحزب الحاكم إلى الاستعانة بفقهاء خلطة العريس، والإسراف في صنع الأزمات وضرب الخصوم ببعضهم جعل الكثيرين لا يتوقعون خيراً أو حلاً.
الفقر والجوع وعدم الشعور بالأمن والمواطنة المتساوية وارتفاع نسبة الخصوبة لن تحل بكروت وثعابين جديدة مهما احترف الرقاصون وخنعت الثعابين، ناهيك عن ثعابين فقدوا كل شيء ولم ولن يكونوا حلاً لأية مشكلة كونهم المكون الرئيسي للمشاكل والدمار أينما ذهبوا. إن ترك الجوامع والحياة العامة والاقتصاد تحت رحمة فقهاء خلطة العريس والحبة السوداء وفتاواهم سيجعل أغنى الدول تنفق إمكانياتها في سباق غير متكافئ يحتم على الحكومة بناء مدرسة لكل 10 أسر، على اعتبار أن الفصل الدراسي يتسع ل100 طالب، فمعدل عدد أفراد الأسرة الواحدة سيرتفع من 6 أبناء كما كان سائداً منتصف القرن الماضي وما قبله، إلى أكثر من 20 مولوداً يفترض أن تنجبهم امرأة العصر حسب فكر ودعوة فقهاء اليوم، ناهيك عن المنشطات الجنسية التي أبدعوا في إنتاجها لمقاومة الغزو الغربي.
يدرك أبسط الناس علماً ومعرفة أن الظروف التي عاشتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تختلف تماماً عن الظروف التي نعيشها اليوم، والتي فرضها علينا التطور العلمي الذي خلف آثاراً ملموسة على التكوين العقلي والجسدي والفكري لكل الكائنات الحية.
إن ادعاء العلم والمعرفة يتطلب اعترافاً بنتائج العلم وآثاره والنقاش مع الآخرين وليس تكفيرهم، ودراسة الفكرة المقدمة وفوائدها وأضرارها، والموقف الشرعي الواضح والصريح منها، وليس معارضتها لمجرد أن مصدرها الغرب أو الشرق. ثم هل سأل فقهاء خلطة العريس أنفسهم كم معدل الأطفال الذين كانت تنجبهم المرأة كل 10 سنوات إلى ما قبل 50 عاماً؟ وعن المعدل الذي تنجبه المرأة اليوم؟ فكل طفل في ذاك الزمان يحتاج 9 أشهر في بطن أمه وسنتين للرضاعة دون لجوئها إلى وسائل تنظيم الأسرة، فيما معظم النساء في الوقت الحالي، وبدون تنظيم الحمل، قد تنجب طفلاً كل عام، وتحمل الطفل الثاني قبل إتمام رضاعة الطفل الذي سبقه. إنها مفارقة عجيبة أن يدعي العلم من ينكر أعراضه، وأن يعيدونا إلى حياة يثرب وخيبر دون أن يوفروا ذات الظروف من ماء نقي ونساء مرضعات وطعام خالٍ من المواد الحافظة وتلوث بيئي أدرك خطورته الشيخ أسامة بن لادن على جبال وكهوف تورا بورا رغم أن الرجل متخصص في دعوات الجهاد ضد الأمريكان ولم يسبق له أن ادعى العلم ومعرفة كل شيء كما عودنا البعض.
يعرف فقهاء خلطة العريس ومعهم الحاكم وأغلبيته في البرلمان أن عقد الندوات وتسيير المظاهرات ليس الحل الأمثل في ظل وجود البرلمان، وأن حالات الانتحار والانحراف التي خلفها الإكراه والزواج المبكر وإهدار حق المرأة في الموافقة على شريك حياتها تتطلب قانوناً لتحديد سن الزواج دون ضجيج حزبه وفقهاء الحبة السوداء، كونهم جميعاً ساهموا في تجهيل المجتمع، وسلطوا الأضواء والخطاب الديني على القضايا التي تتوافق مع أهوائهم الشخصية، غير مدركين أن الفتاة قد حولتها الكثير من الأسر إلى سلعة تساق إلى رجل دون موافقتها أو حتى استشارة والدتها التي تعد أقرب الناس إليها، بل إن هذا قد يحدث مع الشاب عند بعض الأسر التي تجبر الشاب على الزواج من فتاة معينة وفي سن معينة، ولحساباتها الخاصة مثل النسب والخوف على الميراث والوضع الاجتماعي وغيرها من العادات التي حرمتها الشريعة. هذا الوضع المتردي يحتاج ممن نصبوا أنفسهم علماء وحراساً للكتاب والسنة، ومن يستثمرهم أن يمارسوا نفس الضغوط والضجيج لحماية الحقوق والنزول إلى المحاكم لمساندة الضحايا الذين تهدر حقوقهم تحت سطوة النافذين.
من منا سمع أو رأى أن فقهاء خلطة العريس مارسوا نفس الضجيج في قضايا الاغتصاب التي يذهب ضحيتها الأطفال من الجنسين، وتتجاوز الاغتصاب إلى القتل في كثير من الحالات، ويتم حلها خارج إطار القانون والشريعة الإسلامية؟ إن النزول إلى المحاكم والنيابات وممارسة الضغط عليها لتطبيق القانون وفرض العقوبات التي فرضتها الشريعة هي الساحة التي يجب أن يتحرك بها حراس الحاكم والشريعة للحد من انتشار الجرائم اللاأخلاقية التي ازدهرت في الآونة الأخيرة.
لم يتبنِّ علماء خلطة العريس قضايا الاغتصاب التي تناولها الإعلام الرسمي والمستقل بنفس الخطاب الذي تناولوا فيه حاثة قتل ولواط قدمتها لهم صحيفة الثورة قبل 3 أسابيع تحت ذات الهدف المعروف كما يبدو. إن تحويل حالات شذوذ محدودة وموجودة منذ القدم إلى ظاهرة زواج مثلي لها رواج ومأذونون وعقود في مجتمع محافظ يعتقد البعض أن معرفة الآخرين اسم والدته أو قريبته عيب يجب ألا يعرفه أحد غير المأذون وزوجها.. يعد أمراً غريباً ويثير الشكوك. وعلى افتراض صحة تلك الرواية وحسن نية من تبنوها في خطابهم وربط ضجيجهم على قانون الزواج بتلك الحادثة، فإنه يفترض فيهم متابعة النيابات والمحاكم لإنزال العقوبات المفروضة على الشواذ والمأذون لردع الآخرين وحماية أخلاق المجتمع، كون طرح قضية كهذه على الرأي العام من خلال الصحافة وفي المنابر دون إسماع العامة العقوبة التي تلقاها الشواذ والمأمون، يعتبر إشاعة للفاحشة وتشجيعاً لغيرهم.
mshamsaddinMail