نائف حسان يرصد تمرد أمين أحمد قاسم

نائف حسان يرصد تمرد أمين أحمد قاسم

* نجيب محمد يابلي
وقفت أمام الشهرية الكويتية "جريدة الفنون" في عددها الصادر في يناير 2010 (والمكرس لـ"التمرد متكأ الفن")، واستوقفتني بداية "مفتتح" الجريدة الموسوم "ليغرد طير خارج السرب.. التمرد حاجة وجودية"، وكان طفل تشارلز ديكنز في رواية "ديفيد كوبر فيلد"، هو المدخل إلى الموضوع ذلك عندما تمرد في ملجأ الأطفال عندما طلب طبقاً آخر فأحدث هزة زلزالية داخل الملجأ وفي صفوف الأيتام، ولا يتسع المقام للدخول في التفاصيل لأن الحاجة للاستشهاد بهذا التمرد هو تمرد الأخ العزيز أمين أحمد قاسم، الذي رصده الزميل العزيز نائف حسان، في العدد 3 من مجلة "الاستثمار" الصادر في سبتمبر 2004، وكان نائف آنذاك رئيساً للتحرير.
حقيقة، ليست أية سيرة تستحق الوقوف أمامها وقراءتها إلا إذا كانت حافلة بالمحطات والدروس والمواعظ، كما هي سيرة عزيزنا أمين، التي تناولها عزيزنا نائف، والتي شغلت الصفحة 30 وعمودين من الصفحة 31.
بداية المشوار كانت رحلة أمين مع والده من قريته في الأعبوس إلى عدن، وكان في ربيعه السادس، وكانت رغبة أمين أن يضع قدماً في تجارة والده المتواضعة، والقدم الأخرى في فريضة العلم، فيما كانت رغبة والده أن يشتغل معه ويترك الدراسة، إلا أن أمين اتخذ القرار الصعب، وهو في ربيعه ال17، بأن هرب إلى قاهرة المعز، متجاوزاً بطموحه تجارة والده المتواضعة.
أكمل أمين دراسته الثانوية في القاهرة، وانتقل للدراسة في معهد الطيران، وفضل العودة إلى صنعاء لأن همه الأكبر كانت الثقافة والسياسة، وقد كان في عدن يكتب الرواية على حلقات في صحيفة "الشعبـ" لعلي عبدالعزيز النصر، وكان يكتب باسم مستعار كي لا يغضب أباه، فقد نشرت له "الشعبـ" عام 1965 حلقات رواية "فليسقط الشرق"، وفي بعدها رواية "في سبيل الكرامة".
في صنعاء، وفي العام 1966، وفي ظل حكومة السلال، صدر قرار جمهوري بتعيينه مدير عام المواصلات في تعز، ومدير عام الطيران المدني في اليمن الشمالي، ولم يكن حينها قد تجاوز ال22 من عمره. وبعد 5 نوفمبر 1967، فتح مكتباً للخطوط الجوية اليمنية في القاهرة. وفي نهاية 1969 غادر إلى كندا للمشاركة في مؤتمر للطيران، وصدر قرار بإبعاده عن وظيفته وهو هناك، وقرر غسل يديه من الوظيفة الحكومية.
في العام 1971 عين مديراً لفرع شركة البس في صنعاء، وأصبح أمين الرجل الأول، ومساهماً بنسبة 15? من أرباح شركة البس، ثم مالكاً لبعض تلك الشركات بعد أن أُجبر صاحبها بسبب المضايقات على تصفيتها ومغادرة اليمن عام 1977. ولا يزال البس يحمل انطباعاً جميلاً عن أمين أحمد قاسم.
أسس أمين أحمد قاسم الشركة اليمنية للتجارة والإنشاءات، وشركات أخرى متعددة منها أمين إخوان والريامي. وهنا أنتقل مؤقتاً إلى مجلة "الصناعة" في عددها الصادر في أغسطس 2009، حيث أجرت المجلة لقاء مع رجل الأعمال المعروف عبدالرحيم ردمان، رئيس مجموعة شركات عبدالجليل ردمان (ص58)، تحدث في عن مشوار الأسرة الكفاحي بدءاً من عدن وانتهاء بالتجارة والصناعة في الشمال. وتحدث عن أول مشروع صناعي للمجموعة عام 1989، وهي صناعة الإسفنج والبلاستيك، فقال إن الأرض التي أقيم عليها المصنع اشتروها من "الأخ الصديق أمين أحمد قاسم"، ففاتحت الأخ أمين، فأفادني بأنه باع الأرض لصديقه عبدالجليل ردمان بسعر تم الاتفاق عليه قبل 3 سنوات، وكانت الأسعار مرتفعة بعد ذلك التاريخ، ولكن العلاقة الطيبة حالت دون تعديل السعر الذي خضع للمكان، لكنه لم يخضع للزمان.
نعود لنائف حسان، والعود أحمد، حيث أفادنا بأن عزيزنا أمين أحمد قاسم دخل الوحدة وهو في أوج نشاطه التجاري، إلا أنه وكل شركاته غدوا عرضة للمصادرة أثناء وبعد حرب صيف 1994، وتعرضت والدته جراء ذلك لشلل لتبدأ موتاً بطيئاً أنهته بموت إكلينيكي بعد سنوات معدودات.
يفيدنا نائف في سياق شهادته:
"تعرفون أمين قاسم، فهو سياسي معتق عرف بعد الوحدة بأنه تاجر ومستثمر الحزب الاشتراكي اليمني، غير أن الذي لا تعرفونه هو مواقفه من الحزبية.
"إنه يرفض التأطير الجامد والالتزام، وهو ضد الأيديولوجيا وبقاء القيادات المعتقة كاتمة على صدر الناس.
"بإمكانه أن يحدثك عن توينبي وهيجل وابن خلدون، وليس لك إلا أن تنصت لوقار الاتزان الذي يتسرب هدوءاً منه".
مسك ختام شهادة نائف:
"دخل (أي أمين أحمد قاسم) المعتقلات كثيراً، وعاش حياته بروح العابد المخلص، وهو يقضي اليوم جزءاً كبيراً منها للعمل الاجتماعي الخيري بعد أن اكتفى برئاسة مجلس إدارة الشركة اليمنية للتجارة والإنشاءات، تاركاً لولديه إدارة نحو 70 موظفاً، بينهم هنود وأجانب، فيها".
إن واجب الكاتب تجاه مجتمعه يحتم عليه أن يحمل الأمانة على كاهله، وأن يبادر برد الاعتبار لوجاهات شاء عبث الأقدار الإساءة إليها، وإن توارت لحين وتعرضت لغبن الأبالسة الشياطين، إلا أنها سرعان ما تستعيد بريقها وحيويتها بحوله تعالى الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، الشديد الانتقام في حياتنا الدنيا وفي ذلك اليوم.