في تقرير برلماني عن الأوضاع الأمنية في لحج

في تقرير برلماني عن الأوضاع الأمنية في لحج

* السلطة المحلية: نحن عاجزون عن حماية الطريق العام
* وزير الداخلية: أرسلنا لجاناً للوقوف على أحوال الجنود الذين يعانون من أمراض نفسية
* الأجهزة الأمنية: عاتبنا المشائخ لحمايتهم قاتل أبناء القبيطة
يقدم تقرير برلماني حول الأحداث الأمنية في محافظة لحج مثالاً صارخاً للتردي الحاصل في العلاقة بين الدولة، بمؤسساتها المركزية والمحلية، والسكان في حيز مكاني وإطار زمني محددين.
أعد التقرير لجنة برلمانية برئاسة محمد الحاوري، تم تكليفها من البرلمان بتقصي الحقائق حول الاختلالات الأمنية والإدارية في لحج. وقد عملت اللجنة بإشراف حمير عبدالله الأحمر نائب رئيس البرلمان، والتقت خلال شهر يناير الماضي بممثلي السلطة المحلية وقيادات أمنية ومواطنين، كما التقت في 23 يناير في صنعاء بوزير الداخلية مطهر رشاد المصري، وفي 8 فبراير تم تكليفها من البرلمان بتقديم تقرير تكميلي عن الانفلات الأمني في مدينة الحوطة عاصمة محافظة لحج.
في 3 يناير التقت اللجنة محافظ لحج محسن علي النقيب، وأمين عام المجلس المحلي علي حيدرة ماطر، وقيادات محلية وأمنية أخرى. وفي اللقاء لفت المحافظ إلى خصوصية المحافظة، من النواحي الاجتماعية والسياسية والأمنية، وتطرق إلى التظاهرات والمسيرات التي قال إنها غير مرخصة ويرافقها أعمال شغب، لكن رجال الأمن يعتمدون أسلوباً مرناً في التعامل معها حرصاً على عدم انفجار الوضع.
وبخصوص قضية المواطنين الثلاثة من أبناء مديرية القبيطة الذين سقطوا قتلى في منطقة العسكرية في حبيل جبر، في 10 يوليو 2009، أفاد المحافظ بأن أجهزة الأمن أرسلت في وقت سابق 4 أطقم إلى سوق حبيل جبر، وجهزت 10 أطقم احتياطية، وذلك عندما تلقت معلومة عن تواجد القاتل في السوق. لكن لم تتمكن من القبض عليه بسبب تجمع الناس حوله، وإطلاقهم النار على الأمن، مضيفاً أنه تمت معالجة الأمور بحكمة، وانسحبت الأطقم من السوق تجنباً لوقوع كارثة.
المحافظ استطرد قائلاً إن مشائخ حبيل جبر استدعوا لاحقاً وتم معاتبتهم على حماية المجرم رغم الاتفاق المسبق معهم على تهيئة الظروف للقيام بضبطه. وقد برر المشائخ موقفهم بعدم قيام السلطات بإبلاغهم مسبقاً بدخول الأطقم العسكرية.
ومعلوم أن المتهم بقتل المواطنين الثلاثة يعمل في وزارة الدفاع، وقد نفذ جريمة القتل في 10 يوليو بعد عملية استجواب لأحدهم بتهمة تعاونه مع الأجهزة الأمنية.
وحسب مسؤولي الأجهزة الأمنية فإن المتهم بجريمة القتل هو من ضمن 320 ضابطاً يتسلمون رواتبهم من وزارة الدفاع، وهم منخرطون في الحراك الجنوبي. وقد تم رفع قائمة بأسمائهم إلى الجهات المعنية، لكن هذه الجهات لم تتخذ أي إجراءات بحقهم. وامتنع هؤلاء المسؤولون الأمنيون عن تفسير سبب إضافة مبلغ 60 ألف ريال إلى راتب المتهم، وذلك بعد طرح سؤال من اللجنة البرلمانية بشأن هذه الإضافة.
وكان مصدر خاص أفاد "النداء" بأن المتهم كان يتردد على العاصمة قبيل الجريمة، لافتاً إلى تورطه في جرائم سابقة لم تحرك إزاءها السلطات ساكناً.
والحاصل أن السلطات عجزت في ضبط المتهم رغم علمها بمكان تواجده، فقد اكتفى المحافظ بتطمين اللجنة البرلمانية بأن المتهم سيُحاكم غيابياً وسيظل مطلوباً قضائياً.
لا يختلف الأمر إزاء جرائم أخرى وقعت في لحج لاحقاً مثل جريمة قتل محمد ناصر العنسي في 29 نوفمبر الماضي، عندما كان متوجهاً إلى عدن رفقة زوجته وأطفاله، وتم اعتراض سيارته في منطقة الملاح من قبل مسلحين بادروا إلى قتله ثم لاذوا بالفرار. وحسب إفادة المحافظ محسن النقيب، فإن النيابة أصدرت أوامر قبض قهرية، وأن الأمن تمكن من القبض على أحد المتورطين في محافظة أبين.
الأمن يدفع كلفة السياسة
"نحن غير قادرين على حماية الخط العام في الوقت الحالي"، كذلك قال أمين عام المجلس المحلي علي حيدرة ماطر، الذي أكد أنه سيتحدث بصراحة وشجاعة، وقد أوضح أن الخط العام (الشريان الذي يربط بين صنعاء وعدن، ويمر في الضالع وردفان) مقطوع من يوم أمس (2 يناير) وحتى صباح اليوم و(عاجزون) عن فتح. وأردف: "نحتاج إلى إمكانيات أو تدخل القوات المسلحة لحماية الوضع"، لافتاً إلى تواجد العديد من الوحدات العسكرية التي بإمكانها المساعدة في تأمين الطرق من خلال الدوريات الليلية والنقاط.
وبالمثل يقدم مدير أمن لحج العميد صالح المفلحي صورة قاتمة للوضع الأمني في المحافظة، وهو يضيف إلى إفادة المحافظ بشأن المتهم بقتل 3 من أبناء القبيطة تفاصيل أخرى، إذ أشار إلى أن عناصر الأمن بعد فشلهم في القبض على المتهم أثناء تواجده في السوق، انسحبوا إلى إدارة أمن مديرية حبيل جبر، لكن المسلحين حاصروا مقر إدارة الأمن حتى نهار اليوم التالي عندما تدخلت شخصيات اجتماعية لفك الحصار عن الأمن (!) وإقناع المسلحين بالمغادرة.
القاسم المشترك في إفادات قيادات السلطة المحلية والأمن في لحج ومديرياتها هو قصور الإمكانات المادية والبشرية لدى أجهزة الأمن، غير أن وزير الداخلية مطهر رشاد المصري الذي التقته اللجنة بعد 20 يوماً (23 يناير) يؤكد أن هذا الزعم غير صحيح، مشدداً على أن الوزارة أرسلت تعزيزات كبيرة إلى عدة محافظات بينها محافظة لحج. وهو عزا القصور إلى تفاوت الكفاءة في استخدام الإمكانات.
لا أحد يجادل في وجود حالة انفلات أمني في أغلب مديريات لحج، وهذا ما خلصت إليه اللجنة البرلمانية في استنتاجاتها. على أن محتويات التقرير تفصح عما هو أخطر من الانفلات الأمني، فعندما يتحمل الأمن أعباء الفشل في جبهة السياسة تحدث صدوع كبيرة في جدار المجتمع. وفي إفادة وزير الداخلية ما يشير إلى أحد إفرازات المواجهة الأمنية للحراك الجنوبي. يكشف الوزير، في سياق عرض إجراءات الوزارة لمعالجة الاختلالات الأمنية، أن لجاناً وزارية ستنزل إلى لحج لبحث عدة قضايا، بينها الوقوف أمام حالة الجنود الذين يعانون من أمراض نفسية.