كيف انتهت ورقة الإرهاب

كيف انتهت ورقة الإرهاب

*محمد شمس الدين
أفسد الشاب النيجيري عمر الفاروق عبدالمطلب على النظام اليمني ورقة ظل يستثمرها بشكل خاطئ، استثمار الدين لخدمة الكرسي يحتاج إلى نظام واعٍ يتابع كل صغيرة وكبيرة، يدرك خطورة التمادي والعبث في استخدام هذه الأدوات، فورقة القاعدة التي استخدمها النظام اليمني لعدة سنوات، وبإفراط، تحولت إلى وبال على النظام والشعب اليمني ككل، حيث أصبح قرارهم بيد غيرهم. لسنوات والنظام اليمني يعمل على إلصاق تهم القاعدة بخصومه في عدة جبهات، وكان أبشع استخدام لهذه الورقة في وجه المرشح الرئاسي المرحوم فيصل بن شملان، بواسطة أحد حراسه المندسين، وفي الوقت الذي أسرف فيه النظام في توزيع تهمه ضد خصومه في الداخل، كانت وما زالت القوى المعارضة له في الداخل، ومعها الدوائر الغربية، تشكك بعلاقات النظام اليمني وتستره على نشاط التنظيم لابتزاز جيرانه والدول المانحة من أجل دعم نظام الرئيس صالح والتخويف من البديل.
الإفراط في استخدام القاعدة واللعب بالأوراق حوّل البلد والنظام إلى مسرح للحرب وقرارات الخارج وتوصياته، دون أن يجلب الدعم المالي للبلد باسم التنمية، ولن يضيف في رصيد الحاكم أي شيء بعد اليوم، فشعبيته في تدهور مستمر، والحديث عن التنمية تحول إلى حديث عن الفساد كعامل مساعد على التطرف.
لم يعد التصدي للقاعدة بعد الرواية الغامضة، أو كما يطلق عليها البعض "فيلم" الشاب النيجيري، والإصلاحات المالية والإدارية توجهاً يمنياً لانتشال المواطن من حياة البؤس والمصير المجهول، بقدر ما هو تنازل للخارج. هذه التنازلات للخارج يقابلها تعنت وتجاهل للمطالب الداخلية، ظهر من خلال قمع الصحافة والحركات السلمية، وكل من يقولون آراء مخالفة لرأي الحكم.
كان يفترض في الأجهزة الأمنية أن تقيم الدنيا ولا تقعدها عقب إعلان القاعدة إعدامها لضابط البحث الجنائي بسام طربوش وضباط آخرين قتلتهم نزاهتهم في ظل غياب النزاهة لدى ضباط آخرين باعوا زملاءهم. بشاعة الجريمة التي ارتكبها التنظيم وطريقة الإعدام والاستياء الشعبي من تلك الجريمة لم يحرك ضمير الحكومة اليمنية للثأر من التنظيم الإرهابي واستغلال السخط الشعبي لخوض معركتها، لكنها اليوم أعلنت حرباً مفتوحة ضد القاعدة لإرضاء الخارج. إرضاء الخارج وتجاهل الداخل هي السمة السائدة في جميع الأنظمة العربية التي تحولت إلى كرزيات تخوض الحروب دون إسناد شعبي، فتكون النتيجة الفشل. الهجمات المكثفة ضد القاعدة لن تحقق هدفها ما لم تستند على رضا شعبي، والرضا الشعبي لن يتوفر إلا بإصلاحات حقيقية يلمسها المواطنون في حياتهم اليومية، وليس حبراً على ورق في برامج الحكومة وخطاباتها التي لم يعد المواطن يصدقها. فرغم الأضرار الجسيمة التي ألحقتها عمليات القاعدة بالاقتصاد الوطني وسمعة اليمن في الخارج، غير أن المواطن البسيط في بلد تنتشر فيه الأمية ويتراجع فيه الولاء الوطني إلى حد مخيف، ويزدهر الفساد والظلم، لن يكون معنياً بجهود الحكومة في محاربة القاعدة، إن لم يتحول إلى داعم لها، فكثيراً ما نسمع أشخاصاً يبدون مساندتهم للحوثي في حربه ضد الدولة لا لشيء إلا لأنه يواجه سلطة تجاهلت حقوقهم وقضاياهم، وانحازت لصالح النافذين والدجالين والفاسدين مع أن الحوثي يقود مشروعاً كارثياً لا يخدم قضاياهم ولا يعبر عن مظالمهم، فكيف بتنظيم يدعي أنه يحارب أعداء الدين وينتقم لأطفال فلسطين.
اليوم اختلفت الموازين، وانقلب السحر على الساحر، وخسر النظام ورقة هامة كان يمكن لها خدمة النظام والشعب. جاءت الخسارة هذه المرة على يد الحكومة الهزيلة ووزرائها الفاسدين الذين يتم انتقاؤهم لاعتبارات غير وطنية. فبدلاً من أن تدعو الحكومة اليمنية شركاءها لدعم التنمية والتخفيف من الفقر والبطالة، أصبحت تستدعى من الخارج لحل مشاكلها، وتحولت مراكز الأبحاث والصحافة العالمية من الحديث عن شحة الموارد ونضوب النفط وارتفاع نسبة الخصوبة كعوامل مساعدة لانتشار التطرف والجماعات الإرهابية، إلى الحديث عن حكومة ضعيفة عجزت عن استخدام المنح والقروض لتحقيق التنمية، وأصبح بقاؤها عاملاً مساعداً لنمو الجماعات المتطرفة بفقدانها الإسناد الشعبي، فلم يعد الحديث عن شحة الموارد وطلب الدعم المالي من الخارج وتهديد العالم بالإرهاب مجدياً في ظل عجز الحكومة عن استيعاب ما قدم لها في ظل العجز في الطاقة وسوء الخدمات التعليمة والصحية والتخطيط والإنفاق الأهوج على ما تم استخدامه، وفشل برامج الإصلاح التي تقدمها الحكومة بين الحين والآخر، ويعدها شلة من المستفيدين لم يلامسوا مشاكل المجتمع وتطلعاته التي تبدأ من أقسام الشرطة التي تحولت إلى دكاكين ومصدر للثراء، وأصبح الشاكون منها أكثر من المتطلعين لخدماتها الأمنية. فحكومة الأولويات التي ظهرت فجأة، ستفشل في مهامها كما فشلت غيرها من البرامج، كون الشلة التي أعدت برنامجها قد ذهبت بعيداً عن المشاكل التي تهدد البلد واستقراره، وأعضاؤها يعيشون بعيدين عن قضايا الناس.