ذلك الجانب من الثورة؟!

حينما خرج الشباب اليمني الى الساحات في ذلك النهار من فبراير العام 2011م، بعدما تملكهم اليأس من مستقبل مجهول، أطلقوا صرخة ظلت مكتومة لسنوات "امنحونا مستقبلا".. لم تلامس صرختهم "نخوة المعتصمِ"، مثلما عجزت عن ملامسة أسماع النخبة السياسية.. لتتوالى الأحداث والسنوات، باتجاه التغيير، لكنه لم يكن أبداً التغيير المنشود لهذه الفئة الاجتماعية التي أشعلت جذوة الثورة.

لا غرابة أن تنبعث الحركة الاحتجاجية في اليمن من هذه الشريحة الاجتماعية، الباحثة عن ذاتها، لأنها الأكثر التصاقا بواقع الحياة والأكثر معاناة من واقعها البائس، الناجم عن عجز النظام السياسي حينها في تحقيق مستويات مقبولة من التنمية وفي تأمين مستقبل لها.

أزمة النظام السياسي استدعت القوى الاجتماعية للانتفاضة، بغية الوصول الى الحلم المأمول، إلا أن الحلم ظل كذلك، بعدما تصدرت النخبة السياسية والعسكرية الثورة، وهي التي كانت حتى وقت قريب جدا جزءًا من النظام، بل دعامة أساسية له.

في الثورات هناك دائمًا جانب مظلم موحش، إذ أنها تسفر عن طغيان النخبة السياسية على القوى الاجتماعية التي انبعثت عنها الحركات الاحتجاجية، باعتبار أن دورها ليس حاسما، وإن كان أساسيا، فهي تشعل الشرارة فيما غيرها يجني الثمار.

طغيان السياسي على الاجتماعي في الثورة يسمح بالتنبؤ بمستقبلها، فهي غالباً تقود الى الديكتاتورية إلا عندما تلفظ أنفاسها: الثورة الفرنسية 1789م والبلشفية في روسيا 1917، آلت الأولى الى ديكتاتورية نابليون وإمبراطورتيه، فيما انتهت ثورة البلاشفة الى ديكتاتورية الحزب الواحد.

في ثورة الجزائر 1962م بعد عزل "بن بيلا" قائد الثورة وملهمها الأول، سيطر الجيش على السلطة، عوضا عن القوى الاجتماعية للثورة، والحال ذاته في ثورة "الخميني" الإيرانية 1979م التي طوحت بآمال الجماهير في الحرية لتخلق ديكتاتورية ثيوقراطية أحصت على الناس أنفاسهم.

وعند دارسي الثورات، لازال هناك خلاف في كون الثورات تأتي من أعلى حيث للنخبة السياسية اليد الطولى في تفجيرها، أو من أسفل حيث المكون الاجتماعي هو دافعها الأول.. ففي حين كانت النخبة السياسية كغاندي ونهرو ولينين وكاسترو هي من قادت الثورات في الهند وروسيا وكوبا، فإن الثورة الفرنسية مهدت لها الفئات الاجتماعية الكادحة حين انتفض الفلاحون العام 1789م، ليمهدوا الطريق لثورة الرابع من أغسطس من نفس العام..

إلا انه في الحالتين، تصبح الغلبة للنخبة السياسية لا للمكونات الاجتماعية، فالمكون الاجتماعي للثورة خليط لا صوت له، وبالأحرى ذو أصوات متداخلة ملتبسة، يغلب عليه عقلية الحشد وينحو باتجاه الجموح العاطفي ما يسهل على النخبة السيطرة عليه وحرف مسار الثورة لما يحقق مصالحها لا مصالح العامة... وهذا ما حدث تماماً في ثورة الـ 11 من فبراير 2011م.