أيُّ ملفات الرئيس يا ترى تلك التي تجعل أكبر تحالف معارض في البلاد

أيُّ ملفات الرئيس يا ترى تلك التي تجعل أكبر تحالف معارض في البلاد

صّناع الانهيار
*عبدالعزيز المجيدي
ما من بلد يمكن أن يحظى بعام جيد وهو يستهل أول أيامه بتحذير عريض وخشن قادم من خلف المحيطات. لا بد أن جوردون براون رئيس الوزراء البريطاني، كان يعني تماما كيف أن اليمن أصبح مصدرا لمخاطر تهدد أمن العالم كما فعل الجمعة. ربما كان بوسع اليمنيين تجنب مثل هذا المصير حيث بات بلدهم ضمن "أفضلـ" 3 بلدان تتصدر قائمة أوائل مزودي وسائل الإعلام بالأخبار السيئة. لكن ما الذي فعله ساسة البلد وأحزابها كي يمنعوا هذا الانزلاق الخطير إلى منافسة أفغانستان والصومال؟
لا شيء، باستثناء أن السلطة استمرت في إنتاج سياسة الفشل والدفع بالبلد إلى الحال الذي صار يهيج براون وحتى أوباما. أما المعارضة فقد ظلت تلهو بكل الفرص الثمينة خلف أطول عملية تحضير "لحوار" أصبحت لجنته تمتلك مقرا رسميا ودائما!
ليس ثمة شك أن عام 2009 بالنسبة لهذا البلد كان أسوأ من سابقه، مع أننا لم نسمع أن اليمن عاشت سنة جيدة خلال العقدين الأخيرين. وإذا كان هناك ما يمكن تسجيله كعام أفضل، فهو ليس سوى ذلك الذي كان أقل سوءاً.
لكن كل ذلك الزمن المطوي في التاريخ لم يكن خاليا من بعض المزايا بالنظر إلى ما أصبح عليه المشهد. كانت المشاكل أخف، وكانت فرص حلها داخليا أكبر. نحن الآن ندلف باب 2010 الوخيم، وكنا قبله شهدنا الكثير من المقدمات الواعدة بمآلات كارثية. والآن لم نعد نملك شأننا. لقد تركنا كل شيء يمر حتى بات العالم ينظر إلينا كمصدر لخطر وبيل بعد أن طالته شظايا استرخائنا الطويل. لقد أصبحت قدرتنا أقل، إن لم تكن معدومة، على إبقاء مشاكلنا شأناً داخليا، وأصبحت مواجهة كل معضلاتنا أمرا يخص العالم على نحو متزايد.
لنتذكر أن أحزاب المعارضة استقبلت العام الفائت بتحضيرات أطلقتها خلال الربع الأخير من عام 2008، لبدء حوار وطني شامل. لا شيء محوري ومهم حدث على هذا الصعيد، باستثناء أن تحضيرات المشترك أخذت تلتهم كل الفرص الممكنة والزمن الثمين لصالح الهروب من مواجهة مسؤوليتها في مواجهة الكوارث الفادحة التي تفنن النظام بصنعها. وها هو العام التالي يتدحرج ولا مؤشرات بأن المعارضة أصبحت تدرك كيف أن سكونها الطويل أصبح شريكا في صنع هذا الانهيار الذي يلوح كأقرب شيء يتحقق في حياة البلد ومواطنيه.
لقد كانت أحداث العام الفائت عاصفة في هذه الخريطة المنذورة للذعر، مقابل أداء معارض كان باهتا وباعثا للقرف أحيانا. خلاله اشتدت أزمات البلد واندلقت متزامنة على أكثر من بقعة: في الشمال طحنت الحرب الملعونة كل رمق متبقٍّ، في "بروفات" هزأت بالدماء والعقول والكرامة. مع ذلك لم تنته بدحر الحوثيين، بل بدفع خارطة الحرب والتدخل أقصى مدى ممكن لتصبح حربا إقليمية بامتياز. وفي الجنوب لم نشهد حلولا ومعالجات لأزمة استفحلت ودفعت بدعاة الوحدة في مطلعها إلى التشيع للانفصال، بل شاهدنا كيف أن البلد لم يكن مطواعا لشيء باستثناء صناعة الكراهية ووعود الحروب "من طاقة إلى طاقة"، مصحوبا بفشل غير مسبوق في إدارة البلد، شمل كل المجالات. والآن هناك ملف يبدو أن العالم قد سئم "الحكمة اليمانية" في معالجته. إن على البلد الآن أن يتهيأ للتعايش مع أوضاع شبيهة بالوضع الحالي لباكستان، حيث متواليات الانفجارات والاضطرابات العاصفة في المواجهة مع القاعدة، وربما يصبح هذا المآل حلما مقابل الاندفاع الواضح صوب النموذج الأفغاني.
لم يكن الناس يحتاجون منذ سنوات إلى من يذكرهم بأن البلد يمضي إلى حتفه بسبب سياسات السلطة، بل إنهم كانوا بحاجة لمعارضة حقيقية تقودهم لإيقاف هذه المهازل، وتقوم بما ينبغي على أية معارضة تدعي أنها ممثلة لتطلعات الناس ومخاوفهم، أن تفعله. لم تقل لنا المعارضة مثلا، ماذا كانت تفعل بينما كانت السلطة تمضي في بناء نظام "حكم فردي عائلي" –حد وثيقة إنقاذ التشاور- على أنقاض ما يفترض أنه حكم جمهوري يقرره الشعب.
لقد بلغت فداحة ما تصنعه السلطة بالبلد حد هذا الخطر الوشيك، حيث باتت الأنظار تتجه إلى اليمن باعتباره بلدا مهددا بالتفكك ويخوض حربا أهلية. مع ذلك فإننا لم نشاهد حماسة في مواجهة هذه المخاطر المتكالبة، توازي تلك التي ذرفتها بعض أطراف المعارضة على شوارع العاصمة وبعض المحافظات لمصلحة هتافات ضد انفراد الحاكم بالانتخابات واللجنة العليا. وقتها لم نسمع من أحد أن النزول إلى الشارع تصرف غير حصيف كما فعلت وهي تبرر هروبها من استحقاقات قضايا كبيرة ومصيرية في الجنوب والشمال، رغم أن كثيرا من دماء المحتجين سالت، ولم يعبر أحد من القادة "الكبار" عن خشيته من انفلات الأوضاع!
أحيانا يصاب المرء باليأس، فما من بلد ينهار بهذه الطريقة ثم يتذكر بعض سياسييه أنهم معارضة فيعقدون مؤتمراً صحفياً!
لا يجد الباحث عن تفسير لهكذا أداء إلا باعتبار الأمر كهولة أصابت العمل الحزبي في اليمن قبل أن يبلغ مرحلة الفتوة. وأحيانا تمرق فكرة "شيطانية" تعيد المسألة إلى تفسيرات أخرى لها علاقة بتداخلات معقدة لبعض الأطراف، وتشكل مجالا ضاغطا للمصالح. ينضج هذا التفسير أكثر مع استعادة تهديدات الرئيس بين الحين والآخر، في وجه معارضيه بفتح الملفات. أية ملفات يا ترى تلك التي تجعل أكبر تحالف معارض في البلاد مجرد مراقب، وفي أحسن الأحوال "معلق سياسي" كما ذهب مرة سامي غالب في افتتاحية "نداء" تاريخي؟!
على المعارضة أن تعترف بأنها فشلت في التعامل مع مشاكل البلاد، وعليها أن تقر بأن القضايا كانت أكبر من قدرتها على الفعل، ثم تغادر المشهد بهذه الخطوة كفضيلة أخيرة. ذلك أكرم للجميع من هذا الهروب الماراثوني إلى حوار دخل عاما آخر أصبح خارج سيطرة اليمنيين تماماً.
Hide Mail