بين مؤتمرين

بين مؤتمرين

*سامي غالب
في نوفمبر 2006 انعقد في لندن مؤتمر للمانحين، بحث سبل دعم التنمية في اليمن. وقد خرج المؤتمر الذي حاز على دعم لافت من مجلس التعاون الخليجي وواشنطن، بنتائج إيجابية أبرزها تعهد الجهات المانحة بتقديم 4 مليارات دولار لدعم الاقتصاد اليمني. وقتها كانت اليمن خارجة للتو من انتخابات رئاسية حظيت باهتمام دولي جراء الجدية والتنافسية اللتين تحققتا لها بفضل تحالف المعارضة (اللقاء المشترك) الذي خاض الانتخابات بمرشح استثنائي هو المهندس فيصل بن شملان.
حققت الانتخابات الرئاسية (رغم تحفظ المشترك على نتيجتها) وظائفها الديمقراطية والسياسية، دوليا. وقد رحبت واشنطن ولندن وغيرهما من العواصم الغربية المؤثرة، بنجاحها الذي من شأنه تعزيز الاستقرار في اليمن والمنطقة.
وفي هذا السياق، انعقد مؤتمر لندن (2006) بحضور الرئيس اليمني الذي تحدث بثقة أمام المانحين، مشددا على أهمية التزام المانحين الأصدقاء بتعهداتهم ووعودهم في دعم الشعب اليمني.
بعد أيام من انعقاد مؤتمر لندن، حللت ضيفاً في «فردوس» المرشح المنافس فيصل بن شملان بعدن. كان قد وافق على أن أجري حواراً معه، هو الأول بعد انفضاض «العرس الديمقراطي» الذي آل إلى مأتم انتخابي بحسب تصريحات شهيرة أدلى بها في حفل تكريمه بصنعاء.
تحدث المرشح الرئاسي الخاسر بروحية المنتصر، منبهاً منافسه إلى ضرورة التقاط رسالة الناخبين يوم 20 سبتمبر، بصرف النظر عن النتائج المعلنة.
ولئن جدد رفضه تهنئة المرشح الفائز رسمياً، مشدداً على أن موقفه شخصي وغير ملزم لأحزاب اللقاء المشترك، فقد فصَّل، برفعة ورصانة وقوة بيان، أسباب رفضه التهنئة، مشدداً على أن الأمر برمته ليس شخصياً.
لم أكن لأتشكك في ما يقول، فعبر محاور الحوار الذي استغرق أكثر من ساعتين، أكد صدقية موقفه، الموضوعي والأخلاقي، وهو يتحدث في الشأن العام.
ويحضرني في مقام الحزن هذا، رأيه في مخرجات مؤتمر لندن، التي صبت في صالح الدورة الرئاسية الجديدة لمنافسه. رحب المهندس فيصل بن شملان، ضمنياً، بنتائج مؤتمر لندن، إذ قال إن الأموال التي تحصلت اليمن عليها ليست هينة، معتبراً أن وعود المانحين جاءت من التقدير لأهمية اليمن. ثم تساءل: هل ستتمكن السلطة من تطوير الوضع الداخلي (بفضل هذه الأموال) والإمساك بالمستقبل، أم أنها ستظل عالة على الآخرين في عالم يتغير(!)؟
وأردف السؤال بآخر: هل ستتصرف (السلطة) بوازع من هذه الأهمية، أم ستستمر على نفس المسلك، فتقلِّل من شأنها؟
التطورات المتسارعة التي شهدتها اليمن في السنوات الثلاث الماضية تجيب على أسئلة بن شملان. ومطلع هذا الأسبوع أعلن جوردن براون رئيس وزراء إنجلترا، عن «مؤتمر لندن» آخر، نهاية الشهر الجاري، وفي الإعلان الكثير مما يعد تصديقاً لنبوءة رجل مترفع عن الأهواء معافى من مركبات النقص. في تصريحات براون الكثير من «التقليل من شأن السلطة اليمنية»، بما يفيد أن «لندن 2010» مغاير كلية لـ«لندن 2006»، في الشكل والمضمون. لم يشر براون إلى أي مشاورات مع الحكومة اليمنية سبقت إعلانه. لم لا (؟) فاليمن في 2010 ليست سوى حاضنة إرهابية، ومصدر تهديد إقليمي وعالمي، ودولتها فاشلة، وحكومتها "عالة على الآخرين في عالم يتغيير". آية ذلك الترحيب الحار والعجيب في آن، الصادر من وزير الخارجية اليمني بإعلان براوان.
أزيد من ذلك أن براون عاد أمس ليفصِّل رؤيته في حديث مع محطة "بي بي سي"، إذ شكَّك في جاهزية الحكومة اليمنية لتلقي أي دعم دولي في مواجهة الإرهاب، مشدداً على ضرورة الحذر والتمحيص عند تقديم الدعم كي لا يصب في صالح الإرهاب نفسه.
عندما أطلق براون تصريحاته (التي تقلِّل من شأن اليمن وحكومتها) كان الرائي فيصل بن شملان قد فارق الحياة. كان يعرف الجواب سلفاً، أو أنها الأقدار أرادت أن يحضر فيصل بن شملان إلى واجهة المشهد الوطني مجدداً، ولكن بالممات، ترفقاً باليمنيين لحظة الهوان العميم، مواساة لهم في هوان بلدهم، وأي عزاء لليمنيين في هوان حكومتهم وبلدهم أبلغ من حضور بن شملان، القامة والقيمة والقوة، البلسم لكل مجروح في يمنيته، والملاذ لكل مفجوع بقبائح زمن «لندن 2010».