قرية معلقة في صراع البقاء: رحلة يومية على حافة الهاوية

طريق الظهرة في المحويت (النداء)
طريق الظهرة في المحويت (النداء)

في قرية الظُّهرة، المعلقة على جرف جبل القلاح في اليمن، على ارتفاع 2700 متر فوق سطح الأرض، يُجبر الأهالي على خوض صراعٍ يوميّ من أجل البقاء على قيد الحياة.

تقع الظُّهرة، في مديرية بني سعد، محافظة المحويت، معزولة عن العالم، محاطة بمنحدرات صخرية خطرة، وسلالم حجرية شبه عمودية. الطريق الوحيد للوصول إلى العالم الخارجي من القرية هو مسارٌ خطيرٌ ومغامرة قاتلة، حيث يضطر السكان إلى تسلق 20 منحدرًا صخريًا. ومع كل خطوة، يواجهون خطر السقوط والإصابات، ناهيك عن حوادث الموت التي راح ضحيتها سبعة أشخاص، بينهم أطفال ونساء.

يُعدّ "طريق" القرية مأساة حقيقية، ومصدر قلق دائم للأهالي. هذا الطريق، الذي لا يصلح حتى للسير على الأقدام، ويفتقر إلى أي مقومات السلامة، يُعرّض حياة 300 نسمة للخطر يوميًا، بخاصة مع وجود 50 طفلًا يضطرون لتسلقه يوميًا للوصول إلى المدرسة.

أمام هذه المخاطر، اتحد أهالي القرية لإنشاء طريق سيارات يربطهم بالعالم الخارجي. بإمكانيات بسيطة وشحيحة، وبدعم من 100 متطوع من كبار وصغار القرية، يواصلون العمل على نحت الصخور البازلتية وفتح طريقٍ للنجاة.

مع اندلاع الحرب الأهلية في البلاد، وانهيار أجهزة الدولة، وجد المجتمع المحلي نفسه بلا عماد، فتشكلت مبادرات تعاونية جديدة تنشط، كبديل لغياب الدولة، لا سيما في مناطق وأرياف المحافظات: مثل ريمة، تعز، المحويت، وإب، حيث اضطر الأهالي لمجابهة مشاكلهم وحيدين بجهود ذاتية؛ وبدأوا في بناء الطرق، وتعمير المدارس والسدود.

نعش الموتى أملٌ للحياة!

مع انعدام الخدمات الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية والأسواق، يُعاني أهالي القرية من عزلة قاسية. وفي ظل غياب طريق للسيارات يُضطرون لنقل المواد الغذائية على ظهور الرجال أو رؤوس النساء، كما يُستخدم نعش الموتى كوسيلة إسعاف لنقل المرضى في حالات الطوارئ وحالات الولادة المتعسرة إلى القرية في الجبل السفلي، في رحلةٍ محفوفة بالمخاطر، تمتد ما يزيد عن نصف ساعة ذهابا ومثلها بالعودة.

في ظل غياب وسائل النقل الآمنة وانعدام طريق للسيارات، يمثل نعش الموتى رمزًا للحياة والأمل الوحيد لنقل المرضى في الحالات الحرجة. قصة المرأة التي وضعت مولودها على نعش الموتى، خير دليل على مأساة هذه القرية.

غالبًا ما يضطر الأهالي لإرسال أطفالهم إلى قرية القعير بالجبل السفلي، لشراء احتياجاتهم الأساسية. لكن هذه الرحلة ليست سهلة: "هذا الطريق يظل مجازفة كبيرة مهما اعتدنا عليه"، كما يقول محمد الظهرة. فخلال سنوات تسببت وعورتها بالعديد من الخسائر في الأرواح والمواشي.

 

موتى وضحايا

في أكتوبر 2018، سقط أيمن حسن الظهرة (14 عامًا) من أحد المنحدرات، أثناء عودته من شراء احتياجات المنزل. عثرت عائلته على جثته بجسد ممزق ورأس مهشم، بعد ساعات من البحث، حسبما يفيد عمه محمد الظهرة. مات أيمن وهو مايزال طفلًا في الصف السابع، تاركًا وراءه عائلة مفجوعة وأحلامًا لم تتحقق.

لم يكن أيمن الضحية الوحيدة لوعورة الطريق، في عام 2015، انزلق طفل آخر يدعى مالك عبدالله (8 سنوات)، ولقي حتفه على الفور بعد سقوطه من المنحدر. تكررت حالات سقوط أخرى على مدى سنين، بينها سقوط نساء أثناء جمع الحطب والأعلاف، وسقوط المواشي من المنحدرات، مما أدى إلى وفاة بعضهم وإصابة آخرين.

لا تقتصر المخاطر على الأطفال فقط، ففي حالات المرض أو الولادة، يواجه أهالي القرية صعوبة بالغة في نقل المرضى إلى قرية القعير حيث تنتهي طريق السيارات، ومنها إلى أقرب مستشفى، يبعد مسافة ساعتين بالسيارة. ففي أحد الأيام، شارك نحو 20 متطوعًا في إسعاف امرأة متعسرة، بحملها فوق أعتاقهم على نعش الموتى. في منتصف الطريق، جاءها المخاض، ولم تنجُ إلا بفضل شقيقتها عندما اضطرت إلى قطع الحبل السري بحجر. بينما ماتت امرأة أخرى قبل وصولها إلى سيارة لنقلها.

 

الأمل في الطريق

حادثة وفاة طفل بعد سقوطه من أحد المنحدرات، ومواجهة المتعسرة ومولودها لخطر الموت في منتصف الطريق، كانتا بمثابة الشرارة التي أشعلت المبادرة لبناء طريق آمن.

عندما أدرك أهالي القرية أن انتظار وصول طريق من الدولة قد يستغرق وقتًا طويلًا، مع تردي الأوضاع وغياب السلطات واستمرار الصراع، قرروا الاعتماد على أنفسهم وحل المشكلة بأيديهم، وتوافقوا على المشاركة الفاعلة، سواء بالجهود أو الأموال، لبناء طريق سيارات بمسافة 3 كيلومتر.

يتوزع نحو 100 متطوع على العمل، بين تكسير الصخور والبناء ونقل التراب والحصى، فيما تُعدّ 40 امرأة الطعام والغذاء. بإمكانيات بسيطة وشحيحة، دون أية مساعدة، ينحتون الصخور البازلتية، ويبنون طريقهم بآلات بدائية ووسائل تقليدية، مثل "الكمبريشان والزبر والعربيات والصَّبَرَة"، كما يقول محمد الظهرة، وهو حاصل على الدكتوراه في الأدب الإنجليزي، وأحد الأهالي المتطوعين.

يواجه المتطوعون العديد من التحديات في هذا العمل، فطريقهم مليء بالصخور الصلبة التي تتطلب أدوات خاصة لكسرها. كما أن قلة الإمكانيات المالية تجعل من الصعب عليهم شراء هذه الأدوات، لكنهم يصرون على المضي قدمًا في العمل.

 

معلم الأحياء يقود المبادرة

يقود المبادرة لإنقاذ القرية من عزلتها حسن الظهرة، وهو مدرس الأحياء وعاقل القرية. يرى حسن، وهو الذي فقد ابنه ايمن أن بناء طريق للسيارات ليس مجرد مشروع إنشائي، بل هو شريان الحياة الذي سيُنير درب المستقبل لأهالي القرية.

حسن الظهرة، معلم الأحياء وعاقل القرية وقائد المبادرة وهو والد أحد ضحايا وعورة الطريق
حسن الظهرة، معلم الأحياء وعاقل القرية وقائد المبادرة وهو والد أحد ضحايا وعورة الطريق (النداء)

في حديثه لـ"النداء" قال إن استمرار عزلة القرية بعدم وجود طريق للسيارات، يهدد سلامة سكانها، ويعوق تنمية القرية. لافتًا إلى أن المبادرة المجتمعية التي يقودها "تعتمد على جهود المتطوعين بنسبة 90%، وأنهم يقدمون أداء جيدًا". ويضيف: "لولا تفاعل الأهالي وتحمس المتطوعين لما نجحت المبادرة، ولما شاهدنا تنفيذ المشروع".

يُواصل الأهالي صراعهم مع الصخر والبقاء، مُتسلحين بأمل الوصول إلى طريق يربطهم بالعالم، ويُنقذهم من مخاطر "طريق الموت".

غير أن جهودهم ومساهماتهم وحدها لا تكفي من دون وجود تمويل مالي يضمن للمبادرة البقاء، في وقت توقف دفع رواتب ثلاثة أرباع معلمي المدارس والموظفين الحكوميين، وهم الغالبية هنا. حتى الآن لم تحصل المبادرة على دعم السلطات المحلية الرسمية والمنظمات الأممية والدولية. ولسد هذه الثغرة يطلق الأهالي نداء عاجلًا للخيرين للمساهمة في نجاح المشروع.

ويُناشد أهالي الظهرة المنظمات الدولية والسلطات المحلية تقديم الدعم لإنجاز هذا المشروع الذي سيُنقذ حياتهم، ويُحسّن من جودة معيشتهم.




تحدي قسوة العيش في قرية معزولة

تُجسّد قرية الظهرة، الواقعة على جبل شاهق في أقصى مديرية بني سعد، نموذجًا صارخًا لقسوة العيش وبؤسه. فبين وعورة التضاريس ونقص الخدمات الأساسية، يُصارع أهالي القرية ظروفًا قاسية للحفاظ على بقائهم.

تفتقر القرية إلى أبسط مقومات العيش، فالمياه شحيحة، والطرق وعرة، والزراعة محدودة. رغم قسوة الظروف، يتمسك أهالي قرية الظهرة بحبهم لبلدهم وقراهم. يعتمدون على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل، لكن الأرض القاحلة لا تسمح بزراعة سوى شجرتي البن والقات. تربية الحيوانات مستحيلة تقريبًا، باستثناء عدد قليل من الأبقار التي يتم حملها إلى القرية على ظهور الأهالي.

 

رحلة الظهرة لتعليم الفتيات

يُعدّ التعليم أحد أهم التحديات التي تواجهها قرية الظهرة. على الرغم من وعي الأهالي بأهميته، إلا أن عدم وجود طريق للسيارات ووعورة التضاريس وبعد المدرسة يمنع النساء من الحصول على التعليم. يشعر الكثير من الآباء، مثل محمد الظهرة، بالذنب والتقصير لعدم قدرتهم على تعليم بناتهم.

يضطر طلاب قرية الظهرة إلى قطع مسافات طويلة على أقدامهم للوصول إلى مدرسة أبي موسى الأشعري، الواقعة في قرية القعير. تأسست هذه المدرسة عام 1980، لتخدم جميع قرى العزلة، لكن وعورة الطريق تجعل الوصول إليها مغامرة صعبة.

لم تمنع الحرب الأهلية طموح أهالي قرية الظهرة. فمع ازدياد وعيهم بأهمية التعليم، ظهرت مبادرات محلية تهدف إلى تمهيد طريق للسيارات، وتسهيل وصول الطلاب إلى المدرسة. ينخرط المتطوعون في حل مشاكلهم بأيديهم، إيمانًا منهم بقدرتهم على تغيير واقعهم وتحسين حياتهم.

تُعدّ قصة قرية الظهرة نموذجًا للتحديات التي تواجهها العديد من القرى اليمنية. قسوة العيش وبؤسه لا يُطفئ شعلة الأمل لدى أهاليها، الذين يسعون جاهدين لتغيير واقعهم، وتحقيق مستقبل أفضل للأجيال القادمة.