ورحل الرائد أحمد محفوظ عمر

الرحيل الفاجع والمتواصل لرواد في الإبداع والأدب والثقافة والسياسة، أليم. خلال أسبوع يرحل الدكتور عبدالدايم الحداد، من القيادات القومية المؤسسة لحزب البعث، ستينيات القرن الماضي. ورحل الدكتور عبدالكريم نصار، من التيار القومي اليساري، والرائد والأديب الكبير أحمد محفوظ عمر.
الرائد القصصي محفوظ من الرعيل الأول من كتاب القصة القصيرة الحديثة، شأن علي باذيب ومحمد سعيد مسواط وعلي محمد عبده ومحمد الزرقة ومحمد عبدالولي وصالح الدحان.
الخمسينيات وأوائل الستينيات كان مولد القص الحديث في اليمن. أحمد محفوظ واحد من الرواد الذين أبدعوا غرس القصة القصيرة في تربة اليمن الخصبة.
يشير الناقد والأديب فريد بركات، في تقديمه لمجموعة محفوظ "الأعمال الكاملة"، إلى أن أول قصة للفقيد نشرت في العام ١٩٦٠، بينما الأستاذ الدكتور عبدالعزيز المقالح، في مقدمته للمجموعات الأربع: الإنذار الممزق، والأجراس الصامتة، ويا أهل هذا الجبل، والناب الأزرق، يعتبر القاص محفوظ واحدًا من الرواد الأعمدة الذين نقلوا القصة في اليمن، من حال إلى حال.
ويضيف: "فقد أعطاها -بدون مبالغة- الجانب الأكبر من حياته، وكان في وقت من الأوقات صوتها الوحيد الملتزم والمستمر في كتابة القصة على مستوى الساحة التي انشغلت بالسياسي على حساب الثقافي. فضلًا عن الثقافة الإبداعية التي لم تكن طوال العقود الأربعة الماضية، تحظى بالاعتناء الذي لقيته السياسة، باعتبارها سلطة".
أما الأستاذ الكبير والصحفي القدير أحمد سعيد باخبيرة، فقد قرأ في تقديمه للمجموعة الأولى "الإنذار الممزق"، "أنها تنم عن اتجاه مبشر نحو الانفعال بحياة الجماهير، وتصوير مشاكلها وآمالها. وهي محاولة محمودة يستحق صاحبها الزميل أحمد محفوظ التشجيع والمؤازرة".
ويقول الناقد الفقيد فريد بركات، في تقديمه للطبعة الثانية لمجموعة "الإنذار الممزق": إننا نتطلع إلى المزيد والمزيد من عطاءات أحمد محفوظ عمر الإبداعية الخلاقة على أساس من الصدق الفني، والرؤية الإنسانية العامة، والسليقة الجمالية التي جرى ولايزال يجري بها قلمه المتمكن، من فنه ومجاله، منذ أن أتحفنا بمجموعته البكر "الإنذار الممزق".
لفتني وأدهشني ما كتبه عنه تلميذه وصديقة الأستاذ الجليل والكاتب المبدع الساخر سعيد عولقي. فالعولقي يعتبر محفوظ أستاذه ومعلمه الأكبر، فهو مدرِّسه في المدرسة والحياة.
ويذكر العولقي أن "الإنذار الممزق" صدرت في خمسينيات القرن الماضي، وأن العولقي وزملاء آخرين في الحركة الكشفية، قاموا ببيع النسخة بشلن في حافة دبع والشيخ عثمان. إنه تعلم منه السرد وطرق التلقي وأبجدية الهجاء. ويشير إلى عمود محفوظ في صحيفتي "الأيام" و"١٤ أكتوبر": "قطرات من حبر ملون".
ويذكر قصة له معه في المدرسة. بكائية سعيد عولقي قوية التعبير عن المحبة والصدق والحزن، وأتذكر أن قصص الفقيد وصلت إلى الشمال متأخرة منتصف الستينيات، وبالأخص مطلع السبعينيات، بعد وصول بعض الأعمال الأدبية وما ينشر في المجلات والصحف.
القاص أحمد محفوظ عمر صاحب موهبة كبيرة ومقدرة فذة وتمكن أدبي ولغوي كبيرين، فلغته في غاية الأناقة والدقة والرقي، وحسه الشعبي حاضر وكبير، ومقدرته في التتبع والصياغة فائقة. إنه رائد كبير من مؤسسي اتحاد الأدباء والكتاب، ومن أعلام الأدب والفكر والحياة. وفقدانه خسارة فاجعة، فهو وأمثاله ملح الأرض وزاد الوجدان والقيم الإبداعية العظيمة.
تتغشاه رحمة الله خلودًا زاكيًا.