حريق في الحدود

حريق في الحدود

في استنقاذ السيادة
 سامي غالب
الحرب في صعدة صارت رسمياً شأناً إقليمياً بعد انتقال شررها إلى ما وراء خط الحدود الشمالية، هناك حيث الجار الكبير صاحب الكلمة الفصل في الكثير من شؤون المنطقة.
عندما «تتأقلم» مشكلة محلية، فإن أوزان المنخرطين فيها تتبدل طبق حسابات وتسويات الفاعلين الإقليميين. وفي ما يخص «صعدة»، انتقلت الكلمة الفصل إلى الحكومة السعودية التي امتد الحريق اليمني إلى أراضيها في ذروة صراع الأدوار الذي تخوضه ضد إيران منذ سقوط نظام صدام حسين في العراق عام 2003.
احتشد الجار الكبير لليمن، كما لم يحتشد من قبل، لتصفية ما يمكن أن يتطور إلى «جيب إيراني» في تخومه الجنوبية، من دون اكتراث لأية مترتبات سلبية على حليفه اليمني تنجم عن عمليته التصفوية. هكذا تبدى الموقف اليمني الرسمي في وضعية انكشاف سياسي وأمني أمام الرأي العام المحلي والعربي، ما يستدعي مراجعة سريعة وقرارات حاسمة تمنع الانزلاق إلى ما هو أخطر، وليس هناك ما هو أخطر من تحول كيان سيادي إلى ساحة اقتتال إقليمي بين أسياد المنطقة.
المحصلة الأولية لتطورات الأسبوعين الماضيين، تقطع بأن «التمرد الحوثي» اليمني صار شأناً سعودياً بقدر ما هو شأن يمني. وفي حال استمر الارتباك الراهن والمحزن في الموقف الرسمي لليمن، فليس هناك ما يمنع من أن تصير قضية صعدة شأناً إقليمياً أكثر من كونها شأناً يمنياً، فلا يكون لأصحاب السيادة وأصحاب المظالم المحليين، موضع في مداولات الكبار، اللهم موضع اللوم والتوبيخ على العجز الوطني الذي فاض على الجوار!
 
***
 
القصف السعودي يشرد سكان القرى الحدودية ودوريات
 المجاهدين" تعتقل الاف اليمنيين
 
 "النداء" – خاص:
كشف نازحون يمنيون فروا من مناطق المواجهات الدائرة مع المسلحين الحوثيين في مناطق الشريط الحدودي بين اليمن والمملكة العربية السعودية، وجود دوريات سعودية من خارج الجيش النظامي تعرف باسم "المجاهدين"، تجوب منذ أيام مناطق الشريط الحدودي في مديرية الملاحيظ ومناطق الحصامة وجماعة بحثا عن متسللين، مشيرين إلى أنها اعتقلت مئات المدنيين بذرائع تقديم المساعدة للحوثيين، في أوسع عملية تطهير للقرى على الجانب اليمني من الحدود.
ووصل في الأيام الماضية إلى مخيم المزرق بمحافظة حجة مئات المدنيين الهاربين من مناطق المواجهات، بعد أن بدأ الجيش السعودي قصف المناطق الحدودية بالصورايخ والمدفعية، فيما لا يزال المئات عالقين في مناطق القصف من دون مأوى.
وأفادت المسؤولة في المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين مي برازي بأن مئات من المدنيين اليمنيين، الذين نزحوا في وقت سابق الى منطقة الخوبة السعودية، طردتهم السلطات السعودية وأبعدتهم إلى اليمن، الأمر الذي تسبب بزحام شديد في مخيم المزرق بمحافظة حجة اليمنية.
ونقلت وكالة الأنباء الإنسانية "إيرين" التابعة للأمم المتحدة في موقعها الالكتروني، أنه "طوال الأيام الثلاثة الاخيرة كانت تفد إلى مخيم المزرق أكثر من 100 أسرة يومياً، حيث استقبل المخيم أكثر من 300 أسرة (2،100 شخص)".
ويؤوي المخيم قرب مدينة حرض في محافظة حجة اليمنية، نحو 8،700 نازح حالياً.
وأوضحت برازي أن "بعضهم قدم من السعودية الى حيث كان هرب سابقاً من المواجهات الدائرة في منطقة الملاحيظ".
ووصف نازحون في المخيم ما يدور من عمليات قصف مكثفة تشنها مقاتلات سلاح الجو السعودي بأنه "قصف لا يبقي ولا يذر"، مؤكدين أن القصف تجاوز مناطق الملاحيظ إلى مناطق في مديرية رازح الحدودية.
وزار نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن اللواء رشاد العليمي المملكة العربية السعودية السبت حاملا رسالة من الرئيس علي عبدالله صالح إلى العاهل السعودي، قالت دوائر سياسية إنها تتعلق بالتحركات العسكرية الواسعة على الحدود غداة إعلان الرياض إنشاء منطقة عازلة على الحدود اليمنية السعودية، بما يخالف اتفاقية الحدود الموقعة بين البلدين عام 2000، والتي تحظر على البلدين إنشاء قواعد عسكرية لمسافة لا تقل عن 20 كيلومترا على جانبي الحدود.
وكانت مصادر قريبة من الحوثيين أكدت أن عشرات المدنيين قتلوا أو جرحوا جراء القصف الذي تشنه مقاتلات سلاح الجو السعودي على العديد من القرى بمديريتي الملاحيظ ورازح وفي منطقة الحصامة منذ مطلع الشهر الجاري، وأكدوا أن القصف طاول القرى السكنية والطرق الترابية، واتهموا السلطات السعودية بتعزيز العديد من المواقع الحدودية من الملاحيظ وصولا إلى مديرية رازح.
وطبقا لبيانات الحوثيين فإن المعدل اليومي للصواريخ التي تطلقها الطائرات الحربية السعودية على المناطق اليمنية في الشريط الحدودي يصل إلى 150 صاروخا يوميا.
وتابعت الدوريات السعودية على الحدود، حتى السبت، اعتقال المئات من سكان المناطق الحدودية الذين كانوا يحاولون الفرار إلى مناطق آمنة في الأراضي السعودية واليمنية، من دون الإشارة إلى سقوط ضحايا جراء قصف الطيران الحربي السعودي لهذه المناطق.
***
 
المعارك مستمرة في جبل دخان والحوثي يتهم السعودية بقصف قرى يمنية 

أفادت مصادر إعلامية سعودية بمقتل جنديين سعوديين وجرح 5 آخرين، فجر الجمعة، في هجوم نفذه حوثيون على منطقة جبل دخان الذي استولوا عليه مطلع الشهر الجاري. وواصل الطيران الحربي السعودي والمدفعية قصفهما لمواقع الحوثيين في جبل دخان رغم تأكيدات مسؤولين سعوديين بأن الجيش السعودي قد طهر الأراضي السعودية ممن يصفونهم بالمتسللين. وتربط الحكومة السعودية وقف العمليات العسكرية والقصف على مواقع الحوثيين بانسحابهم عشرات الكيلومترات في العمق اليمني، غير أنهم يؤكدون أن ضرباتهم لا تطال أراضي يمنية.
ويقول الحوثيون إن الطيران الحربي السعودي يشن غارات جوية بعشرات الصواريخ والقذائف يوميا على مواقعهم وعلى قرى آهلة بالسكان يذهب جراءها عشرات القتلى والجرحى، مؤكدين أن الضربات تطال يوميا مناطق شذا والحصامة والملاحيظ، وحيدان.
ويبدو أن المشهد الذي كان سائداً على الجبهة اليمنية بين الجيش والحوثيين، والذي كانت أبرز سماته غياب معلومات من مصادر مستقلة عن طبيعة الأوضاع في أرض المعركة، وحصيلة القتلى والجرحى والخسائر الحقيقية قي ظل تناقض ادعاءات الطرفين، يتكرر على الجبهة السعودية حيث لم يتمكن الجيش السعودي حتى الان من إثبات وجوده على الاراضي والمرتفعات التي سيطر عليها الحوثيون ويدعى انه قد تم تطهيرهم منها.
ويكرر الحوثيون أنهم لم يدخلوا الأراضي السعودية، وأن ما حدث هو أن النظام السعودي دعم النظام اليمني في هذه الحرب عسكرياً ومادياً وسياسياً وإعلامياً، وفتح أراضيه للجيش اليمني للالتفاف عليهم وضربهم من الخلف، وهو ما لا يتطرق اليه الجانب السعوي نفياً او تأكيداً.
وفي مقابل إصرار الجيش السعودي على استمرار المعركة حتى يوجد شريطا حدوديا بعمق عشرات الكيلومترات، يجدد الحوثيون دعواتهم للنظام السعودي لإيقاف الحرب، مؤكدين عدم وجود أطماع توسعية لديهم في الاراضي السعودية، وأن النظام اليمني نجح في استدراج السعودية الى المعركة. ودعا عبدالملك الحوثي السعودية إلى وقف عملياتها على الحدود مع اليمن، نافيا في الوقت ذاته أي ارتباط بين حركة التمرد وتنظيم القاعدة او أي "أجندة أجنبية".
وقال الحوثي في كلمة صوتية بثت على الموقع الخاص بجماعته: "ندعو النظام السعودي الى وقف عدوانه واحترام حسن الجوار وتغيير السياسة التي يستدرجه اليها النظام اليمني، وأن يدرك أن تصعيد اعتداءاته ليس لمصلحة البلدين".
واستمرت المعركة في الجانب اليمني في سياقها المعتاد منذ اندلاعها في العاشر من أغسطس الماضي، إذ استمر الإعلام الرسمي في إعلان تقدمه المستمر في مواقع الحوثيين وتدمير مخازن أسلحتهم وتكبيدهم خسائر فادحة، فيما تأتي أخبار الحوثيين منافية لذلك وتؤكد السيطرة على مواقع جديدة للجيش، لعل أبرزها كان الاستيلاء على مديرية قطابر.
وعلى الصعيد السياسي، حظيت المملكة العربية السعودية بدعم وتأييد الدول العربية، والإقرار بحقها في الدفاع عن سيادتها في وجه المتسللين الحوثيين، بل إن بعضا من تلك الدول، وخصوصا دول الخليج، قد أعلنت عن وضع مقدراتها العسكرية تحت تصرف الجيش السعودي اذا اقتضت الضرورة.
والاسبوع الماضي أكدت دول مجلس التعاون الخليجي وقوفها مع المملكة العربية السعودية ضد ما أسمته بـ"العدوان" الذي تتعرض له أراضيها على يد المتمردين الحوثيين.
وقال وزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي الذي تترأس دولته الدورة الحالية، دعم المجلس لليمن: "إن الجمهورية اليمنية بالنسبة لنا هو الجار الأهم لمجلس التعاون، ونود أن نؤكد على دعمنا لها في مواجهتها للتحديات التي تخوضها، وأن ضمان أمن اليمن مرتبط بأمن دول مجلس التعاون".
وأكد رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم آل ثاني أن "أي مساس بأمن المملكة العربية السعودية هو مساس بأمن كافة دول مجلس التعاون الخليجي"، وقال: "في الوقت الذي ندين فيه تلك الاعتداءات والتجاوزات فإننا نؤكد حق المملكة في الدفاع عن سلامة أراضيها وأمن مواطنيها، مؤكدين أن أي المساس بالمملكة العربية الشقيقة هو مساس بأمن وسلامة كافة دول المجلس".
وتزامنا مع ذلك صدرت الثلاثاء الماضي تصريحات قوية من وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي، حيث حذر دول المنطقة من مغبة التدخل في شؤون اليمن الداخلية، في إشارة منه إلى المملكة العربية السعودية التي تخوض قتالاً ضد المتمردين الحوثيين منذ زهاء أسبوعين، مضيفاً أن عودة الاستقرار إلى اليمن يساعد على الاستقرار في المنطقة، كما أن زعزعة الأمن في أي من بلدان المنطقة يؤثر سلباً على أمن المنطقة برمتها. وقال "إن من يصب الزيت على النار سيدخل الدخان في عيونه، (...) إن الدعم المالي والتسليحي للمتطرفين والتعامل مع الشعب بأسلوب قمعي تترتب عليه تبعات خطيرة جدا"، غير أنه عاد لتأكيد موقف بلاده الداعم لوحدة اليمن.
تلك التصريحات عادت في اليوم التالي أقل حدة وأكثر دبلوماسية، إذ أعلن متكي الأربعاء استعداد بلاده للتعاون مع الحكومة اليمنية لإرساء الأمن في البلاد، وقال في مؤتمر صحفي إن "الاحتكام للقوة يعقد المشكلة أكثر، ولا نتصور أن هذه الأزمة تحل بالطرق العسكرية، ونعتقد أن هناك ضرورة لبذل مساع خيرة لعودة الاستقرار والهدوء لليمن".
وأضاف الوزير الإيراني أن بلاده تنظر إلى الدول الإسلامية والعربية بحسن نية وتهتم بأمنها ومصالحها.
وردا على تلك التصريحات رفضت اليمن ما وصفته التدخل في شؤونها الداخلية، ونقلت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ) عن مصدر مسؤول بالخارجية اليمنية، أن بلاده تابعت التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي بشأن الحرب بصعدة، وهي ترفض مطلقا التدخل في الشؤون الداخلية من قبل أي جهة كانت أو ادعاء الوصاية أو الحرص على أي من أبناء الشعب اليمني.
وإذ رحب المصدر بدعم السعودية ودول الخليج العربية ومصر لليمن، أكد في بيان أن "ما يجري في محافظة صعدة من مواجهة مع "العناصر الإرهابية المتمردة الضالة هو شأن داخلي يمني، وأن اليمن كفيل بحل قضاياه دون تدخل أو وساطة من الآخرين".

***
 
غطرسة على الحدود "ماذا وراء الأكمة"
أبوبكر عبدالله

التدخل السعودي في اليمن سياسيا أو عسكريا، لا يمكن أن يكون إلا مفتاحا لأزمات كبيرة، فعندما ترتفع حرارة النظام تأتي المهدئات من الشقيقة الكبرى، لكنها تكون حارقة ومكلفة، وفي أحيان على شكل حرائق عابرة للحدود.
ما حدث ويحدث على الحدود اليمنية السعودية لا شك يقدم نموذجا على قدرة النظام في الهروب من الأزمات عن طريق إشعال الحرائق، فالحرب الضروس التي اشتعلت فجأة على خط الحدود بين الجيش السعودي والحوثيين كانت في الواقع صناعة يمنية سعودية بامتياز، لكن الأشقاء كانوا هذه المرة أكثر حنكة وقدرة على خطف ما يريدون قياسا إلى الآخر الذي بدا أشبه بأعمى يقود ذئبا إلى قطيع أغنام على أنه كلب حراسة.
>أبوبكر عبدالله
صباح الثلاثاء 3 نوفمبر الماضي، أفاق اليمنيون على وقع حرب كبيرة من دون مقدمات، عنوانها انتهاك مسلحين حوثيين للسيادة والأراضي السعودية في جبل الدخان، ليتحرك بعدها الجيش السعودي بعدته وعتاده مخليا القرى، فيما باشرت طائرات التايفون عمليات قصف جوي وبري طاول عمق الأراضي اليمنية وشرد مئات اليمنيين المدنيين من قراهم على خط الحدود من دون أن يتحدث أحد عن انتهاك للسيادة.
في يومين وربما أكثر تداعت الأحداث على الحدود بحرب هيمنت تفاعلاتها على وسائل الإعلام العربية والدولية التي قدمت الحوثيين كدولة عظمى تهدد الجارة الكبرى، فاتحة الطريق لعملية عسكرية متعددة الأهداف.
لم يكتف الجيش السعودي في عمليته العسكرية بإخلاء جبل الدخان والقرى المجاورة له من المتسللين، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بالإعلان أنه لن يوقف قصف المناطق الحدودية إلا بعد أن يتراجع المتمردون لعشرات الكيلومترات من خط الحدود، لتكون مناطق يمنية حدودية عدة بما فيها مديريات مثل الملاحيظ وقطابر ورازح وأجزاء من مران خاضعة للهيمنة السعودية.
وطبقا لتقارير منظمات الإغاثة الدولية فقد طردت السلطات السعودية مئات اليمنيين الذين كانوا نزحوا إلى أراضيها، ما أنتج زحاما شديدا على مخيم المزرق بمحافظة حجة. أما عمليات التمشيط التي باشرها الجيش السعودي بحثا عن المتسللين فقد تجاوزت الأراضي السعودية إلى مواطني المناطق اليمنية الحدودية، وتخطى ضحاياها حاجز الثمانية آلاف معتقل.
 
صناعة سعودية
الحرب التي صنعها الإعلام السعودي بدت كبيرة ومفاجئة، بل وصعقت الجميع حتى إن بعض المسؤولين اليمنيين كانوا يتابعون أخبارها على الفضائيات باندهاش تماما كما حال العسكريين الذين تابعوا تفاصيلها من محطات الراديو غير مصدقين ما يحدث رغم أنهم على بعد أمتار من الجبهة، لكن الجميع كان يشعر أن ثمة تدخلا سعوديا في الشأن اليمني وانتهاكا للسيادة، وربما شعر الجميع بعنجهية سعودية قصمت الظهور.
وحتى اليوم لا يزال الشارع اليمني يعيش فصول صدمة، فعملية الغطرسة التي شنها الجيش السعودي على الجانب اليمني من الحدود بذريعة مواجهة تمدد الحوثيين كان مقررا أن تكون خاطفة غير أنها تمددت وخرجت عن مسارها بعدما أظهرها الإعلام السعودي الفائق القوة والحضور والتأثير حربا إقليمية لمواجهة تهديد إيراني بدا يلوح على الخاصرة الجنوبية للمملكة.
أدارت السلطات السعودية حربها لتحرير وتأمين الحدود بإعلام فائق التأثير تعدى تأثيره الشارع الخليجي والعربي إلى اليمني الذي خضع هو الآخر لحملة دعائية حولت عمليات تسلل لبعض الحوثيين واشتباكهم مع دوريات حرس الحدود في محيط جبل الدخان إلى واحدة من أخطر حروب القرن.
بسبب غياب الإعلام اليمني في هذه التداعيات وتدفق المعلومات من جانب واحد، كانت الأنظار متركزة على ما تقوم به المملكة لتأمين حدودها، في حين كانت العديد من القرى اليمنية الحدودية قد أخليت من السكان جراء القصف الجوي السعودي الكثيف، لتعلن بعدها وسائل الإعلام السعودية أن حملة الاعتقال والمطاردة التي نفذتها دوريات الجيش السعودي أوقفت أكثر من 8 آلاف يمني تم الزج بهم في السجون أو في مخيمات توقيف المتسللين.
وقع المفاجآت في هذه التداعيات لم يتوقف إذ سارعت الرياض إلى الإعلان من جانب واحد أن جزءا من الشريط الحدودي بين البلدين "منطقة عسكرية"، تلاه إعلان من جانب واحد أيضا لمنطقة عازلة لعدة كيلومترات في داخل الأراضي اليمنية، ثم بدأت قواتها حصارا بحريا في السواحل الشمالية الغربية لليمن، وفرضها إجراءات تفتيش لأي سفن قادمة إلى السواحل اليمنية بذريعة منع إمداد السلاح الإيراني للحوثيين.
كل ذلك حدث بصورة سريعة أربكت في الواقع النظام اليمني كما الشارع الذي وجد نفسه يتابع فصول إنجاز سعودي فاق التوقعات مقابل خذلان وانكسار يمني غير مسبوق.
لماذا الآن؟
لعقود ظلت أجزاء من الشريط الحدودي البري والبحري بين اليمن والمملكة، وبخاصة المأهولة بالسكان، مناطق مفتوحة، حتى إن اتفاقية جدة الحدودية قضت بإخلائها من المواقع العسكرية لعدة كيلومترات، وحددت مناطق رعي وصيد مشتركة تصل إلى 20 كيلومترا برا تماما كما حال اتفاقية الطائف، لكن هذه المناطق تحولت في ليل إلى "منطقة عسكرية سعودية" برا ومنطقة تفتيش ورقابة سعودية بحرا.
في الواقع كان الحوثيون هذه المرة الحقيبة الدبلوماسية التي أخفت الشقيقة الكبرى بداخلها أهداف عمليتها العسكرية على الحدود، فخلف الدعم السعودي لليمن في حربه على التمرد وتحركها لمواجهة التدخلات الإيرانية في المنطقة، كان ثمة كوفية سعودية تحاك خلف الأكمة أخفت مشروع الرياض القديم الجديد ببناء الجدار العازل على الشريط الحدودي، خصوصا بعدما أنتجت التداعيات مع الحوثيين مناخا مثاليا لإنجازه.
لسنوات ظلت السلطات السعودية حائرة بل وتبحث عن ذريعة لتجاوز العوائق التي فرضتها اتفاقية جدة الحدودية للشروع ببناء جدارها العازل الذي كان موضع اعتراض السلطات اليمنية، لكنها في الواقع استثمرت محاولة استدعائها من قبل السلطات اليمنية لمواجهة الحوثيين لتنفيذه بموافقة ومباركة من اليمن.
***
مناورة افتراضية
قفزا على التفاصيل التي تحدثت بداية عن عمليات تسلل لبعض المسلحين الحوثيين إلى جبل الدخان أدارت الماكينة الإعلامية السعودية القضية على هيئة حرب إقليمية أطرافها تبدأ في صعدة والرياض ووصولا إلى طهران.
لعل البعض يذكر أن وسائل الإعلام السعودية كانت وحدها في مكان الحدث وتنشر تقارير المعارك الدائرة على الحدود بصيغ مبالغ فيها عن ضحايا بالمئات وعمليات إخلاء واسعة طاولت البشر والماشية وحتى العقارب والأفاعي. ومن فوق الرؤوس كانت مئات الصواريخ والقذائف تنهال على الحدود اليمنية ليتحول جبل الدخان فجأة إلى أرض سعودية منتهكة، حتى إن صنعاء تناست أنها كانت حتى قبل أيام قليلة تقول إن الجبل أرض يمنية مسيطر عليها من قبل الجيش.
وبعد أيام من خضوع الشارع اليمني لأكبر وأخطر عملية دعاية إعلامية سعودية يظهر الأمير خالد بن سلطان نائب وزير الدفاع السعودي، بتصريحات أعلن فيها أن ما حدث ليس حربا وإنما "عملية تعقب لمتسللين"، متحدثا عن حصيلة هزيلة في مقتل 3 جنود وجرح 15 بإصابات طفيفة وفقدان 4، مختتما تصريحاته بالإعلان عن إقامة منطقة عسكرية على الحدود.
انكشف الغطاء إذن، فالهدف من الحملة العسكرية المباغتة لم يكن الخطر الحوثي الإيراني، بل التأسيس لواقع جديد يساهم في إعادة الحياة للمشروع السعودي المتعثر على الحدود، وهو بناء الجدار العازل الذي كان يحتاج إلى عملية كبيرة تخلط الأوراق وتحول منطقة الحدود المشتركة منطقة عسكرية سعودية تسكت الأصوات المعارضة وتتيح إنجاز هذا المشروع الذي طالما جوبه بمعارضة يمنية وعربية ودولية، وتحولت فجأة إلى تأييد واسع النطاق!
***
لماذا كل هذا؟
حالت معاهدة الحدود (جدة 2000) التي أفرد لها ملحق خاص هو الملحق الرابع، دون طموحات النظام السعودي في تنفيذ مشروع الجدار الفاصل بين البلدين، خصوصا وأن الملحق جعل المناطق الآهلة حدودا مفتوحة تحكمها تقاليد وأعراف سكان المناطق الحدودية، كما تضمن بنودا تمنع البلدين من إقامة قواعد عسكرية أو حشد قوات على مسافة أقل من 20 كيلومتراً على جانبي الحدود، ما حال دون مضي الرياض في مشروعها لسنوات.
لكن الوضع تغير تماما بعد إقحام صنعاء الرياض في حربها ضد الحوثيين، إذ أتاح التدخل العسكري السعودي في المنطقة واقعا جديدا ساعدها في إعلان هذه الخط الحدودي منطقة عسكرية بل و"منطقة قتلـ" وفقا لتصريحات نائب وزير الدفاع السعودي، لتتجاوز الرياض بذلك محنة كبيرة طالما واجهتها في مشروعها العملاق.
من المجازفة القول إن السعوديين حشدوا قواتهم على الحدود ليحلوا محل قوات الجيش اليمني في حربها ضد الحوثيين، فهم يدركون ماذا تعني حرب العصابات التي أرهقت الحكومة اليمنية منذ العام 2004، كما يعرفون تماما ماذا تعني لهم جبال صعدة التي كانت الجدار حال ذات يوم من مشاريع أسلافهم التوسعية في ثلاثينيات القرن الماضي، وفوق ذلك فهم يدركون أن تورطهم في حرب قد تكون مذهبية في منطقة ملتهبة مثل صعدة مثخنة بمشاعر التعبئة المذهبية والأحقاد والثأرات، ربما يحولها إلى بركان قد يزيد من حجم الضغوط التي تعانيها كدولة لها سجل حافل في قمع الحريات الدينية والمذهبية.
لعل أحدا من اليمنيين بمن فيهم المحللون عجزوا تماما عن فهم ما يدور، فالتدخل السعودي بالمستوى الذي بدا عليه خلال الأيام الماضية كان آخر الاحتمالات الممكنة في معادلة الصراع بصعدة، لكن السعوديين في المقابل كانوا أذكياء للغاية في إدارة هذه الأزمة التي أظهرت عدم كفاية النظام اليمني في إدارة الأزمات مع الخارج، خصوصا وهم نجحوا تماما في فرض واقع جديد أتاح لهم فرصة تنفيذ ما يريدون تحت غطاء الدفاع عن السيادة.
***
ماذا جنت اليمن؟
يمكننا من اليوم إذن الحديث عن سجل حافل بالخسائر من جانب اليمني، أولها ما حملته تصريحات نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلطان الذي أعلن قبل أيام بكل ثقة أن "المملكة لن توقف ضرباتها الجوية إلا بعد أن يتراجع الحوثيون عشرات الكيلومترات داخل حدود اليمن"، في حين أنه يعلم أن الحوثيين ليس لهم وجود في مناطق الشريط الحدودي، فيما أكد "استعداد الجيش السعودي إبادة أي من كان إن حاول التسلل إلى الأراضي السعودية" ليغلق بذلك ربما إلى الأبد قضية بالغة الحساسية لدى سكان الحدود من الجانب اليمني، الذين كانت معاهدات الحدود أتاحت لهم مميزات خاصة في التنقل والنشاط التجاري الرعوي بين البلدين، فيما صاروا اليوم تحت طائلة النيران السعودية.
ومن المؤكد أن أي تغيير في التركيبة الديموغرافية بمناطق الحدود لن يكون مقصورا على الحدود في محافظة صعدة فقط، بل سيمتد إلى مناطق أخرى في حضرموت وشبوة وحجة وعلى السهل التهامي وهكذا دواليك.
أكثر من ذلك في تصوري يكمن في تصريحات المسؤول السعودي، التي قال فيها إن عودة أهالي القرى السعودية الحدودية التي تم إخلاؤها مسألة متروكة للتقديرات السياسية، ما يعني أن المنطقة الحدودية بين البلدين قادمة على مشروع خطير للغاية يستهدف إحداث تغيير قسري في تركيبتها الديموغرافية ربما لحسم قضايا من نوع ملكية الأرض والمساكن وتحديد الانتماء والتوطين والخصائص السكانية وآليات التوزيع لمجتمعات سكان الحدود.
ما يؤيد ذلك أن مئات اليمنيين من سكان المناطق الحدودية أخلوا قراهم هربا من القصف السعودي، فيما اختار آخرون اللجوء إلى المملكة كمواطنين سعوديين بعدما جعل الجيش السعودي المنطقة خالية إلا من بارود الصواريخ وقذائف المدفعية، فيما أكملت الدوريات السعودية التي باشرت حملات اعتقال طاولت الآلاف ما تبقى.
ويبدو الحديث عن الخسائر أشبه بطوفان، فمن جانب آخر خلف التدخل السعودي في الحدود اليمنية، وإن لم تتكشف أبعاده الحقيقية للناس اليوم، حالة احتقان في الشارع الذي شعر أن هناك انتهاكا للسيادة تحت غطاء الحرب على المتمردين.
وأكثر من ذلك الشعور بالخذلان، خصوصا وأن السلطات السعودية لم تكلف نفسها الكثير للتخفيف من حدة الشعور المتعاظم لدى الناس بانتهاك السيادة، فلغة الغطرسة والعنجهية كانت هي السائدة في تصريحات المسؤولين السعوديين، في حين وسائل الإعلام السعودية من طراز الدرجة الثانية تسوق وعوداً خجولة وتطمينات عن الأمن والتكامل بين اليمن ومحيطه الخليجي وإعادة إحياء مشروع الاندماج في مجلس التعاون إلى دعوتها دول مجلس التعاون لانتشال اليمن من كبوته وإدماجه وتجاوز حدود الأمنيات إلى الشراكة الاقتصادية والتأهيل.
لعلنا في الأيام القادمة سنقف مليا أمام المزيد من السيطرة السعودية على المناطق اليمنية الحدودية مقابل أمنيات بمشاركة الجيش السعودي نظيره اليمني الحرب على الحوثيين للقضاء على التمرد، وربما وعود بفتح الطريق للعمالة اليمنية إلى السعودية وتحسين أوضاع المغتربين والدفع باستثمارات سعودية إلى اليمن، لكن هيهات فيما ستكون الشقيقة الكبرى قد استكملت أكبر جدار خرساني في التاريخ سيضع بلا شك أحلام اليمن في الاندماج مع دول مجلس التعاون في خبر كان.
[email protected]
 
************
التحالف الاستراتيجي ضد من؟
 
 عبد الباري طاهر
نشأت الدولتان القطريتان العربية السعودية والمتوكلية اليمنية على أرض واحدة متداخلة ومتشابكة حد التماهي.
وكان التصارع والاقتتال بينهما حتمياً لأنهما يتقاتلان أو يطالبان بأن يتقاسما حكم أرض واحدة بشراً وأرضاً وحضارة وتكويناً نفسياً عاماً واحداً، وهما جزء من أمة. وتاريخاً متوحداً حتى وهو يتقاتل وينقسم. ما الذي يفصل تهامة الحجاز عن تهامة اليمن؟ ما الذي يفصل جبال السراة (أرض الثورات في عسير اليمنية عنها في صعدة وحجة والمحويت)؟ بل ما الذي يجعل من جزء جبل دخان أو قبائل وائلة ويام وبني مالك يمنية وسعودية في آن؟ من الذي يقدر أن يمنع الجبال في رازح أن تصب مياهها في أراضي ووديان تهامة «المخلاف السليماني». أرض واحدة وقبائل تنتمي إلى جد واحد «أسطوري» أو أكثر من جد: قحطان، عدنان، وهما أخوان هكذا يقول التاريخ.
ثم بالله ما الذي يفصل سراة بني علي وفهم وسراة بجيلة والأزد والمع وبارق ودوس وغامد ويام عن نجد وأرض الحجاز. مرجعية المخلاف الروحية: زبيد ومكة، ومرجعية عسير ضحيان وصعدة، ولنجران مرجعية إسماعيلية في وائلة.
يصب الوادي الواحد في اتجاهين متعاكسين: البحر الأحمر غرباً ونجد شرقاً. وادي خلب، ووادي جازان وخمد ووادي بيش ووادي عتود، وبيض وحلي ابن يعقوب، والترك والقحمة والشقيق. لكأن هذه الوديان شريان واحد لنفس واحدة ترفض التمزيق والقطع وإقامة الأسوار، فهما كيانان منذ النشأة الأولى يراد لأحدهما إلغاء الآخر، وكان يحيى المحاصر ببريطانيا هو الأضعف، قاتل الإمام يحيى بأسلحة التاريخ ومملكة آبائه من آل القاسم بن محمد وإرث الطائفة الزيدية، مؤزراً بصلح دعان، وبدعم الأتراك -الطرف المهزوم في الحرب العالمية الأولى (14 – 17)، بينما كانت الدولة القطرية السعودية الفتية تهب من نجد مسنودة بالمذهب الدعوي الوهابي -الجهادي ذي الجذور البدوية، ومنتصراً بالدعم والتأييد البريطاني -المنتصر! والأمريكي فيما بعد.
لم تستطع حرب 34 أن تحسم الأمر الذي بقي شكلياً معلقاً بحبل التجديد كل 25 عاماً، ولكنها سلمت نجران وجيزان وعسير.
دخل يحيى حميد الدين الحرب وهو بطل قومي، قاوم الأتراك وظفر بالمتوكلية اليمنية، وهو إنسان يرتدي قداسة عالم الدين، وسليل النسب الهاشمي، ليخرج بعد الهزيمة مذموماً مدحوراً يتمرد عليه أكبر أنجاله، وينظر إليه أبناء شعبه بزراية وغضب.
كانت هزيمة 1934 في المتوكلية بداية نشأة وظهور الحركة الوطنية، وانتهت بمقتل يحيى في 1948 وبداية العد العكسي لنهاية حكمه وآله.
وخرج ابن سعود المنتصر بدلاً من سلطان نجد أو نجد والحجاز أو نجد والحجاز وملحقاتهما، إلى ملك العربية السعودية؛ الاسم الذي لم يكن إلا بعد ابتلاع جيزان ونجران وعسير. لاشك أن لتحالف عبدالعزيز مع بريطانيا دخلاً كبيراً في الانتصار، ولكن أيضاً كان عبدالعزيز يقرأ أو يقرأ له كتاب العصر وقوانين الحياة، بينما كان يحيى غارقاً في الماضي، ومثقلاً بأنموذج حكم الأجداد.
تكونت الدولتان بالحرب هنا وهناك وضد بعضهما، وكان الإدريسي أقرب لبن سعود، وخسر الإمام نجران لسوء التصرف في حرب 34 التي حسمت صلحاً لصالح ابن سعود، ولم تستطع تمزيق المنطقة في المخلاف وعسير ونجران ووائلة التي بقيت أواصر وروابط جبالها ووديانها وقبائلها ورعيانها مترابطة ومتداخلة حد الاندغام.
وحتى الحرب الأهلية (62-68) حرب الجمهورية -الملكية المدعومة من السعودية، لم تستطع قطع هذه الروابط بين بلد واحد. كما أن الحرب أيضاً بعد خروج مصر وصمود الجمهوريين لم تحسم نهائياً إلا بالتصالح.
ما فتح شهية السعودية هي اتفاقية مكة 2000 (مذكرة التفاهم) التي أقرت بصورة نهائية الترسيم والقبول المطلق بنتائج حرب 34 في الشمال واستيلاء الجيش السعودي على الشرورة والوديعة وما تبقى من الربع الخالي عقب الاستقلال 1969.
لسنا بصدد مفاضلة بين اتفاقية الطائف «أخوة عربية وصداقة إسلامية»، ومذكرة التفاهم، فهذه المذكرة تضمنت إنشاء معاهد فنية ومتخصصة لتأهيل العمالة اليمنية نشرتها صحيفة «26سبتمبر» في حينها، ورصدت لها الملايين، ولكن السؤال أين ذهبت تلك المعاهد وموازنتها؟
التسلل الذي تتحدث عنه المملكة لا يمكن حله بسور صيني جديد. فسور برلين قد سقط، والسور الإسرائيلي محال أن يبقى طويلاً. فهل تستطيع المملكة مهما جرى الحديث عن القوة والتأييد العربي والدولي واليمني الرسمي الذي لا يخلو من الدبلوماسية والزلفى، نقل جبال «السراة»، وفصل الروابط الأزلية بين وائلة اليمن ونجران أو بين تهامة الحجاز وتهامة اليمن؟
يعاني اليمن محنة الفساد والاستبداد وعجز القبيلة في عصرنا عن التوحيد. فالتوحيد صناعة لا يعرفها العقل القبائلي أو البدوي. إنه صناعة مدنية بامتياز. كما لا تستطيع الجدران العازلة أن تفصمه أو تميته.
ما أطال حرب صعدة ليس ضعف الجيش اليمني المدرب والخبير والمقاتل، ولكن الشعور بعبثية الحرب وجنونها! وإذا عجز الجيش اليمني عن الحسم في صعدة والإسرائيلي في غزة ولبنان والأمريكي في أفغانستان أو العراق، فالجيش السعودي والمال أعجز.
مطالب السعودية في اليمن مستحيلة، فهي تريد إما سوراً يمتد آلاف الكيلومترات، أو نقل الجبال والوديان والقرى والبشر إلى عالم آخر. وجلي أن للحرب أبعاداً تتجاوز الأسوار! كشفت حرب صعدة عن اتفاقات أمنية وتحالف استراتيجي بين صنعاء والرياض، وهي قد تذكر باتفاقية الحماية بين محمد بن علي الإدريسي وسلطان نجد عبدالعزيز بن سعود! ولنا أن نسأل لماذا لا تطبق اتفاقية العمالة اليمنية التي تضمنت إنشاء معاهد فنية أكثر من 50 معهداً فنيناً متخصصاً تضم المئات والآلاف، والتي لو طبقت لما حصل التسلل إن كان منع التسلل الغاية.
صحيح أن هناك تسللاً لتجارة السلاح والمخدرات، وهذا النوع من التسلل لا يعالج بالحرب، فالدولتان المتعاهدتان والحليفتان يستطيعان الاتفاق على المعالجة بعيداً عن حصار السعودية للمياه الإقليمية اليمنية، والحرب على صعدة لإبعاد أهلها عشرات الكيلومترات، وهو من أغرب المطالب في التاريخ تخلت عنه إسرائيل راغمة في جنوب لبنان.
الحرب على صعدة من قبل الجيش السعودي عدوان على الأخوة العربية والإسلامية. وبعيداً عن مباركة ورضا الحكم في صنعاء، وبعيداً عن البيانات المتملقة، فإن هذه الحرب الكريهة تمزق أواصر الأخوة والقربى وتنكأ جروحاً لم تندمل بعد، وتدمر إمكانات الأمة وقدراتها لتدمير النفس والأهل، وتعود بالبلدين إلى البداية.
نعرف أن الدول قد توقع اتفاقات ومعاهدات، وتتحالف لمواجهة العدوان الخارجي، أما أن تتعاهد وتتحالف للحرب ضد بلدانها وشعوبها وأمنها، فهو إبداع عربي تتفرد به اليمن والسعودية. وتحالف ضد من؟
حرب صعدة تعني عجز النظام العربي عن حماية الأرض العربية وتحريرها وحمايتها سواء في المواجهة مع الإسرائيليين في فلسطين والجولان ولبنان، أو في المواجهة مع الأمريكان في العراق، فيقلون حروبهم إلى الداخل «العدو الحقيقي».
دخول الجيش السعودي الحرب في صعدة يثير الأسئلة الفاجعة! والأغرب والمفجع تعامل الحكومة مع الاعتداء بفرحة غامرة ورضا وتشفٍّ يصل حد الزهو.
دخول السعودية في الحرب يحولها من تمرد حوثي ضداً على السلطة الوطنية، ومن حرب أهلية بين قبيلة الدولة وقبيلة الحوثي، إلى حرب وطنية بين السعودية واليمن.
وهي حرب لا تستطيع السعودية حسمها مهما يكن جبروتها، وقد تفتح حروباً في أكثر من مكان، ويكون اليمن كله هدفاً.
لا ينبغي أن تغتر السعودية بقوتها العسكرية وحداثة مكنتها والتأييد العربي والدولي لها، لأن حلف الناتو في الحرب ضد الأفغان قد لقي تأييداً دولياً، ومع ذلك فأمريكا تخسر الحرب يومياً كما يخسرها الجيش الباكستاني في سوات وبلوشستان.
ولم تستطع إثيوبيا الانتصار على شراذم الصومال الممزقة والضعيفة.
مشاكل الأخوة والجوار لا تحل بالحرب، وإنما يحلها التفاهم وتشجيع الحوار، والابتعاد عن غطرسة القوة أو الاستعلاء. فالظلم سم الأخوة.
العاجزون عن الولوج بأنفسهم وأمتهم وشعوبهم إلى العصر يرتدون إلى جاهليتهم الأولى قتلاً وحروباً ودماراً.
لا يستطيع الإحراق (محرقة خميس مشيط)، ولا السور العازل، ولا التدمير الشامل قطع عرى الأخوة العربية الإسلامية بين الشعبين الشقيقين والجارين.
6 حروب عجزت عن حسم الحرب في صعدة، فحضر الجيش السعودي أصالة ونيابة، ويجري الحديث عن نجدة أردنية، ما يعني أن الحرب تتناسل وتتوسع بمتواليات هندسية.
لا يستطيع حاكم أن يحكم شعبه بالحرب أو الخوف مهما امتلك من قوة، ولا يستطيع التحالف الاستراتيجي: اليمني –السعودي، أن يقهر شعباً يبحث عن الحق في العمل، ويحاول اجتياز الأسوار العازلة بحثاً عن هذا الحق.
الطريق إلى إيران لا تمر عبر صعدة. كما أن الطريق إلى القدس لا تمر عبر طهران كما توهم صدام حسين (يرحمه الله).
لا شيء يصنع الإرهاب كالحروب الجائرة. حرب أمريكا في أكثر من مكان مسؤول عن نشر الإرهاب والتطرف، وحرب إسرائيل إرهاب ينشر الإرهاب، والحرب في صعدة لا تقضي على الإرهاب، وإنما تنشره وتغذيه وتخلق البيئة الملائمة لازدهاره.
فهل يعني تهجير مئات القرى إلى الداخل وهذا الحشد القريب الشبه بعاصفة الصحراء، والاستنجاد وحشد التعاطف الدولي وقبله العربي.. هل المقصود بذلك منع متسللين باحثين عن لقمة الخبز بعد أن حُرموا في أرضهم منها؟! أم أن النخوة «العربية الإسلامية» هي ما يدفع العرش السعودي للزج بجيشه في حرب منقطع عنها منذ عشرات السنين؟ وهل يحتاج التمرد الحوثي لجيش دولتين بحجم اليمن والسعودية؟!

 
***
 
مئات النازحين جراء المواجهات على الحدود

إيرين:
أفادت مسؤولة بالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن مئات المدنيين يفرون من قراهم على الحدود السعودية اليمنية إثر مواجهات بين المتمردين الحوثيين الشيعة والقوات المسلحة السعودية.
وقالت مي برازي، قائدة فريق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) إنه "على مدى الأيام الثلاثة الماضية كانت تفد إلى مخيم المزرق أكثر من 100 أسرة يومياً، حيث استقبل المخيم أكثر من 300 أسرة [2،100 شخص]".
ويؤوي المخيم الواقع على بعد 40 دقيقة بالسيارة من مدينة حرض بمحافظة حجة، حوالي 8،700 نازح حالياً. كما أشارت ماري مارولاز، مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بصنعاء، إلى أن "هناك 11،000 نازح آخر في ضيافة أفراد من أسرهم أو بعض المجتمعات المضيفة في هذه المنطقة من اليمن". وأوضحت برازي أن "بعضهم قدم من السعودية حيث كان قد هرب سابقاً من المواجهات الدائرة في منطقة الملاحيظ".
كما أوضحت مارولاز أن "كبار السن والأمهات الأرامل والمطلقات والأطفال يشكلون جزءاً كبيراً من الوافدين الجدد. ومعظمهم يأتون من منطقة خوبا حيث كانوا قد احتموا بعد فرارهم من المواجهات الدائرة في محافظة صعدة [بين القوات الحكومية والمتمردين الحوثيين] مما يجعل رحلة نزوحهم هذه الثانية أو الثالثة".
وقد أفاد أحمد مخضري وأحمد جابر، وهما قريبان قدما إلى المخيم الأسبوع الماضي، أنهما هربا من المواجهات الدائرة في منطقة الملاحيظ قبل شهر مضى. وأضافا: "لقد هربنا إلى السعودية ولكن تمت إعادتنا إلى اليمن فأتينا إلى هنا".
وحسب مارولاز فإن "الكثير من هؤلاء النازحين يتحدثون عن استمرار الترحيل من طرف السلطات السعودية خلال الأيام القليلة الماضية... ويزعمون أنه تم ترحيلهم دون السماح لهم بأخذ أي من ممتلكاتهم بما فيها بطاقات الهوية التي قد تؤخر عملية تسجيلهم. وفي الوقت نفسه تعمل المفوضية مع السلطات المحلية لضمان تسجيل كل القادمين الجدد من النازحين الشرعيين".
ازدحام المخيم
وتظهر آخر أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد النازحين الذين يتوافدون على مخيم المزرق مقارنة بالأسبوع السابق، حيث كان المخيم يستقبل ما بين 10 و20 أسرة [ما يتراوح بين 70 و140 شخصاً] يومياً.
وفي هذا السياق، أفادت برازي: "أصبح المخيم مكتظاً ولكننا نبذل كل ما في وسعنا لإيواء القادمين الجدد. فقد أقمنا 100 خيمة جديدة على الأقل لإسكان القادمين ولم يبق أي أحد على الأقل في العراء. كما تم إيواء أكثر من 100 أسرة في المركز الانتقالي حيث يتم إيواء القادمين الجدد قبل نقلهم إلى إحدى الخيام بالمخيم".
وباستمرار وفود المزيد من النازحين، يشكو موظفو الإغاثة من أن الازدحام الشديد أصبح يشكل مشكلة كبيرة بالنسبة لهم. ويدعم المخضري ذلك بقوله: "تؤوي خيمتنا 15 شخصاً وهي شديدة الازدحام".
وفي هذا الإطار، شددت مارولاز على الأهمية البالغة لإقامة مخيم جديد في المنطقة في أسرع فرصة ممكنة، مشيرة إلى أن "مخيم المزرق 2 قيد الإنشاء وسيصبح جاهزاً لإيواء النازحين في غضون شهر. وقد وافقت الحكومة على عرض الهلال الأحمر الإماراتي بتحمل المسؤولية الشاملة لبناء مخيم المزرق 2 وإدارته".

المساعدات السعودية في الطريق
وقد أطلقت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في شهر أكتوبر عملية إغاثة عابرة للحدود عن طريق السعودية للاستجابة لاحتياجات النازحين العالقين داخل مدينة صعدة وفي محيطها. ومن غير الواضح ما إذا كانت الطريق السعودية ستظل مفتوحة بعد ما تم تناقله من أخبار عن اختراق المتمردين الحوثيين لحدودها بالرغم من تصريح أندريج ماهيسيك في 6 نوفمبر بجنيف، أن المفوضية تأمل أن تتمكن قافلة مساعدات محملة بمستلزمات الإيواء من دخول اليمن عبر السعودية "في الأيام القليلة الماضية".
كما تلقى مكتب المفوضية في الرياض يوم 10 نوفمبر معلومات من السلطات السعودية عن استقرار الوضع على معبر علب الحدودي مما يسمح للمفوضية باستئناف عملياتها العابرة للحدود، حسب مارولاز التي أضافت: "نأمل أن نحصل على التصاريح الأمنية من السلطات السعودية لعبور قافلة المساعدات الإنسانية في الأيام المقبلة".
وكانت المواجهات المتفرقة بين المتمردين الحوثيين والحكومة اليمنية التي اندلعت منذ عام 2004 وتصاعدت في أغسطس 2009، قد أجبرت حوالي 175،000 نازح على مغادرة ديارهم، وفقاً للمفوضية. وفي ردها على المناوشات التي أودت بحياة جندي سعودي واحد على الأقل، أصابت الهجمات الجوية السعودية في 5 نوفمبر معاقل المتمردين الحوثيين، حسب التقارير.