«صنعاء» تدشن العام الجديد بمزيد من الانتهاكات

من الاعتداء على الصمدي إلى اختطاف قطران

يومًا بعد آخر، يتلاشى هامش الحريات في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، التي صعدت مؤخرًا من انتهاكاتها ضد الصحفيين والناشطين الناقدين لممارساتها أو المعارضين لسياساتها.
في الأيام القليلة الماضية، شهدت صنعاء حوادث قمع متتالية، لصحفيين وناشطين يطالبون بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في محاولة نشطة من قبل جماعة الحوثي لفرض سيطرتها على الرأي العام، وقمع كل الأصوات المخالفة لها أو المختلفة معها.
آخر تلك الحوادث الاعتداء بالضرب على الصحفي مجلي الصمدي، واختطاف القاضي عبدالوهاب قطران، وتهديد النائب البرلماني أحمد سيف حاشد.
والاثنين الماضي، تعرض الصحفي مجلي الصمدي، مالك ومدير إذاعة "صوت اليمن"، للاعتداء بالضرب أمام منزله، من قبل مجهولين، قاموا أيضًا بتهشيم سيارته قبل أن يغادروا المكان.

ويأتي الاعتداء على الصمدي بعد يوم واحد من صدور حكم قضائي بمصادر أجهزة تابعة لإذاعة "صوت اليمن" التي يمتلكها الصمدي، والتي سبق لوزارة الإعلام بصنعاء أن اقتحمتها في أبريل 2022م، ونهبت محتوياتها، ورفضت إعادتها رغم صدور حكم ابتدائي في ديسمبر 2022م، قضى بإعادة منهوبات الإذاعة والسماح لها بالبث، غير أن محكمة الاستئناف نسفت كل ذلك، وقضت الأحد الماضي بمصادرة أجهزة الإذاعة.
وقال الصمدي في تغريدة على منصة "إكس": "اعتداء جديد تعرضت له من قبل ثلاثة مسلحين أمام منزلي". ونشر صورًا تظهر كدمات في وجهه وإحدى يديه وأجزاء من جسمه.
وقال إن قاضي المحكمة طلب منه أن يعود إلى قريته لزراعة الأرض، وهو ما اعتبره الصمدي وآخرون، ازدراء وعنصرية ضد خصوم جماعة الحوثي في صنعاء.
وسبق أن تعرض الصمدي لاعتداء مماثل في أغسطس المنصرم، من قبل مسلحين، ولم يتم الكشف عن مرتكبي الواقعتين حتى اللحظة.
وأدانت نقابة الصحفيين اليمنيين "الاعتداء الممنهج" على الصحفي الصمدي، وحملت سلطة الأمر الواقع بصنعاء المسؤولية الكاملة عما يتعرض له من ترهيب.
وقالت النقابة، في بيان صادر عنها، تلقت "النداء" نسخة منه، إن حالة الإفلات من العقاب للمعتدين على الصحفي مجلي الصمدي، هي رسالة ترهيب لكل الصحفيين العاملين في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، التي تهدف من وراء ذلك إلى "إخراس صوت الحقيقة".
وفي صنعاء أيضًا، اقتحمت عناصر أمنية تابعة لسلطة الحوثيين، أمس الثلاثاء، منزل القاضي عبدالوهاب قطران، في حي الزراعة، وعبثوا بمحتويات المنزل، قبل أن يقتادوا القاضي قطران إلى وجهة غير معروفة.
وفي التفاصيل، قال نجل القاضي قطران، في مقطع فيديو استمعت إليه "النداء"، إن عناصر أمنية قدمت بمدرعة وأطقم عسكرية، واقتحموا المنزل، وروعوا أسرة القاضي، ووضعوا القيود على أيادي أبنائه، وأودعوهم إحدى المدرعات، قبل أن يعتقلوا القاضي، الذي وجهوا له تهمًا بتناول الخمور.
وأضاف محمد، نجل القاضي قطران: لفقوا لوالدي تهمة تناول الخمور، وأتوا بنا إلى أمام طقم بجانبه قوارير متنوعة من الخمور، وقالوا لنا انظروا ماذا يتناول والدكم!
واعتبر محمد ذلك محاولة لإلصاق تهمة بوالده من قبل أجهزة الأمن التي قال إنها عجزت عن العثور على أي دليل ضده رغم استمرار تفتيش المنزل لساعات ومصادرة أجهزة الكمبيوترات والهواتف الشخصية للأسرة، والعبث بمحتويات المنزل.
ويعد القاضي قطران من الشخصيات الناقدة لسياسات جماعة الحوثي، وكتب الكثير من المنشورات على صفحات التواصل الاجتماعي، تضمنت مطالب حقوقية ومواقف ناقدة لسياسات وممارسات حوثية.
وأدان نادي قضاة اليمن، الواقعة، وقال في بيان صادر عن رئيس دائرته التنظيمية القاضي أحمد الذبحاني، إن اقتحام منزل القاضي قطران وتفتيشه وترويع ساكنيه واختطافه أمام أسرته، جريمة انتهاك للحصانة القضائية التي يتمتع بها القضاة، و"سلوك بربري"، فضلًا عن كونها "جريمة انتهاك حرمة المسكن والحريات والحقوق التي يتمتع بها المواطنون".
واعتبر البيان أن ما تعرض له القاضي جاء ردًا على كتاباته ومواقفه المناصرة للحقوق والحريات وممارسة حقه في التعبير.
وحمل النادي سلطة الأمر الواقع بصنعاء، ما جرى ويجري بحق القاضي قطران، وحذر من تعرضه لأي أذى. وطالب قضاة اليمن، وكافة المنظمات الحقوقية، برفض هذه الحريمة، والعمل على محاسبة مرتكبيها.
وتعكس هذه الحوادث، الواقع المظلم الذي يعيشه الإعلام والمجتمع المدني في صنعاء، في ظل حالة من الترهيب والتخويف والمحاكمات الجائرة، والتي وصلت في أوقات سابقة حد النطق بالإعدام ضد صحفيين وناشطين حقوقيين لايزالون يقبعون في السجون الحوثية منذ سنوات، في انتهاك صارخ -وفق مراقبين- للقوانين المحلية، والمعايير الدولية لحرية التعبير وحقوق الإنسان.