قصر النيل!

فندق قصر النيل (صورة أرشيفية)
فندق قصر النيل (صورة أرشيفية)

في رحلة دراسية لي الى بلغاريا في دورة صحفية لمدة سنة عند وكالة انباء صوفيا.. كنت مفلساً ككل من اعرفهم في عدن.. كان في بلادنا وفد وزاري بلغاري تعرفت بهم على الطائرة.. تحدثنا وعلموا بمقصدي.. قال لي الوزير اطمئن، سناخذك معنا من المطار الى المدينة..

قلت: ولكن عندنا ترانزيت لمدة يومين في القاهرة.. قال: كلا.. لقد تغير خط سيرنا والترانزيت الى بيروت.. وذلك بسبب تقلب اسعار البترول هذه السنة1974م، ومن هناك سنمضي معاً.

تذكرت ان سفير بلغاريا في عدن قد اخذ مني مصروف جيبي ولم يبق لي غير 100دولار- 7 مئة شلن وقتها- بسبب زيادة سعر التذكرة التي قال ان علي انا تحمل نفقتها.. ربما كان يخدعني، وربما لا لكنه افرغ جبوبي والسلام.. قال لي الوزير : ساسعى لارجاع فلوسك اليك هناك!!

في بيروت حجزت لي شركة طيران الشرق الاوسط يومي الترانزيت في فندق المديترينيون "المتوسط" هناك، قدام البحر وصخرة الروشة الشهيرة.. وعلى التو نزلت الى شوارع بيروت، الحمراء، والكورنيش الجميل وسائر انحاء جمال بيروت، أعظم مدن الدنيا واعرقها.

في بيروت لقيت اصنافاً من البشر كثيرهم يثيرون العجب، مغربية تريد ان تقرألي الكف، وتبصرني بالغيب، وفلسطيني يريد ان يعزمني الى بيته في مخيم للاجئين هناك، ويمني يقول انه يتوقع استلام قات من عدن ويعزمني غداً للمقيل.. ولم تكن وقتها لنا تواصل مع سفارة تهتم بمن يأتي ويذهب.. اخترت دخول السينما: الدورادو، اسمها، فاخرة وتعرض فيلماً امريكياً لرعاة البقر اسمه "ديسبرادوس" رائع، استمتعت به وامضيت ليلتي بهناء.. في اليوم التالي قال لي موظف الاستقبال بالفندق: حجزنا لك في كازينو فيروز احتياطياً.. فهل تريدنا تأكيد الحجز؟

تحسست جيبي، وعثرت على بقية ما صرفته من المئة دولار.. وكانت لا تكفي، فالليرة اللبنانية قوية، وانا فقير.. فألغيت الحجز. كذلك ما كانت معي فلوس للمواصلات الى المطار عصر اليوم التالي، لكن شركات الطيران تلك الايام كانت تتحمل نفقات الترانزيت، ونقل المسافرين من والى المطار.. وفعلاً جاء الباص في موعده لنقلي الى المطار..

كان الاخوة احمد المشرع، ومحمد القرشي، اصحاب تجربة في السفر الى مصر قالا: لا تكن ابله.. لا أحد يسافر الى مصر دون ان يأخذ معه على الاقل اربعة كيلوجرام من التمباك الغيلي.. مرغوب جداً في مصر، وتبيعه هناك بما يكفي لإقامتك شهر إذا تقشفت.. وفعلاً اشتريت التمباك واخذته معي لكن ترانزيت مصر تحول الى بيروت.. وبقي التمباك في حقيبة ثيابي طوال شهور دراستي في صوفيا..

قال لي سكرتير الوزير البلغاري في مطار صوفيا: اذا لم يأت احد لاستقبالك.. سنأخذك معنا.. لكن وكالة انباء صوفيا بعثت من يستقبلني في المطار فاسيلي زايتسيف، أحد ابرز النابهين في الوكالة، ويجيد الانجليزية بطلاقة.. في الطريق اوقف فاسيلي سيارة الفولجا واخرج مطبوعاً بالانجليزية عن نشاطات الوكالة سلمني اياه.. وظرف فيه120 ليفة بلغارية قال انها ستكون مصاريف شهرية تسلم لي في بداية كل شهر.

في اليوم التالي وصل الاخ محمد عبدالله عمر مدير برامج اذاعة عدن لحضور نفس هذه الدورة معي.. وامضينا شهوراً تسعة من سنتنا هناك التي كانت سارة حيناً.. ومملة في بعض الاحيان.. دخلت انا وبن عمر طريق الجامعة البلغارية في "الدرفانتسا"، حيث سعدت هناك بلقاء كثير من طلبتنا الجامعيين وعلى رأسهم د. وهيب عبدالرحيم.. وعبدالرقيب صالح الاستاذ بجامعة عدن بعد ذلك.. والاثير د. صلاح البسيوني المصري الذي نصحني بالمرور على القاهرة في رحلة عودتي والاقامة في فندق قصر النيل (في الصورة)..

في تلك السنة تولى السلطة في اليمن الشمالي الرئيس ابراهيم الحمدي، وزار بلغاريا على التوالي الرئيس محمد انور السادات من مصر، وسالم ربيع علي "سالمين" من اليمن الديمقراطية، وكنا ضمن مستقبلي الاثنين مع الطلبة والجالية العربية هناك.. وبعد نهاية الدورة التعليمية رجعت عن طريق مصر وسكنت في فندق قصر النيل حسب توصية السيوني.. والتقيت في القاهرة بالشهيد جمال الدين الخطيب، مدير اذاعة عدن، وكان يحضر في مصر دراسة حول محو الامية.. وقال لي: هل انت مجنون لتسكن هذا الفندق الغالي؟! تعال معي الى فندقنا رخيص الثمن.. قلت له: ما زال التمباك معي طوال شهور الدراسة في صوفيا.. لعله قد فسد؟!!

قال جمال: كلا؛ بل انه سيتعتق!!

احاديث كثيرة تتدافع على خاطري عن هذه الزيارة لبلغاريا.. ولمصر لأول مرة.. لعلها تستحق استعادتها.