جارالله عمر.. اليمني المتشكك!

الشهيد جار الله عمر (أرشيف)
الشهيد جار الله عمر (أرشيف - شبكات تواصل)

في الذكرى العاشرة* لاستشهاد جارالله عمر استدعي أهم الملامح المائزة لهذه الشخصية السياسية الفذة:

- متشكك؛ وهذا الملمح الأبرز مكنه على الدوام من الانفتاح على مختلف الأفكار والتيارات. المتشكك يحسن الإصغاء والحوار؛

- ديمقراطي وليس راكب موجة ديمقراطية؛ يتضح هذا في قراءته النقدية المبكرة لتجربة الحزب الاشتراكي في الجنوب بعد أحداث 13 يناير 1986. وسنتذاك أكد على البدء بالتحول الى التعددية الحزبية في اليمن الجنوبي، وفي قراءاته لنتائج انتخابات 1993 وحينها اقترح انتقال الاشتراكي إلى المعارضة. وفي التزامه الفريد بتنفيذ قرار اللجنة المركزية بمقاطعة الانتخابات النيابية لعام 1997، علما بانه تصدر التيار الداعي إلى المشاركة في الانتخابات، وبالتصويت اتضح أن ثلثي اللجنة تؤيد خيار المقاطعة، وقد صرح للصحافة ساعتها قائلا ما مفاده ان الديمقراطية انتصرت داخل الحزب وهو سيكون أول الملتزمين للقرار؛

- تدرجي؛ فهو، من واقع تجربته المباشرة ومن قراءاته لتجارب حركات وبلدان، لاح مخلصا لفكرة التغيير المتدرج بعد أن أفرزت الايديولوجيات الانقلابية الشمولية أنظمة حكم استبدادية ومتوحشة. انعكس هذا الملمح على سلوكه السياسي بعد حرب 1994، وخصوصا لجهة التجريب بالانخراط في العملية السياسية وقيادته لتيار المشاركة في الانتخابات العامة داخل الاشتراكي والمعارضة؛

- الحليم إذا غضب؛ يندر أن يغضب وإذا غضب ففي اللحظة التي تستدعي الغضب. وشخصيا رأيته مرتين غاضبا وابتهجت لغضبه: الأولى في مطار صنعاء في اكتوبر 1997، وحينها تعرض لمضايقات أمنية في صالة المغادرة ما دفعه الى تقريع ضابطي أمن بشدة؛ والثانية في ندوة ليمن تايمز عام 1996 حينما تعمد أحد الحاضرين له ارتباط بالأجهزة الأمنية، التشوبش على كلمته، ما اضطر جارالله الى قطع كلمته وتوجيه كلاما مباشرا لذلك المشاغب مفاده أن الزم حدودك فأنت هنا للقيام بمهمة واحدة هي تسجيل ما يقال ورفع تقرير به إلى المسؤولين عنك. لحظتها خيّم السكون على القاعة قبل أن يواصل هو كلمته ويلزم المخبر حدوده؛

- الغني؛ فهو على شهرته وموقعه السياسي الرفيع في الحزب والحياة السياسية لاح دائما قليل الرغبات (أنا غني لأنني قليل الرغبات) مستعففا متقشفا كما أي صوفي. هذه الميزات حررته من مذلة طرق أبواب المسؤولين في الدولة. وقد سمعته يوما يفسر حقد الرئيس السابق علي عبدالله صالح عليه في كونه لا يطلب منه شيئا؛

- الشجاع؛ وهو قال لي في بيروت في اكتوبر 1997، وكانت علاقتي به، كصحفي شاب وكاتب ناشئ يلفت انتباهه، قد تعمقت بالحوار ثم برفقة السفر، إنه يعرف أن اسمه يتصدر قائمة المرشحين للتصفية الجسدية عند أقرب أزمة رغم كل ما يقال في اليمن عن طي صفحة الاغتيالات. وقد أشرت إلى هذه النبوءة بعد استشهاده بيومين في مقال كتبته لجريدة الشرق القطرية. عاش بقلب شجاع ولم يتصرف يوما كقنفذ!

- عابر حدود المكان والزمان والايديولوجيات والأعمار؛ ذلك جلي في صداقاته الثرية التي تتجاوز حدود البلدان والمناطق والمذاهب والتيارات والطبقات. على أن الأكثر إبهارا هو انفتاحه على أجيال لاحقة على جيله. يمكن عزو ذلك الى ملكة التعلم فيه. كان يؤمن بأن لدى الشباب ما يمكن أن يتعلم منه، ومرد هذا الايمان شخصيته السوية والممتلئة؛

- المتسامح المتهكم؛ يحضرني هنا ردود فعله حيال المتقولين عليه أو المحرضين ضده. وشخصيا لم اسمع منه أية عبارات قاسية تجاه أي من رفاقه أو ناقديه. ويحضرني موقفه من قيادات بارزة في الاشتراكي احترفت شيطنته باعتباره الشر الذي انغرس في قلب الحزب، والرجل الضالع بمخطط سري لسلطة حرب 94 لتعميد نتائج الحرب، والسياسي المحترف المرتبط بأجندة غربية لإعادة صوغ اليمن. في حالات نادرة كان يعلق بعبارات تهكمية.

- اليمني؛ من أجمل اليمنيين هذا الذي تكسرت السهام على السهام فوق جسده النحيل الضئيل قبل أن ترديه رصاصة الارهاب والتطرف. قيل عنه مخرب وملحد وزيدي وحجري وخباني وشمالي وانفصالي... قيل الكثير والكثير في هذا اليمني الانسان الذي يمت بقرابة إلى كل اليمنيين.

* كتب المقال في 28 ديسمبر 2012