حرب عالمية على غزة

تشهد غزة التي لا تتجاوز مساحتها 365 كيلومترًا مربعًا، منذ قرابة شهرين، عدوانًا همجيًا إسرائيليًا، بمشاركة أميركية وبريطانية وألمانية وفرنسية وإيطالية، عسكرية وسياسية، غايته تهجير الفلسطينيين القسري من دولة فلسطين المحتلة،

لكل من مصر والأردن والشتات، وتصفية القضية الفلسطينية، تهيئة لمشروع القرن الاستعماري الماسوني الصهيوني، بدءًا من غزة المكلومة والضفة الغربية والقدس الشريف، تنفيذًا لمقولة المحتل الإسرائيلي المسطورة على واجهة الكنيسيت: "إسرائيل من النيل إلى الفرات"، ناهيك عن تنفيذ مشروع "قناة بن غوريون" من "إيلات" إلى "تل أبيب" كمشروع اقتصادي وتجاري ضخم، بمساندة ودعم الولايات المتحدة الأميركية والدول الحليفة، فضلًا عن فرض التطبيع العلني لدول المنطقة مع إسرائيل، الذي بدأ بشكل علني في أغسطس 2020م، مع الإمارات العربية المتحدة، ثم مملكة البحرين، باسم "الإتفاق الإبراهيمي"، من منطلق أن الديانات الثلاث مرجعها النبي إبراهيم، عليه السلام، أبو الأنبياء والرسل.
ولن يقف الأمر عند هذا الحد، بل سيتجاوزه صوب السيطرة على أهم الممرات الاستراتيجية في العالم، مضيق هرمز، وباب المندب الرابط بين البحر الأحمر و البحر العربي والمحيط الهندي، واحتلال الموانئ والجزر في البحر العربي والبحر الأحمر، كقواعد عسكرية، تأمينًا لعبور الناقلات النفطية والتجارية والبوارج العسكرية، في محاولة للحد من تنافس أي نفوذ اقتصادي وتجاري في المنطقة، بخاصة من مجموعتي "شنغهاي وبريكس" بقيادة الصين وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا والهند وباكستان وإيران ودول وسط آسيا.
حقًا، إن الطريق شاق، إلا أن التنفيذ يجري على قدم وساق، وسط مواقف ضعيفة لا تبشر بخير من قبل دول المنطقة.
في واقع الأمر، إن ما يجري هو عدوان غربي صهيوني صارخ على مدينة غزة لتسويتها بالأرض وإبادة أهلها، وكأن العالم غابة لقتل أطفال ونساء وكهول غزة، في سباق محموم بين ذئاب إسرائيلية وضباع غربية مفترسة، وبما يسمى قانون الغاب، ويستحضرني في هذه المناسبة ما حدث للهنود الحمر في أميركا من إبادة قبل قرنين ونصف القرن من الزمن.
يقينًا، إننا نعيش في عالم الغاب يفترس فيه القوي الضعيف، باسم حقوق الحيوان وحقوق الإنسان والإرهاب، وكلها مصطلحات صاغها الاستعمار الماسوني الصهيوني قبل قرن ونصف القرن، وشرع في تنفيذها على بلدان العالم الأخرى لأهدافه باستخدام الضغوط من قبل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، إنه عالم الغاب تديره مؤسسات احتكارية صهيونية تعمل على إعاقة من ينافسها، وقد بدأ التنفيذ الجاد بالاعتداء على غزة الجريحة أولًا، ثم المنطقة العربية التي حباها الله بثروات ومواقع استراتيجية، والتي تشكل العمود الفقري الذي يبني عليها الاستعمار الصهيوني مشروعه في هذا القرن.
وفي سياق آخر، كل ذلك يحدث والمنطقة العربية لها من الإمكانيات والمقدرات ما يؤهلها أن تكون قوة اقتصادية وعسكرية تفوق الدول الغربية ثروة وأصالة ومكانة وتاريخًا وحضارة. فهل آن الأوان لنعي حجم الكارثة التي تحل بنا جراء مشروع الشرق الأوسط الاستعماري الصهيوني؟
الجدير بالذكر، أن أهالي غزة الأبية ومقاومتها الشجاعة يسطرون أروع البطولات في تصديهم للعدوان الإسرائيلي الأميركي الصهيوني الآثم، دفاعًا عن العرب قبل فلسطين، في مشروع بدت ملامحه الخطيرة، فلا أمم متحدة، ولا مجلس أمن، ولا حقوق إنسان أو حيوان، ولا محاكم دولية باتت مجدية طالما أن المتحكمين على تلك المؤسسات الصهاينة أنفسهم أصحاب تلك المشاريع.
لقد أسقطت غزة آخر أوراق التوت، وكشفت عورات الغرب وادعاءه بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة ومحاربة الإرهاب. لكنه طالما أن الأمر يمسه، فإن كل المواثيق والدساتير والقوانين الدولية يضرب بها عرض الحائط، ومن يحاسب من؟
ومن هذا المنطلق، إن على العرب أن يدركوا تمامًا أن بعد غزة سواء مطبعين أو غير مطبعين، سيطالهم الدور، ولن يتركوهم إلا بعد تفتيت بلدانهم إلى أقاليم، وتنصيب حكام عليها بنظرهم، هذا ما سيحدث، ولات ساعة مندم.
فقد آن الأوان للخروج من عباءة الاستعمار، ولو بخسارة مؤقتة، والتعاون مع دول أخرى مثل مجموعتي شنغهاي والبريكس، من موقف متحد وندي يتمثل بسوق عربية مشتركة، واتحاد عربي وميثاق جديد للعالم العربي.
لك الله يا غزة ومقاوميك الصناديد، وأهاليك الصامدين أطفالًا ونساء وشبابًا وشيبة، مهما عتا الزمن عليهم في واقع عربي واهن.
واخيرًا نزجي الشكر والتقدير لمواقف اليمن ومصر وقطر والأردن، والمقاومين عمومًا، ومن أسهم في الحراك السياسي والإنساني من دول المنطقة وشعوب العالم في وقوفهم مع الحق، وباهمية سحب القوات العسكرية الإسرائلية من غزو، والقوات الامريكية الدخيلة من المنطقة، والعمل بموجب ما نصت عليع المبادرة التي تقدم بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود( كان وقتذاك وليًا للعهد) في مؤتمر القمة العربية في بيروت يوم ٢٧ مارس ٢٠٠٢م الرامية لحل الدولتين مقابل تطبيع العلاقات العربية - الإسرائلية ...الخ.
نسأل الله الرحمة لشهداء غزة والنصر للشعب الفلسطيني الراسيين بثبات كالشوامخ ، وعلى الباغي تدور الدوائر.