الصحفيون اليمنيون.. قمع الداخل ومعاناة الشتات

حرب 1994 في اليمن ضد الوحدة السلمية والحرب ضد الجنوب، لم تعد باليمن إلى ما قبل الثاني والعشرين من مايو 1990، وإنما عادت به إلى ما قبل الثورة اليمنية (سبتمبر 1962 وأكتوبر 1963)، ومزقت النسيج المجتمعي، وأشعلت الفتن والحروب في غير مكان.

اشتعلت حروب صعدة الست ابتداءً 2004، واستمرت أكثر من عامين، انتصرت سلطة علي عبدالله صالح على نفسها بين حزبي الحرب (المؤتمر الشعبي والتجمع اليمني للإصلاح)، وبالتحديد من الرئيس صالح.

حرب 1994 وحروب صعدة الست بالأساس ضد الثورة اليمنية والوحدة، وعودة الى ما قبل سبتمبر في الشمال وأكتوبر في الجنوب. وكان نصيب الصحفيين اليمنيين في القمع وبيلًا ووافرًا، شرد من الوطن أكثر من نصف أعضاء المجلس المركزي للنقابة الموحدة، اعتقل أو اختفى الكثير من الصحفيين، نهبت ممتلكات الصحف، وأغلقت مقراتها، ودمرت بعض المطابع، وصودرت الحياة العامة والديمقراطية، وأوقفت صحف الأحزاب والصحف المعارضة كـ"الأيام"، "صوت العمال"، "الوحدوي"، "الشروى"، "المستقبل"، "الثوري" و"الجماهير".

وفي الحرب على صعدة تعرضت "الشارع" و"الأولى" و"الأسبوع" و"النداء"؛ الصحف الأهلية المستقلة، لإيقاف أكثر من مرة، وحوكم محرروها ورؤساء التحرير، وتعرضوا للمضايقات حد الاعتقال. وكان نصيب "النداء" نهب أدواتها أكثر من مرة، بينما شنت على صحيفة "الأيام" الأهلية المستقلة حربان كالشمال والجنوب، وتعرض رئيس تحريرها الفقيد هشام باشراحيل لمحاولة القتل، وحكم على حارسها بالإعدام.

وكان موقف الاتحاد الدولي للصحفيين مائزًا، فقد زار صنعاء رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين الأستاذ جيم بوملحة، وخاطب الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، في مشهد عام، مطالبًا بحماية الصحفيين والحريات الصحفية.

انقلاب صالح وأنصار الله الحوثيين أتى على ما تبقى من هامش للحريات تحقق في ظل ربيع اليمن، 11 فبراير 2011، وقضت كارثة الحرب 21 سبتمبر ٢٠١٤، على ما تبقى، أغلقت الصحف حتى الرسمية، وطرد الصحفيون من أعمالهم، وقطعت المرتبات، وشرد المئات من الصحفيين والإعلاميين، وكممت الأفواه، قتل أكثر من ٣٠ صحفيًا وإعلاميًا في الحرب، واعتقل العشرات وأخفي بعضهم قسريًا، ومنعت الزيارات، وتعرضوا للتعذيب الشنيع في المعتقلات، وحكم على أكثر من عشرة بالإعدام.

والمأساة أن القمع والإرهاب ومصادرة الحريات العامة والديمقراطية عمت المدن اليمنية كلها، وتنافست المليشيات المتحاربة على من يكون أكثر قمعًا وتنكيلًا بالصحفيين ومصادرة للحريات العامة وحرية الرأي والتعبير، وكان موقف النقابة رائعًا في الدفاع عن الصحفيين والحريات الصحفية، ومنذ الشهور الأولى في الحرب أصدر قياديو النقابة في صنعاء، وتحديدًا الأمين العام للنقابة وأمين الحريات، تقريرًا سنويًا ونصف وربع سنوي للانتهاكات شملت كل مناطق المليشيات وسلطات الأمر الواقع في صنعاء وتعز ومأرب وعدن وشبوة وحضرموت، كما تصدت لقمع الصحفيين خارج الوطن أيضًا، كما دافعت وأدانت استيلاء تابعين للانتقالي الداعي للانفصال، على مقر الصحافة في عدن، وإقامة كيان لا علاقة لبعضهم بالجسم الصحفي ولا بالمهنة.

عقد قبل أسابيع اجتماع لمجلس قيادة النقابة والنقباء السابقين، بدعم من الاتحاد الدولي للصحفيين، وربما جرى التفكير في تشكيل لجنة تحضيرية لعقد مؤتمر للصحفيين خارج الوطن، وبسبب من رفض صحفيي الداخل وئدت في المهد، ولم يصدر عن اللقاء "الاستراتيجي" كما سمي شيء، وكفى الله الصحفيين المنكل بهم والمحكومين بالإعدام في الداخل والمشردين، شر المزيد من التمزق والاختلافات والتشظي.