الهدف الديمغرافي والسياسي لـ"حق الدفاع عن النفس" الإسرائيلي -الغربي

للدفاع عن النفس محددات أخلاقية وقانونية وزمن وسقف يمكن قبول تجاوزها في ظروف قاهرة. هذا الحق المفترى عليه في حرب الدمار الشامل لغزة، لا يبرر الحرب المفتوحة ضد شعب أعزل. بابا الفاتيكان فضح التوظيف العسكري الإسرائيلي لهذا الحق، بقوله بأن "الرد على الإرهاب ليس بالإرهاب"، ولم يقبل استهداف المدنيين.

للحروب قوانين ملزمة لا تحوِّل مبدأ الدفاع عن النفس إلى انتقام جماعي بأبعاد سياسية وديمغرافية كما هو حادث في غزة اليوم. ببساطة عندما تُصفع على وجهك مسموح لك قانونًا وعرفًا بأن ترد بصفعة مماثلة وكفى. إسرائيل ظلت لـ56 يومًا قبل الهدنة، تستخدم أسلحة جوية وبرية وبحرية منها القنابل الأمريكية العملاقة والمحرمة دوليًا كالفوسفور الأبيض، لتقتل وتجرح عشرات الآلاف، وتدمر أكثر من 60% من مساكن المدنيين، تحت غطاء أيدها فيه الغرب، ولايزال هو حقها في الدفاع عن النفس.
تعلمنا من الثقافة العسكرية الغربية وجوب المراعاة الصارمة بأن يكون رد الفعل متناسبًا مع الفعل. ولكن إسرائيل، وهي دائمًا فوق القانون، تبيح لجيشها "الأكثر أخلاقية في العالم"! فعل ما تريد قيادتاه الفاشيتان العسكرية والسياسية، وقد ظلت لفترة الـ56 يومًا قبل الهدنة، تمارس ما تزعمه بأنه دفاع عن النفس، حظي ولايزال بتأييد غربي رسمي وإعلامي لم يفتر حتى اليوم.
انتهت المرحلة الأولى من العدوان المفتوح بهدنة إنسانية أوقفت لأسبوع سياسة اجتثاث الفلسطينيين من غزة، توطئة لتغيير سكاني يحول الفلسطينيين إلى أقلية لعشرين عامًا قادمة، ويؤجل انفجار القنبلة السكانية الفلسطينية، ويطيل حياة الاحتلال.
استأنفت إسرائيل المرحلة الثانية من عدوانها في 1 ديسمبر، بوتيرة أكثر وحشية، بعد انتهاء الهدنة الإنسانية. وبرغم أن لكل هدنة طرفين، فقد أوقفها الطرف الأقوى إقليميًا ودوليًا بموافقة أمريكية صريحة. وها هي كاميلا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، تقول في مؤتمر المناخ بأبوظبي، بأن واشنطن تؤيد الأهداف العسكرية للعدوان المستأنف، يترافق مع هذا صمت وخنوع غربي ذليل وقبول عربي خجول.
قبيل استئناف العدوان الثاني، كان انتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، في إسرائيل للمرة الرابعة، وقد اجتمع بقيادتيها المدنية والعسكرية، وأعطى الضوء الأخضر الأمريكي لإسرائيل لإبادة الفلسطينيين وتهجيرهم تطبيقًا أيضًا "لمبدأ الدفاع عن النفس" الذي تحول إلى حق مطلق لدولة الاحتلال تستخدمه متى وكيفما تشاء.
بلينكن ودولته لا ولم ينظرا إلى إسرائيل كدولة محتلة، ولا ولن يقبلا أن يمارس الشعب المحتلة أرضه، حقه في تحرير أرضه والدفاع عن وجوده وتقرير مصيره.
إن من أهداف إسرائيل الحربية، إحداث تغيير ديمغرافي ليتَعادل سكان فلسطين المحتلة مع السكان الصهاينة، 7،3 مليون تقريبًا لكل منهما. إذن، فالحل الصهيوني هو تهجير سكان غزة قسرًا على مرحلتين: الأولى إلى سيناء تحت ضغط القصف الجوي والتجويع والغريزة الإنسانية في البقاء، ووقتذاك لن تستطيع مصر إنسانيًا رفض فتح أراضيها لهم. الأخبار المتداولة تزعم بتطمين مصر بأن سيناء ستكون محطة عبور فقط. الثقة قوية بموقف مصر الذي لا يقبل النزوح القسري، ولا تصفية القضية الفلسطينية عبره. وهنا لا يصدقن أحد ما تقوله إدارة بايدن عن معارضتها للتهجير الجماعي القسري خارج غزة. والسوابق شاهدة وداحضة. بعد هزيمة 1967 عارضت واشنطن الاستيطان، وأعلنت على لسان سفيرها جولدبرج في الأمم المتحدة، أنها لن تعترف به كأمر واقع، ولن تقبل بأي تغيير ديموغرافي في القدس المحتلة التي كانت تتبنى وحدتها مع القدس المحتلة الغربية وجعلهما مدينة مفتوحة، أي عاصمة لدولتين، ثم لم تلبث تدريجيًا أن قبلت الأمر الواقع الذي توج بنقل سفارتها إلى القدس عام 2018. واشنطن لا تعترض اليوم على الاستيطان في الضفة التي تعتبرها أرضًا متنازعًا عليها، وليست محتلة، وتنادي باستيطان ناعم لا يحرجها محليًا ودوليًا، وقد رفضت في الأمم المتحدة، قبل أسابيع، ممارسة الفلسطينيين لحقهم في تقرير المصير.

 

أهداف الحرب الإسرائيلية:

ليس بخاف أهداف إسرائيل الثلاثة المعلنة بُعيد 7 أكتوبر، وهي: 1. القضاء على كل فصائل المقاومة. 2. استرداد الأسرى بدون مبادلتهم بأسيرات وبأسرى فلسطينيين. 3. إنهاء أي خطر مستقبلي، مقاوم، للاحتلال، من غزة، بما يفضي إليه من احتلال مريح غير مدفوع الثمن وأبدي وبغطاء أمريكي. أما الهدف الرابع، وهو معلن أيضًا، فالقيام باغتيالات لقيادات المقاومة في غزة وخارجها. ويرتبط بالرابع هدف خامس هو تشتيت شمل قيادات المقاومة خارج غزة كما فعلت إسرائيل عام 1982 عندما حاصرت المقاومة الفلسطينية في بيروت لأكثر من شهرين، وأجبرت ياسر عرفات والقيادات والكوادر العسكرية والمدنية لمنظمة التحرير الفلسطينية على الخروج إلى تونس واليمن والسودان. وأتذكر هنا ما قاله حينذاك سفير السودان في بلجيكا: "ياه من بيروت إلى وادي مدني"! غدًا غير البعيد قد تحل محل صنعاء ووادي مدني سيدني أو تورنتو أو مسيسيبي أو برمنجهام أو دوسلدروف الخ..

 

أهداف استمرار العدوان:

يوضح أستاذ التاريخ د. أحمد الصاوي، في حديث مع "روسيا اليوم"، أن الهدف الحقيقي لسحق غزة وقتل وتشريد أهلها، هو "التخلص من غزة البشر والحجر، أي مزيج مخيف من 1. الإبادة الجماعية، 2. التطهير العرقي، و3- التهجير القسري".
ويضيف د. الصاوي أن "القضاء على حماس هدف تكتيكي، أما الهدف الاستراتيجي فهو التطهير العرقي الكامل لسكان قطاع غزة".
ثم ماذا بعد؟
لويد أوستن، وزير الحروب الأمريكي، قال بأن أمريكا لن تسمح لحماس بالانتصار، لماذا؟ لأن أمريكا وإسرائيل واحد متحد في الاحتلال والحرب واللاسلم. عربيًا هل نسمح بهزيمتها/ بهزيمتنا؟ الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك، خاطب مجرم الحرب رئيس وزراء بر يطانيا توني بلير، قبيل غزو العراق واحتلاله، قائلًا: ماذا ستقول لليو (Leo ابنه الذي كان طفلًا) عندما تشن حربًا بذريعة القضاء على أسلحة دمار شامل لا وجود لها. وغدًا ماذا سيقول جيل جديد لحكامنا إذاحقق الاحتلال كل أهدافه المعلنة وغير المعلنة في غزة، وبعدها في الضفة؟ حينها عن أي فلسطين سنتحدث؟