أنا محاسن بنت عائشة ود القاش!*

اسمي محاسن عبدالله حسين الحواتي أو محاسن بنت عائشة يوسف سعيد ود القاش أنتمي لفضاءات عدة، فأنا ابنة المغترب اليمني عبدالله الحواتي، من بني حوات من صنعاء.

ولاية كسلا(السودان)
ولاية كسلا(السودان)

ابنة السيدة عائشة ذات الأصول البجاوية.
ولدت في كسلا، حيث تتلاقى كل الثقافات، وتتعايش كثير من الجنسيات (يمنيين، هنود، إريتريين، هوسا، إثيوبيين، صوماليين، مصريين، يونانيين، تشاديين وسودانيين).
كل هؤلاء هم نسيج كسلا الاجتماعي والثقافي الذي عشته لأجد نفسي مختلفة إلى حد كبير.. ذاكرتي اتسعت لكل تفاصيل المكان والزمان والناس، بل والأشياء من حولي.
حفظت كل الأغنيات كمن يحفظ دروسًا هامة، مرغت قدميَّ بتراب القاش، وشربت من الزير حتى ارتويت حبًا.. كحلت عينيَّ بسيدات الشلوخ الست، وذوات الابتسامات الفاتنة، وتلقحت بالثوب رغم صغر سني آنذاك، حتى أتنفس رائحته التي تشعرني بالدفء والمحنة.
كان لي انتماء خاص لغرب القاش، وعشق أعظم للمكان وأهله. وبعد سنوات من فراق غرب القاش، كتبت روايتي التي تحمل نفس الاسم "غرب القاش"، والتي صدرت في لندن عن دار اكتب، عام 2019م. الرواية ترسم الحي العتيق وسماحة أهله، تصور المدمنين للعرقي، وحفلات الأعراس التي كانت ملتقيات للرقص والموسيقى وأغاني الدلوكة. الرواية عبرت عن التعايش السلمي بين القبائل والجنسيات والديانات.. غرب القاش العولمة قبل أن تخلق العولمة.. أتمنى أن تجد روايتي طريقها للقارئ العربي والسوماني والسوداني.
إن أهم أسباب تعلقي بغرب القاش والسودان عمومًا، كانت أمي، الله يرحمها، التي دأبت على التعريف بالسودان قديمًا وحديثًا، وبكل فخر ومحبة، كانت تحكي وتسرد، سيدة من زمن الوداعة والجمال.. أفتقدها كثيرًا، وأفتقد جلساتنا في صنعاء عندما (تخور) عشاء (كبدة) في مطعم الشيباني، أو عندما تصر على تناول المفروكة في سوق النسوان بكسلا، وعندما نمشي (كدارى) من حي العمال إلى غرب القاش، وسط السواقي، ونحن نستعيد كل ذكرياتنا هنا وهناك.
غرب القاش وأمي توأمان أحبهما، ونهر القاش ضلع ثالث سقى قلوبنا بحنان ومودة، وكسلا المدينة نتلحف بفيضها ورونقها، ونغني للجمال كما هي مدينة الجمال، وقد قلت فيها:
الما زار بلدنا ما عرف المحنة

ولا دقولوا ريحة ولا قالوا له ابشر

الما زار بلدنا ما عرف الضريرة
ولا ذاق السعادة
ولا ربطوا ليه الحريرة
ولا سار ليه سيرة..
يا كسلا الجميلة.. يا أجمل مدنا
يا أروع حكاية..
يا خضرة جنانا يا أنضر نضيرة..
قلت الكثير في كسلا، ولكن لا يحضرني إلا هذه الكلمات..
في ختام حديثي، أشكر للدكتور العزيز زعيم السومانية نزار ابن البروفيسور العلم محمد عبده غانم، وللفريق الذي قام بهذا العمل الجليل، لكم أيها الجنود المجهولون عززتم من مكانة السومانية، وأبرزتم دورها في البلدين السودان واليمن... وللسودان حكومة وشعبًا، نرفع القبعات، فنحن الجيل الذي ولد وتربى وتعلم في السودان، ولم نسأل إن كنا يمنيين أم سودانيين. عبرنا وكبرنا ونحن نعيش "السومنة" منذ الصغر. كنت أرى جيراننا الشوايقة وهم يسافرون البلد سنويًا، ويأتون بالبلح والرقاق وأشياء كثيرة أخرى. وأسأل أمي: متى نروح البلد يمه، ونجيب البلح والحاجات. لم تقل لي إننا يمنيون، ولا بلد لنا في هذا البلد، بل كانت تعدني خيرًا. وإلى اليوم وأنا أنتظر متى أروح البلد...؟ قصة طريفة أليس كذلك؟!
السومانية قبيلة، شعب من نوع خاص، قومية في طريقها إلى التشكل، لكنها ليست أقلية، بلدان تداخلا حتى النخاع، وولد أناس غريبو التكوين بثقافة غنية ذات أبعاد متعددة، لا تحكمهم قوانين الإقامة والجنسية، فهؤلاء هم القادمون بقوة من رحم الإبداع والعطاء.
ختامًا، لكم مني التحية والتقدير. لكم مني الشكر والتبجيل.

وللقائكم هذا كل التوفيق والنجاح.

*المقال عبارة عن رسالة للكاتبة محاسن الحواتي إلى الدكتور نزار غانم في٢٠٢١