ليس هذا مجرد تركيب لفظي يجمع بين اسمين لأهم تنظيمين في الكفاح الفلسطيني المعاصر ، فتح وحماس، بقدر ما هو تعبير عن الضرورة الملحة لوحدة الكفاح الفلسطيني التحرري بين أهم جناحيه في الساحة الفلسطينية، بعد كل هذه المراحل وما رافقها من مكاسب وخيبات مريرة، وبخاصة أمام مرحلة ما بعد أحداث غزة الأخيرة وتداعياتها على كل الساحات الوطنية والقومية والدولية، من خلال تقييم جريء وخلاق لكل ما اتسمت به هذه الأحداث من أبعاد ونتائج سلبًا وإيجابًا، وبخاصة ما استثارته من زخم عالمي أعاد قضية حرية فلسطين إلى صدارة اهتمام الرأي العالمي بأسره.
التنظيمان االمذكوران هما حقًا الطرفان الرئيسيان لأية معادلة لعمل فلسطيني تنتظره مهام جسام نحو التحرر الفلسطيني بعيدًا عن أي اختلاف في التوجهات الأيديولوجية التي لا مبرر لها في الظرف النضالي المعني، بل لا غلو في القول إنها تشكل عائقًا وضررًا لأهداف التحرر والخلاص من حالة الاحتلال والشتات لشعب أسرفت معاناته.
دون أدنى شك، كانت فتح رائدة العمل الفلسطيني التحرري المنظم الذي بدأته من خلال ما عرف بالعاصفة منتصف الستينيات من القرن الماضي، ثم أصبحت في ما بعد العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي سرعان ما نالت اعترافًا عربيًا ودوليًا بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني بما كانت تعنيه هذه الصفة من استقلالية القرار عن التدخلات العربية السلبية في الشأن الفلسطيني.
وأما استقرار المنظمة في بيروت، فقد وفر لها أفضل الظروف لتصبح معها لا حاضنة لكل فصائل العمل الفلسطيني فقط، بل لتصبح قوة عالمية في حركة التحرر الوطني بشكل عام. فيما توسعت حركة فتح وظلت عصب المنظمة. في لبنان تمكنت المنظمة من بناء مؤسسات شملت مختلف ميادين النضال السياسي والاجتماعي وحتى الثقافي والفني والإعلامي، وصار لها استثمارات مالية في عدد من مرافق الاقتصاد. بالمختصر فقد تمكنت من تكوين نوع من وطن بديل، إن جازت العبارة، للشتات الفلسطيني، وبما يجمعه بالداخل في مسارات كفاحية متكاملة.
لكن المنظمة لم تلبث أن تلقت ضربة قاصمة بإخراجها من لبنان تحت وطأة الغزو الإسرائيلي السافر للبنان وحصاره حتى خروجها عام 1982 بتواطؤ عربي وعالمي مكشوفين. وإذ كادت لاحقًا أن ترد الصاع صاعين لإسرائيل من خلال إدارتها لأهم وأقوى انتفاضة فلسطينية في الداخل، إلا أنها للأسف وقعت في خديعة مسارات السلام سواء مرغمة أو مضطرة، فكانت الخطيئة الفادحة بالوقوع في شرك اتفاقية أوسلو التي وضعت حدًا للانتفاضة العظيمة، وبالتالي فقد قتلت المنظمة نفسها بنفسها.
وفي المجمل، كانت تلك هي الظروف التي شهدت تلاشي وخفوت دور منظمة التحرير، ومعها بالطبع حركة فتح، التي انغمست كذلك في سراديب مغريات السلطة حتى صارت بها لا جزءًا من النظام الرسمي العربي فقط، بل من المحزن أنها استدارت ناكرة تاريخها المقاوم كذلك، فباتت أقرب لأن تكون وكيلًا لسلطة الاحتلال. بالمقابل كانت هذه الظروف نفسها هي التي شهدت أيضًا تصاعد وتنامي قوة حماس في غزة ومناطق عدة من الضفة الغربية وأراضي 48، وبما في ذلك مناطق الشتات، والتي تلاحمت مع سائر فصائل العمل الوطني الفلسطيني الرافضة لمنطق مسارات أوسلو، والمقيمة على نهج المقاومة، وصولًا إلى أحداث غزة الأخيرة المعروفة بطوفان الأقصى، والتي تعد بكل المعاني انعطافًا تاريخيًا كبيرًا بالنسبة للقضية الفلسطينية، وربما تمتد تأثيراتها على نحو أوسع يعيد معه الصراع العربي الإسرائيلي إلى المشهد السياسي لمنطقتنا عامة. ولكن هذه المرة، وهذا مظهر مهم للغاية ملاحظته، هذه المرة ليس بإدارة النظام العربي الرسمي، بل بإدارة محور المقاومة الذي أخذ بالبروز والتصاعد منذ نتائج حرب تموز 2006 على لبنان.
وفي هذا السياق تحديدًا، قد يتضح أكثر المغزى من عنونة هذا الموضوع بـ"فتحماس"، وهو إنما أتى انطلاقًا من أمرين اثنين:
الأول يتمثل في كون القضية الفلسطينية هي المحرك والمبرر لنشوء محور المقاومة في أكثر من بلد عربي، بعد أن تخلى عنها النظام العربي الرسمي، وأسقطها من أجنداته، ملحقًا الضرر الأكبر بالأمن القومي العربي لكل بلدان المنطقة العربية.
الثاني يكمن في أهمية تقارب هذين التنظيمين اللذين يمثلان كفاح الشعب الفلسطيني ماضيًا وحاضرًا. وليس من قبيل المثالية أن نشير إلى أن هذا يعد أعمق ما طرحته حرب غزة الأخيرة من استنتاج على عاتق الشعب الفلسطيني وقراره المستقل تجاه قضيته الكبرى، وهذا ما يقتضي من التنظيمين حماس وفتح تجاوز كل سلبيات وانحرافات العلاقة الماضية بينهما.
على فتح أن تخرج من شرك خطيئة أوسلو وتفاهة سلطته القابعة في رام الله تحت حراسة المحتل الغاصب، وأن تستعيد ذكرى العاصفة الأولى من كفاحها الرائد.
كما وعلى حماس أن تجد طريقًا لتصحح خطأها الكبير وغير المقبول مع سوريا، والمتمثل بطعنها من الظهر للبلد الوحيد عربيًا الذي دعمها واحتضنها، وجعل من عاصمته مقرًا يؤويها حين تخلى عنها كل العرب، ورفضوا حتى استقبال مبعوث منها. ونذكر هذا تصريحًا ليس من باب المعاتبة، وإنما لأهميته في شأن ثبات وصمود وتنامي قوة محور المقاومة برمته، وفي قلبه ممثلو القضية الفلسطينية. كيما يستعد الجميع للاستحقاقات القادمة حتمًا، ذلك أن ما بعد حرب غزة الأخيرة ليس كما قبلها، فالعدو أصابه جرح بليغ في كيانه، ورفعت هذه الحرب عنه كل قناع أخلاقي وحضاري، ولن يقف هو وأربابه في الغرب متفرجين على ضياع قاعدتهم الاستعمارية في الشرق العربي!