أسامة الغزالي حرب: صحوة بعد طول غفوة

د. حرب يساري مصري سابق. كتب مقالا يعبر عن توجههه السياسي في الصحيفة الحائطية لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة قبل تخرجه عام 1969 من قسم العلوم السياسية وصف فيه لبس "الميني جيب" الذي كان شائعا، ولااعتراض عليه اجتماعيا أو دينيا،من قبل الطالبات وغيرهن ب "الظاهرة الطبقية".

بعد اوسلو كان من جماعة كوبنهاجن المصرية - الإسرائيلية- الفلسطينية - الأردنية التي زعمت في إعلان كوبنهاجن في 30 يناير 1997 أنها تعكس إرادة أغلبية الشعوب العربية وأنها تتطلع إلى وضع حد للصراع العربي الإسرائيلي وإقامة سلام وتعاون إقليمي الخ...خلت أسماء المؤسسون من إسم د. حرب ولكنه آمن بالرسالة ربما إلى ماقبل اعتذاره قبل أسبوع. كان من الجماعة ليس على سبيل الحصر :

من مصر، لطفي الخولي ومراد وهبة وصلاح بسيوني وعبد المنعم سعيد. ومن إسرائيل، ديفيد كمحي وشلومو بن عامي ومن فلسطين، مروان البرغوثي ورياض المالكي وسِري نسيبة ومن الأردن عدنان عودة.

انضم إلى من سبق ذكرهم من مصر د. حرب وعلي سالم ود. سعد الدين إبراهيم وغيرهم. ويمكن القول أن حسن النوايا بالعدو كان المحفز للعرب في تلك الجماعة التي توهمت بأنها ستحقق السلام العادل وفق مبدأ السلام مقابل الأرض الذي نسفه نتنياهو واستبدله بـ"السلام مقابل السلام" قبل سنوات قليلة بعد استقوائه بما حققه الرئيس الامريكي ترامب لإسرائيل من تطبيع جديد ونقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة "بشرقها وغربها"- نعم المحتلة بشرقها وغربها وفقا لقرار التقسيم الذي منح المدينةالمقدسة كلها وضعا خاصا - واعترافه بضم دولة الاحتلال للجولان العربي السوري المحتل. طموح الجماعة عبر عن جهل أو تجاهل أو عدم قراءة للعقيدة التوسعية الصهيونية الاستعمارية القائمة على إنكار كل حقوق الفلسطينيين في وطنهم.

وينسب لأسامة حرب أسبقيته في صكّه قبيل اجتماع للجماعة في عام 1997 بالقاهرة مع نتنياهو إسما للأخير لايزال يتردد هو "النتن ياهو" ولقد قيل وقتذاك أن نتنياهو علم به وذكّر المشاركون به في نفس اللقاء بدون أن يشير إلى المصدر.حينها تراجع عمرو موسى في آخر لحظة وهو وزير خارجية مصر عن حضور اجتماع آخر للجماعة عندما شعر بقوة المعارضة المصرية للجماعة و للتطبيع الذي لم يأت على ذكره د. حرب في اعتذاره. المعارضون كانت لهم قناعات راسخة مخالفة خلاصتها عدم الثقة بنوايا إسرائيل السلمية وبقبولها التسليم بحقوق الشعب الفلسطيني. انهارت جماعة كوبنهاجن

كما انهارت أحلام تحقيق السلام مع طرف ينبذه ويعمل بكل السبل على عدم تحويله إلى حقيقة على الأرض لأنه ككيان حربي وتوسعي واستعماري ووظيفي قائم ايديولجيا على إنكار كافة حقوق الفلسطينيين حتى في ال 22% من جغرافيتهم التاريخية التي قبلوها بعد عام 1967 لوطن ودولة.

وهذا أقل بكثير من 50% من الأرض التي حددها لهم قرار تقسيم فلسطين رقم 181 الصادر عام 1947.

ومع التقدير لموقف د.حرب فلابد من القول أنه كان عليه مراجعة نفسه في وقت مبكر جدا جدا في ضوء شن إسرائيل لستة حروب ضد غزة لم تخل من مجازر وارتكابها لمجازر أخرى ضد الفلسطينيين واللبنانيين في غزة ولبنان وضمها للجولان ونقل عاصمتها إلى القدس المحتلة كمجازر صبرا وشاتيلا و قانا والنبطية وتدمير جنوب لبنان عام 2006 وقمعها الدموي اليومي لفلسطينيي الضفة المحتلة وتوسعها الاستعماري فيها واعتداءتها المتكررة على سوريا ورفضها منذ عام 2014 وبقيادة نتنياهو نفسه استئناف مباحثات السلام مع السلطة الوطنية الفلسطينية لزعمه بعدم وجود شريك فلسطيني بالتزامن مع إضعافه المتعمد والممنهج لوظائف السلطة الفلسطينية وسعيه لإدامة الشرخ الفلسطيني بين رام الله وغزة واتهامه لها بالضعف وحصاره لغزة لمدة 17 عاما الخ..

كل ماسبق كان حريا أن يغير موقف د. حرب من إسرائيل بنسبة 360 درجة وأن لاينتظر أن "يبهحنا بصحوة ضمير"، بعد نصف قرن ثم بعدأكثر من ستة أسابيع على حرب دولة الاحتلال ضد غزة وسكانها وعقابها الجماعي الذي لم تقم به قبلها سوى النازية وتدميرها ل 60% من مساكنها ولمعظم مستشفياتها ومؤسساتها وبنيتها التحتية وتهجيرها القسري تحت تهديد السلاح لمليون وأربعمائة ألف فلسطيني من جنوب القطاع إلى شماله توطئة لتهجيرهم قسريا إلى سيناء وتوطينهم فيها، في وطنه، وقتل أكثر من 14000 من سكانها من بينهم 6000 طفل.

لقد علم د. حرب قبل يقظته بسجن رفيقه في الجماعة مروان البرغوثي الذي يقبع في سجن إسرائيلي منذ عقدين وكان عليه حينئذ واجب الاعتذار المبكر لشعبي فلسطيني ومصر ولمعارضي التطبيع الذين كانوا في الجانب الصحيح ولكل الشعوب العربية.مما جاء في مقاله الاعتذاري في أهرام 21 نوفمبرالجاري " هذا إعتذار أعلنه كواحد من مثقفي مصر والعالم العربي بعد نصف قرن من المعايشة والدراسات والأبحاث وقد تابعت بعد سخط وألم جرائم غزة التي يندى لها جبين الإنسانية، أقول إني أعتذر عن حسن ظني بالإسرائيليين الذين كشفوا عن روح عنصرية إجرامية، أعتذر لشهداء غزة ولكل طفل وإمراة ورجل فلسطيني..إني اعتذر".

الاعتذار لايخلو من القيمة والعبرة وهو رسالة لمن لايزال يتوسل شرب لبن العصفور من إسرائيل، وياليت تعي درس واستخلاصات المعتذر دول ومنظمات وأفراد وتحذو حذوه أو تقترب من موقفه ومن هؤلاء من وصف مذابح إسرائيل باللا إنسانية وهجمات حماس التحريرية في 7 اكتوبر المجيد بالبربرية والإرهابية..