فيصل علي عبدالله: الشكليتي

المخرج فيصل علي عبدالله
المخرج فيصل علي عبدالله (صفحة سعيد علي عولقي على فيسبوك)

آح يا قلبي عليك، والله ما بكش سخاء يا عدن.. خلاص، باروح لي، اشتي ارقد لي ملآنة عيني.. ابن علي عبدالله الدرزي، الملقب الشكليتي، هو أبو صاحبي صديق العمر الطويل فيصل.. فيصل علي عبدالله!! بس لكن كيف عرفته.. هذا الفنان المتقلب، المزاجي، المبدع في إخراجه، وفي صحبته وفي مزاجاته.

المخبز اليوناني في عدن
المخبز اليوناني في عدن (أرشيف سعيد عولقي)

كنت من بين المدعوين للاحتفال بمرور سنة على افتتاح تلفزيون عدن، سنة 1965م في المبنى القديم الأول فوق التل بالتواهي، حفل عصراني، يعني ساعة العصاري، حفل كيك وشاهي، الكيك الأفخر في عدن للمخبز اليوناني (انظر الصورة) والشاهي كان المتعهد بتقديمه صاحب مقهى عبدان، بكريتر، وفيصل كمان كان معزوم، عاده إلا واجي طري من القاهرة حيث بعث به أبوه على نفقته الخاصة ليدرس الإخراج المسرحي هناك.. وراح، ودرس، ورجع لفت نظري بشياكته، بالذات بالكوت المفصل في أحلى شياكة على يد أبوه الشكليتي.

فيصل كان أول خلفة الشكليتي حبة العين، منشان كذا كان أبوه ولا يرجع له طلب، لقبوه بالشكليتي بسبب سمار جسمه مثل أهل بلاد بنارس الهنود.. كانت بطانة الكوت من الحرير المزركش أيامها.. ودققت النظر لأنه كان هذا سبب التعارف بيننا.. مع الزحام دلقت الشاي من فنجاني على جاكتته الأنيقة، قال: "ايش سويت عقرت الكوت الجديد لك جني يشلك".. وكانت تلك العبارة التي قالها لي بسبب الشاي العبداني اللي دلقته على حقه الكوت هي فاتحة صداقة طويلة امتدت بيننا إلى آخر نفس في حياته!

أنا فتى الفتيان سالم، نضالي هو تاريخي.. وبالمسدس تعرفوني.. نطقها على المسرح حين مثل دور سالم ربيع علي أيام الكفاح المسلح في مسرحية "رجال الجبل" واراد اخراج المسدس لكنه سقط منه على أرض الخشبة.. وكانت فضيحة مسرحية صغيرة.. وكان سالمين حاضراً.. وضحك.. وكنت كذلك حاضراً مع بقية الزملاء، ولم أضحك.. تدارك فيصل الموقف بلباقة وانحنى.. التقط المسدس وقال "إذا سقط المسدس فشجاعة الرجال لا تسقط".. أي كلام والسلام..

ومشى الموقف، كان فيصل هو المخرج، وكذلك الممثل، وكان مقرباً من سالمين، فتى الفتيان.. قدم ذلك العرض في خشبة أقيمت في صهاريج الطويلة.. ومن بين طاقم الفرقة كانت الفنانة ماجدة نبيه، وجمعت بينهما علاقة حب تزوجها خلالها.. واهداه سالمين الفين شلن هدية زواج، واوصى وزير الاسكان الاول ناصر ياسين بصرف بيت في الوحدة السكنية التي اكتمل بناؤها في كريتر.. وقد كان.. لكن البيت لم يكن مكتمل الأثاث، وفيصل كان من النوع المزمبل للدنيا كما نقول.. ولم يهتم، لكن الزواج تم في بيت اهل العروسة بالخساف لما يفتح الله ويشتري اوبل.. اسف، قصدي يشتري اثاث.. ولما لما، يبقى.. عليك يا باري عليك..

كانت العروس، ماجدة، زميلة عمل معنا في مؤسسة 14 اكتوبر، في قسم الادارة والمحاسبة، عند كبير المحاسبين شهاب.. وهي فتاة جادة ومثابرة، لكن صاحبنا ابن الشكليتي كان مزمبل للدنيا.. وبقي البيت خالياً من الاثاث الا من بعض الكراكيب اخذها من بيت اهله في المعلا.. ثم سعينا معه عند المقاول الكبير الذي بنى الوحدة السكنية، وامتلك مصنعاً للاسفنج، وهو الاحمدي، فتكرم لنا بعدة فرشان من الاسفنج.. لكن الناس لا يزمبلون للدنيا في كل امور الحياة.. هناك امور لابد من الجد والاجتهاد لنيلها..

مع الأستاذ الكبير عبدالله باذيب تم تعيين فيصل مديراً للمسرح بوزارة الثقافة.. ومع ذلك لم تكف البيستين التي يتقاضاها كمرتب لحل مشكلة التأثيث واستقرار الحياة الزوجية.. فحدث الطلاق وله من ماجدة ولد وبنت.. وشقت هي طريقها في عالم الفن لتصل إلى مكانة مرموقة وفنانة مشهورة.. وكُتب لها نصيب جديد للزواج من الفنان المعروف أحمد فتحي.. وسافرت معه إلى الإمارات حيث كان أهلها يقيمون.. وأغلقت صفحة كانت القلاقل والاحتياج المعيشي ينغصها، خاصة وان البيرة التي كان فيصل يحبها، كانت تقتطع من دخله الكثير.. علاوة على مبلغ مقرر تقتطعه المحكمة من راتبه كنفقة لبنت أنجبها من زواج سابق على زواجه من الفنانة ماجدة نبيه.. وقع فتى الفتيان في حيص بيص.. لولا ان الاستاذ عبدالله باذيب الذي يعامل رعايا وزارته وكأنهم ابنائه لأقدم ابن الشكليتي على الانتحار.!!

أرسل وزير الثقافة عبدالله باذيب فيصل علي عبدالله الى الاتحاد السوفييتي لدراسة المسرح، وهناك اختير للدراسة في معهد فني للمسرح في مدينة كييف عاصمة اوكرانيا التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي.. وقال انه لم يتقن من لغة تلك البلاد غير عبارة: "لينين اسكازال!! "ومعناها كما قال لي: قال لينين!! واضاف انه اقلع عن تعلم اللغة الروسية عندما عرف ان القلم الرصاص يسمى في تلك اللغة: كرندش!!

وقد اغضبه هذا كثيراً.. فوجه كل اهتمامه الى شرب الفودكا كما يفعل كثير من المبعوثين الى تلك البلاد.!! وانضم اليه هناك المذيع الشهير عبدالرحمن ثابت.. وكان يواسيه بالزيارة دائماً الصديق عبدالرحمن خبارة الذي كان ايضاً في بعثة دراسية هناك

وبمناسبة فوز لاعب رياضي سوفييتي بميدالية شرف.. قررت الشلة الاحتفال وشرب الكثير من الفودكا مع لحم مجفف يسمونه الكالباصه.. وتولى فيصل مهمة نزول التل من حيث كان سكنهم للذهاب الى السوق "الماجازين" كما يقولون لشراء الفودكا وكانت الثلوج تغطي كل شيء بكثافة وغزارة غير مسبوقة.. ومع نزوله تزحلق ابن الشكليتي فوق الثلج الى ان وصل سفح التل.. ومع انه لم يصب بأي اذى، الا ان الناس السوفييت أصروا على اخذه لمصحة طبيه للفحوص والاطمئنان على سلامته.. ومع هذا لم يكن تزحلق فيصل من فوق الى تحت يهمه في شيء، بقدر ما كان يهمه تأجيل حفل الفودكا المنتظر مع الكالباصاه..
اح يا فيصل صدقت في قولك آح.. والله ما فيبكش سخاء يا عدن.