ضميرنا المجنح

الأستاذ عبدالباري طاهر
الأستاذ عبدالباري طاهر

الذاكرة المفعمة بالتجدد، صاحب الوعي النقابي الذي لا يختلف أحد حوله، والمرجعية الوطنية المقاومة التي لا تتشوه على الإطلاق.. ضميرنا المجنح على الدوام في نقابة الصحفيين، والاستثنائي الصلب بمواقفه المناصرة للحريات وللحقوق، كما هو مضادنا الحيوي ضد أمراض التشيؤ والتزلف والبيع.

فيض التلقائية الآسرة في الحياة، وتجليات الجاذبية العصامية، وكاريزما النقاء النوعي، ملتحمًا بالبياض حتى حدوده القصوى. ومازال كما هو ذلك العنيد الطيب.

تبدلت مواقف كثيرين خضعوا لمنطق تحولات المراحل وماديتها وفهلويتها، لكنه ظل مخلصًا لعنفوان أحلامه كما لو أنه القديس الصعب.

الماركسي الذي تأسس على نحو فقهي بشكل مثير للإعجاب، ولقد أخذ على عاتقه تعزيز مفهوم التسامح قولًا وممارسة.

الماركسي الليبرالي خارج نطاق التصنيف الجاهز والأحزاب الهرمة، بل أبعد عمقًا وأعلى قيمة من مفهوم المثقف العضوي أيضًا.

تعلمت الصعلكة ومعانيها العضوية الثقافوية في الشعر الجاهلي من الأستاذ. كان حين يتجلى يلقى قصائد معتقة.

ذات مرة كنا والشاعر العراقي الكبير عبدالكريم كاصد والعزيز منصور هائل والأستاذ علي السقاف والجليل قادري أحمد حيدر.. حكى لنا قصته مع المعوز "المقطب" الذي يفضله كرداء يومي، ثم قصة رحلته من المراوعة إلى مكة يافعًا.

لكنه المتمرد. كان يقول لي فين أعمال خالي القاص الراوي الراحل المؤسس لاتحاد الأدباء عبدالباقي شاهر؟ يجب أن تطبع.. كان ذاك حزب طليعة وذاك حزب عمل.. سبعينيات.. سجن وعلم السجناء. اكتفى من هاشميته بالتواضع الجم وبساطة المثقف الحقيقي، بمثاليةٍ متقدة، ممتلئًا جدًا من الداخل، ومنفتحًا في كل ذلك على إنسانية الإنسان باعتبارها ضالته التي لا نظير لشغفها.

إنه فارس معركة الحداثة في اليمن الأول شهمًا ونزيهًا، لا يميز بين الإنسان والإنسان بمختلف تمظهراته على الصعيدين الفكري والروحي، وهو المعتز بتهاميته، بينما على استعداد دائم لقولة الحق، حتى إن مقولاته ستظل تتردد، خاطفة في الذهن، ومستقرة في الروح، ومهيجة للمعنى، لأنها نابعة من صميمه العميق غير المزور على الإطلاق.

يا لقيمته التنويرية التي ستبقى ملهمة لعديد أجيال، ويا لبسمته الجموحة العصية على التدجين كذلك.

الأستاذ الأعز عبدالباري طاهر.