الانحياز الأعمى

من يتأمل مواقف واشنطن من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الممتد منذ العام ١٩٤٨، لا يجد صعوبة بالقول بانحيازها التام والمطلق لإسرائيل، فقد اعترفت بها بعد سبع دقائق فقط من إعلان قيامها بالمخالفة للقانون الدولي.

ومنذ لحظة قيام إسرائيل وإلى يومنا هذا، وأموال دافعي الضرائب تتدفق على تل أبيب، في صورة معونات عسكرية واقتصادية تتجاوز الأربعة مليارات دولار سنويًا، هذا في ظل الظروف العادية، أما في حال الحروب والأزمات فكل إمكانيات واشنطن تكون تحت تصرف تل أبيب، فخلال أسبوعين فقط منذ اندلاع الأزمة الحالية رست حاملتا طائرات قبالة السواحل الإسرائيلية.
وللأسف لم تكتفِ واشنطن بهذا التحيز الأعمى، بل إنها فقدت حيادها تجاه مبادرة السلام التي رعتها بين إسرائيل والفلسطينيين، والتي بموجبها قبل الفلسطينيون بـ٢٢% فقط من الأراضي المحتلة، ليقيموا عليها دولتهم المستقلة، فبعد عشرين عامًا منذ التوقيع على اتفاقية أوسلو، لاتزال إسرائيل تحتل الضفة الغربية، وتقيم المستوطنات فيها وفي جيوب غزة، وتمارس القتل اليومي والحصار والإذلال الجماعي للشعب الفلسطيني، فضلًا عن حروبها المستمرة على قطاع غزة، والتي تستعصي على الحصر،  دون أن يحرك كل ذلك من واشنطن ساكنًا.
وهذا الحال لواشنطن هو ذاته في ما يتعلق بأجهزة القانون الدولي ومنظماته، فقد مضت -ولاتزال- في مناصبة العداء للشعب الفلسطيني، وذلك من خلال استعمال سلطتها في تعطيل أية محاولات أممية لإدانة فظائع إسرائيل وجرائمها ضد الإنسانية، والتي تستعصي على الحصر، وتطفو على واجهتها مجزرة مدارس الأونروا عام ٢٠١٤، والتي ذهب ضحيتها ٤٤ مدنيًا على الأقل، بينهم عشرة من موظفي الأمم المتحدة، ثم مجزرة المستشفى المعمداني التي قتل فيها ما يراوح ٥٠٠ شخص، أغلبهم من الأطفال.
وأمام كل ما سبق، فمن حقنا كمواطنين أمريكيين أن نستنكر وندين سعي  الحكومة إلى جر الشعب الأمريكي إلى الإيمان بأمر يتنافى مع فكرة العدالة التي تعد الركن الأساسي الأول للدستور الذي يوصف بأنه أعظم دساتير الأرض، والذي بفضله أصبحت الأنظار تصوب تجاه واشنطن عقب حدوث أية جرائم أو فظائع إنسانية.