الحكومة تمنح شركة إماراتية ثلث الثروة النفطية مقابل الحماية

صورة رمزية لمهندسين يعملان في احدى حقول النفط
صورة رمزية لمهندسين يعملان في احدى حقول النفط

على طريقة بيع النفط المسروق في كل من العراق وسوريا، اهتدت الحكومة اليمنية إلى حل لتصدير النفط الخام، أهدرت بموجبه مئات الملايين من الدولارات من موارد الدولة التي يعيش نحو 80% من مواطنيها تحت خط الفقر.

وكشفت مذكرة وجهها رئيس مجلس الوزراء معين عبدالملك، إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي د. رشاد العليمي، عن نهب منظم للثروة النفطية في اليمن، برعاية رسمية، وتحت أنظار الشرعية.

مذكرة موجهة من رئيس مجلس الوزراء معين عبدالملك، إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي د. رشاد العليمي
مذكرة موجهة من رئيس الحكومة إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي د. رشاد العليمي

وفي تفاصيل المذكرة التي حصلت "النداء" على نسخة منها، فإن وزارة النفط والمعادن، اتفقت مع شركة "إيمو"، ومقرها في الإمارات، على شراء النفط اليمني، بخصم يتراوح بين 30% و35%، مقابل "توفير الحماية الأمنية اللازمة لتصدير النفط الخام، وتحمل كافة المخاطر والتبعات لعملية التصدير"، وفقًا لمذكرة الحكومة التي اعتبرت هذا الهدر أفضل الخيارات المتاحة لاستئناف تصدير النفط المتوقف منذ نحو عام جراء الهجمات الحوثية.

وفقًا لعرض الشركة، تبيع الحكومة اليمنية، كامل الكمية المتوفرة في خزانات حضرموت وشبوة، والمقدرة بـ3.5 مليون برميل، للشركة الإماراتية بخصم 35% من سعر برنت العالمي، فيما تبيع 14.5 مليون برميل من الإنتاج المستقبلي لذات الشركة بخصم 30% من سعر برنت العالمي.

وبحسبة بسيطة، تهدر حكومة معين عبدالملك في هذه الاتفاقية نحو 5.8 مليون برميل، بقيمة إجمالية تصل إلى نحو نصف مليار دولار.

سمعنا عن بيع النفط الأحوازي المنهوب، وعن تورط تنظيمات إرهابية ودول في بيع النفط المسروق في كل من سوريا والعراق وإيران، لكن ربما هي المرة الأولى التي نرى فيها حكومة شرعية تبيع نفطها كما لو أنه مسروق.

هي المرة الأولى أيضًا التي نسمع فيها عن حكومة تستعين بشركة نفطية أجنبية لحمايتها وتأمين عمليات تصدير ثروتها النفطية.

الحكومة ساقت عددًا من المبررات في مذكرتها المرفوعة للعليمي، منتصف يونيو الفائت، لكن لا شيء مما ذكرته، يمكنه تبرير هدر أكثر من ثلث الثروة النفطية.

قالت الحكومة إنها لجأت لهذا الحل، لتفادي الوضع الاقتصادي الحرج الذي تعيشه البلاد، ومخاطر الانهيار جراء التراجع الحاصل في إيرادات الدولة، وتراجع العائدات الضريبية والجمركية، وانعكاسات ذلك على قدرة الدولة على القيام بالتزاماتها الأساسية في تقديم الحد الأدنى من الخدمات وتأمين الرواتب بصورة منتظمة، فضلًا عن التدهور الخطير في سعر العملة المحلية التي تراجعت بنحو 30%، في الأشهر الثلاثة الأولى التي تلت استهداف الحوثيين لقطاعات النفط.

ساقت الحكومة الكثير من المبررات الأخرى، وطلبت من رئيس مجلس القيادة الرئاسي، التوجيه باعتماد عرض الشركة الذي وافقت عليه اللجنة العليا لتسويق النفط الخام بالإجماع.

أن تفكر الحكومة بكل أجهزتها وكوادرها وخبرائها، بحلول كهذه لتفادي واقع اقتصادي متأزم، فتلك معضلة حقيقية يجب الوقوف عليها، والبحث عن سبب هذا العقم في إيجاد معالجات منطقية لواقع اقتصادي متدهور، دون المساس بالثروة السيادية للدولة، وتقاسمها مع آخرين.

كما أن الصفقة تثير الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفسار، عن موانع تصدير النفط المتوقف منذ عام. فإذا كان ميناء التصدير تعرض للقصف من قبل مليشيات الحوثي، فكيف ستتمكن الشركة الإماراتية من التصدير؟

وإن كان وصول السفن إلى موانئ تصدير النفط في اليمن أمرًا صعبًا، جراء التهديدات الحقيقية بالاستهداف من قبل الحوثيين، فما الذي ستقوم به هذه الشركة لوقف المخاطر ومنع الاعتداءات؟ ولماذا لا تقوم الحكومة اليمنية بذات الخطوات والإجراءات طالما وأن تصدير النفط ممكن؟

أسئلة كثيرة تحتاج إلى توضيحات من قبل الحكومة للرأي العام، مثلما تحتاج إلى تدخل من قبل البرلمان وكل أجهزة الدولة المعنية للوقوف أمام هذه المواضيع التي تضعف مركز الحكومة الشرعية أمام المجتمع الدولي، وقبل ذلك أمام مواطنيها الذين يتضورون جوعًا، بينما تحظى شركة إماراتية بنصف مليار دولار من ثروة سيادية، لا يمكن هدرها بهذا الشكل تحت أي ظرف.