لا للمخطط الاستعماري.. غـ زة بدون حمــ اس وتغيير خريطة المنطقة

عندما أعلن نتنياهو رئيس وزراء دولة العدو والعدوان المستدام، أن كيانه بعد عدوانه على غزة سيغير خريطة "الشرق الأوسط"، أي خريطة الوطن العربي، صمت العرب، ولم يقولوا لا. قبل هذا قبلوا استبدال  مصطلح جيوسياسي يعبر عن هُويتهم الجامعة، هو "الوطن العربي" ب-"الشرق الأوسط". ثم تدريجيًا استمرأوا استخدام كلمة دخيلة هي "الإقليم"، لتمييع الانتماء العربي إلى  كتلة جغرافية وبشرية متميزة ثقافة وقيمًا وتاريخًا.

قادتنا وجامعتنا العربية استهوتهم كلمة "الإقليم" حتى إن أحدهم نزع عن قضية فلسطين عروبتها، وسماها "القضية الإقليمية". تكمن مشكلتنا أحيانًا في ضعف الهُوية والثقافة العروبية، بخاصة من قبل بعض وليس كل من تعلموا في جامعات غربية ولا يجيدون لغتهم ويتبوؤون مراكز وظيفية عليا، ويصنعون قرارات. وبشكل عام فكبوتنا شاملة، ومن مظاهرها تدهور استخدام اللغة العربية، وتسمية جامعات ومدارس بأسماء لا تنتمي إلى لغتنا، ومحتواها التعليمي يفسد العقول والهُوية. إن هذه أولى خطوات الانجرار التدريجي إلى التبعية الشاملة.

عندما أعلن نتنياهو عن سياسته التي لا تراجع عنها بتغيير خريطة الشرق الأوسط، لم يصدر بيان من بيت العرب ولا من أية خارجية عربية، يندد ويستنكر ويرفض تقرير مصائرنا من قبل عدونا. ألا نتذكر الجدل الذي دام سنين عديدة بين مدرستين من مدارس نخبنا القومية والقُطرية، حول إعاقة الحدود القُطرية للتكامل الاقتصادي وحرية تنقل العمالة العربية، ووضع أسس  أولى للوحدة العربية.

الواقع اليوم أسوأ، ويعزز قناعات عديدة بوجود علاقة عكسية بين المحفظة وبين المواقف، إذ كلما تضخمت المحفظة والصناديق السيادية في عواصم الغرب -العدو، تراجعت المواقف القومية، وتقلصت. وعندما أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، عن تقرير مصير غزة  بدون حماس، بعد انتهاء العدو الإسرائيلي من تنفيذ مهمته التدميرية الشاملة لها، صمت كل العرب صمت سكان القبور، ولم يقولوا لا، هذا ليس شأنك، دع الشعب في غزة يقرر مصيره بحرية، بالحرية التي تبشر بها وتزعم أن دولتك هي حاضنتها وأمها الرؤوم والمدافعة  الكونية عنها ضد كل انتهاك لها ماعدا انتهاكات قاعدتك الأمامية لها في منطقتنا. لقد قبلنا بسكوت السلاح المسمى بالعربي المصنوع في دول الغرب، ولم نتوقع أن تهب أية دولة عربية لنجدة غزة نظرًا لتفوق إسرائيل العسكري الساحق الماحق وتوقع اشتراك حلفاء الكيان معها لإحباط أي عمل عسكري عربي. نحن في حالة عجز  مذلٍّ تسهم فيه التبعية العربية لسوق السلاح الغربي وللاقتصاد الغربي، ولانعدام إرادتنا لتغيير استرتيجية أمريكا بديمومة تفوق إسرائيل العسكري حتى على شركائها "الاستراتيجيين"، ولزمنا الصمت الذي سيتبعه انصياع.

إن أقصى المطلوب هو وقفة عز تقول لأمريكا ولإسرائيل، لا، قبل أن تصل سكين إسرائيل إلى الرقاب العربية. هل نستطيع رفض تقرير مصير غزة أمريكيًا وإسرائيليًا، ونمنع  الخطوة الصهيونية الإضافية  لتصفية القضية الفلسطينية بجانب استعمارها الاستيطاني في الضفة.

وبهذا الصدد أقول لا تصدقوا ولا تثقوا بما يقال في واشنطن وتوابعها  عن العمل فور تحقيق إسرائيل لأهدافها في غزة، بأنها ستعمل على حل الدولتين. حدث هذا بعد غزو واحتلال العراق وتدميره عام 2003، الذي قيل كرشوة للصمت العربي. أما بعد هزيمتنا في غزة فسنكون أضعف ومهانين ومستسلمين.

إن واشنطن تعلم أننا نريد حلًا لدولة واحدة فقط، لأن الأخرى موجودة، ولأنها وحدها هي الموجودة فهي تنكر على الأخرى حقًا مشروعًا، وتقوم باعتداءاتها المتوالية بإشارات  خضراء، وبدعم شامل من واشنطن  وتوابعها في حلف التوسع الاستعماري، الأطلسي. لقد أزاحت هذه الدول القناع عن سياستها التفضيلية لكل عمل عدواني إسرائيلي، سواء في تصويتاتها في مجلس الأمن وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو في بياناتها وإعلامها، وفي عدم إنصاتها لأي رأي أو موقف مخالف. هل هناك أبلغ مما قاله الأمين العام للأمم المتحدة، وهو يعبر عن روح ومقاصد الأمم المتحدة: "إن الشعب الفلسطيني تحت احتلال خانق منذ 56 عامًا، وما حدث لم يأتِ من فراغ، وأن هجمات حماس لا تبرر القتل الجماعي"، وما قاله مندوب روسيا في الأمم المتحدة بأن "حق الدفاع عن النفس لا ينطبق على الدولة المحتلة". هل قلنا مثل ما قالاه؟ الخطر يدهم الكل، وبوابته غزة، وعلينا مقاومته قولًا وفعلًا. هزيمة حماس مقدمة لما هو أسوأ لنا جميعًا وبدون استثناء. لا لهزيمة حركة التحرر الوطني حماس.